فلسفة الأعصاب وخفايا المخ في معرض يلف الولايات المتحدة

توثيق لأعمال راموني كاجال الحائز نوبل

راموني كاجال (نيويورك تايمز) - صورة ملونة للتفاعل في الدماغ  (نيويورك تايمز)
راموني كاجال (نيويورك تايمز) - صورة ملونة للتفاعل في الدماغ (نيويورك تايمز)
TT

فلسفة الأعصاب وخفايا المخ في معرض يلف الولايات المتحدة

راموني كاجال (نيويورك تايمز) - صورة ملونة للتفاعل في الدماغ  (نيويورك تايمز)
راموني كاجال (نيويورك تايمز) - صورة ملونة للتفاعل في الدماغ (نيويورك تايمز)

بعض أجهزة الميكروسكوب اليوم أصبحت دقيقة لدرجة تمكنها من رسم صورة للمسافة الفاصلة بين خلية وأخرى في المخ، وهي المسافة التي يقل حجمها آلاف المرات عن عرض شعرة في الجسم البشري.
وتستطيع تلك الميكروسكوبات كشف الجيوب الدقيقة التي تحمل أدق المعلومات والتي تعبر المسافة الفاصلة بين الخلايا لتشكل ما يعرف بالذاكرة. وفي صور ملونة التقطها ميكروسكوب مزود بمغناطيس عملاق، نستطيع مشاهدة نشاط نحو 100 مليار خلية مخية تتحدث إلى بعضها البعض.
وقبل ظهور تلك التكنولوجيا بعقود، كان أقصى ما يمكن لرجل منكفئ على ميكروسكوب في إسبانيا في بداية القرن العشرين أن يحاول تخمين طريقة عمل المخ. وفي هذا الوقت كان ويليام جيمس يحاول تطوير علم النفس ليصبح علما مستقلا، وكان السير تشارلز سكوت شيرنغتون يحاول تعريف النظام العصبي التكاملي. كان سالنياغو راموني كاجال فنانا، وطبيبا، ولاعب كمال أجسام، وعالما ولاعب شطرنج وناشرا، وكان أيضا الأب المؤسس لعلم الأعصاب. والشهر الماضي، افتتح متحف وايزمان أرت ميوزيوم بمدينة مينابوليس معرضا متنقلا يعد الأول الذي يخصص فقط لأعمال راموني كاجال. ومن المقرر أن يتوقف المعرض في مدن مينابوليس، وفانكوفر، وكولومبيا البريطانية، ونيويورك، وكامبريدج، وماس، وتشابل هيل، وذلك حتى أبريل (نيسان) 2019.
بدأ راموني كاجال بالاهتمام بالفنون البصرية والتصوير، وأيضا اخترع طريقة لعمل الصور الملونة، بيد أن والده أجبره على الالتحاق بكلية الطب. ومن دون خلفيته الفنية، ما كان لإنتاجه أن يكون بهذا التأثير الكبير، بحسب الدكتور سوانسون، مضيفا: «من النادر أن تجد عالما وفي نفس الوقت فنانا مميزا يستطيع إظهار جميع أعماله بعبقرية. يبدو أن هناك اهتماما ظاهرا بالتفاعل بين العلم والفن، وأعتقد أن كاجال سيكون علامة بارزة في هذا المجال».
وتوضح الصور في كتاب «العقل الجميل» ما ساعد راموني كاجال في استكشاف العقل والجهاز العصبي، ولماذا كان لأبحاثه هذا التأثير على مجال علم الأعصاب.
أراد راموني كاجال أن يعرف شيئا ما لم يفهمه أحد قط: كيف تتحرك النبضات العصبية في المخ؟ وتعين عليه الاعتماد على ملاحظاته الخاصة ليجد إجابة على هذا السؤال. تغيرت حياة راموني كاجال في مدريد عام 1887. عندما عرض له عالم إسباني آخر ما عرف باسم بقعة «غلغي»، وهو تفاعل كيميائي يعمل على صبغ خلايا المخ العشوائية. وكان العالم الإيطالي كاميلو غولغي هو من عمل على تطوير هذه الطريقة ليتمكن من رؤية تفاصيل الخلية العصبية من دون تدخل من الخلايا المجاورة. عمل راموني على تهذيب بقعة «غولغي»، ومن خلال التفاصيل التي اكتشفها في الصور حدثت ثورة في علم الأعصاب.
في عام 1906. اقتسم كاجال وغولغي جائزة نوبل، وخلال تلك الفترة كتب كاجال ما عرف باسم «فلسفة الأعصاب»، وهي النظرية التي جعلت خلايا المخ ينظر لها باعتبارها خلايا عصبية منفصلة، مما أدى إلى اكتشافه للطريقة التي تقوم بها تلك الخلايا بإرسال واستقبال المعلومات التي أصبحت شكلت لاحقا القاعدة لدراسة عالم الأعصاب الحديث.
وصفت نظرية كاجال تدفق المعلومات في المخ؛ فهي وحدات منفصلة تتحدث إلى بعضها البعض وفي اتجاه محدد، وترسل المعلومات من خلال ملاحق طويلة تعرف باسم «أسونز» أشبه بالفروع مرورا بالمسافات الفاصلة بينها.
لم يستطع كاجال رؤية تلك المسافات في الميكروسكوب، لكنه أطلق عليها اسم الوصلات العصبية، وقال: إننا لو فكرنا وتعلمنا وكونا ذكريات في المخ فإن هذه المسافة الصغيرة هي على الأرجح المكان الذي تصنع فيه الذكريات. ويدحض هذا الاعتقاد السائد حينها بأن المعلومات تنتشر في جميع الاتجاهات في الشبكة العصبية.
بات قبول النظرية الجديدة ممكنا بعد قيام راموني كاجال بتنقية بقعة «غولغي» وإصراره على تبادل أفكاره مع الآخرين. وفي عام 1889. أخذ راموني كاجال شرائحه وتوجه إلى مؤتمر علمي في ألمانيا، وثبت ميكروسكوب ووضع أمامه الشريحة في وجود كبار علماء ذلك الحين، وقال: «انظروا هنا، انظروا إلى ما أراه»، بحسب جانيت دوبنسكي، أستاذ علم الأعصاب بجامعة مينيسوتا، أضاف رامون «الآن ألا تعتقدون أن ما أقوله عن أن الخلايا العصبية هي خلايا مستقلة رأي صحيح؟».
دهش العالم الألماني الكبير ألبرت كولير، وشرع في ترجمة أعمال راموني كاجال من الإسبانية إلى الألمانية، ومن هنا انطلقت فلسفة الخلايا العصبية، لتحل محل النظرية الشبكية السابقة. لكن راموني كاجال مات قبل أن يستطيع أحد إثبات تلك النظرية. ربما كانت أبرز صور راموني كاجال تلك الصورة التي توضح الخلية العصبية الهرمية في القشرة الدماغية، وهي الجانب الخارجي للمخ المسؤول عن إدارة حواسنا وإعطاء الأوامر الحركية ومساعدتنا في تنفيذ وظائف عقلية أرقى كاتخاذ القرارات.
بعض تلك الخلايا في غاية الكبر لدرجة أنك لا تحتاج إلى ميكروسكوب لرؤيتها، على عكس أغلب خلايا المخ. درس راموني كاجال خلايا «بوركينجي» العصبية بنهم شديد وأوضح بتفاصيل دقيقة تركيبتها قريبة الشبه ببنية الشجرة مثل تلك الموجودة في المخيخ. ووفق الدكتور دوبنسكي الذي كتب فصلا في كتاب «العقل الجميل»، فالمحاور العصبية مثل تلك الموجودة في الصورة والمشار إليها بحرف «a»، بمقدورها التحرك لمسافات كبيرة في جسم الإنسان، بعضها يبدأ من الحبل الشوكي حتى أصغر أصبع في قدمك.
بالإضافة إلى إظهار تدفق المعلومات في المخ، أظهر راموني كاجال أيضا طريقة تحركها في الجسم بالكامل، مما يتيح للإنسان تأدية وظائف مثل السعال والتقيؤ؛ فعندما نتقيأ مثلا تقوم المعدة بإرسال إشارة إلى العصب المبهم في المخ ومنه إلى الحبل الشوكي الذي يقوم بدوره باستثارة الأعصاب لتجعل المعدة تنقبض وتنبسط. وعلى نفس المنوال، فمجرد دغدغة بسيطة في نهاية حلقك تجعلك تسعل؛ فالحنجرة ترسل إشارة للعصب المبهم ثم إلى الدماغ فالحبل الشوكي، حيث تقوم الخلايا العصبية بإعطاء إشارة إلى عضلات الصدر والمعدة لتجعلها تتقلص.
اختتم الدكتور دوبنسكي بقوله إن «الناس عادة ما تبدأ المؤتمرات العلمية بعرض صور للرسومات التي صنعها كاجال لأن ما أضاف العلماء لاحقا يتماشى تماما مع طرحه كاجال منذ زمن. فما حققه كاجال لا يزال ساريا حتى اليوم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.