أشعة المخ ترصد آثار المخدرات لدى المراهقين

يعتقد كثير من الآباء أن أولادهم يكونون بمنأى عن الوقوع في فخ إدمان المخدرات بكل أشكالها؛ سواء تدخين المواد المخدرة أو تعاطي الحبوب التي تؤثر على القدرات العقلية، ما لم تظهر أعراض معينة على المراهق، بخاصة أنها أضحت معروفة.
أعراض الإدمان
وقد ساهمت وسائل الإعلام والاتصالات بشكل كبير في رسم صورة للمراهق الذي يتعاطى المخدرات والأعراض التي تظهر عليه، مثل الشرود أو الشحوب أو احمرار العينين، وأيضا بعض الأعراض السلوكية، مثل الكذب باستمرار، أو محاولات استخدام طرق غير مشروعة للحصول على النقود، والميل إلى العنف... وغيرها.
والواقع أن هذه الأعراض حتى وإن كانت في مجملها حقيقية، إلا أنها ربما لا تحدث إلا بعد فترة طويلة جدا من الإدمان، فضلا عن إمكانية أن تحدث هذه الأعراض نتيجة لبعض التوترات النفسية من دون أن يكون المراهق مدمنا بالفعل، وأيضا هناك فروق شخصية بين شاب وآخر لتحمل نسبة معينة من المواد المخدرة. لذلك، فإن التعرف على بداية استخدام المخدرات قبل ظهور الأعراض يكون مفيدا جدا.
وفي أحدث دراسة تناولت هذا الموضوع ونشرت في شهر فبراير (شباط) الماضي بدورية «نيتشر كوميونيكيشن Nature Communications» حاول الباحثون من جامعات أميركية وألمانية التوصل إلى طريقة لمعرفة إذا ما كان المراهق يتعاطى المخدرات أم لا، من خلال عمل أشعة على المخ.
وتم إجراء التجربة على 144 مراهقا من الذين سجلوا أعلى الدرجات من خلال تصنيفهم على أن لديهم معامل خطورة أن يصبحوا مدمنين لاحقا سواء للمخدرات أو الكحوليات، من خلال رصد مواصفات شخصية معينة خاضعة لقياس نفسي (novelty seeking) والطامحين لتجربة استخدام أشياء جديدة والمغرمين بالتفوق والمخاطرة والإقدام على التحديات المختلفة. وقد أوضح العلماء في دراستهم أن هذه الخصائص ليست سيئة بالضرورة؛ بل على العكس، يمكن أن تكون في بعض الأحيان حافزا للتقدم وعمل الإنجازات التي تحتاج إلى مخاطرة، ولكن هؤلاء الشباب يكونون أكثر عرضة بالطبع للإدمان.
وتوصل الباحثون إلى تقنية لتصوير منطقة معينة من المخ على اعتبار أنها مسؤولة عن تحفيز الشخص للمكافأة، أو الإقدام على تجربة شيء جديد، وسموها اختصارا «MID». واستخدموا في سبيل ذلك تقنية التصوير عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي «MRI» وذلك بأن يرقد الشخص للتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي ويتم عرض فيديو للعبة معينة، وعن طريق تحقيق النقاط في هذه اللعبة يتم استبدال النقود بها.
والأهم من تفصيلات هذه اللعبة أن الباحثين كانوا يخبرون الممارسين لها بأنه سوف تتم مكافأتهم ماديا بعد تجميع عدد معين من النقاط. وفي العدد الأعظم من هذه الشريحة (أي المراهقين الذين تم اختيارهم تبعا للرغبة في التجربة والمخاطرة) عند هذه المرحلة بالتحديد، يكون الجزء المسؤول بالمخ في قمة نشاطه وتحفزه استعدادا لجني الأرباح سواء المادية المتمثلة في النقود، أو المعنوية المتمثلة في التفوق في لعبة معينة.
أشعة المخ
وتعمل منطقة المخ هذه التي تتأثر بالمكافآت بشكل أقل نشاطا نسبيا لدى الأطفال عن البالغين. وفي حالة المراهقين الذين يتناولون أدوية المخدرات يكون ضعف التأثير بالمحفزات أكثر وضوحا، وهو الأمر الذي يشير إلى واحد من احتمالين: الأول، أن الأدوية المخدرة تعمل على تثبيط نشاط المخ كما يكون واضحا من خلال الأشعة. والثاني، أن المنطقة التي تكون مثبطة بالفعل في المخ هي التي تدفع المراهق إلى تناول المخدرات.
وأشار الباحثون إلى أنه في كلا الاحتمالين تكون الأشعة مفيدة في التشخيص المبكر، لأنه إذا كان الاحتمال الأول واردا، فإن الأشعة تقوم برصد التثبيط الموجود «نتيجةً» لتناول المخدرات. وفي الاحتمال الثاني يمكنها أن تتنبأ بأن المراهق ربما يكون أكثر عرضة لتعاطي المخدرات بسبب التثبيط الموجود في النشاط في المخ. وأوضح العلماء أن نتيجة الأشعة لا تكون قاطعة وتستطيع التأكيد على تناول المراهق للمخدرات؛ حيث إن التثبيط في نشاط المخ يمكن أن يكون لسبب آخر. ولكن استخدامها يعطي تحذيرا باحتمالية الحدوث، ويكون التأكد النهائي من خلال أخذ عينة من الدم.
يذكر أن الباحثين الأوروبيين كانوا قاموا بتتبع ألف طفل من أنحاء أوروبا تبلغ أعمارهم 14 عاما من الذين سجلوا أرقاما كبيرة في الاختبارات النفسية (novelty seeking) لمدة عامين، وتبين أن معظم هؤلاء الأطفال كانت لهم مشكلات في التعامل مع المواد المخدرة على اختلاف أنواعها، وعلى سبيل المثال، اعتادوا بشكل شبه يومي على التدخين أو شرب الكحوليات، وأيضا كانت هناك نسبة منهم لجأت إلى مواد أقوى مثل الهيروين. وفي الدراسة، واعتمادا على تحليل البيانات المختلفة للأطفال وتقارير الأشعة، كان الباحثون قادرين على التنبؤ بالأطفال الذين سوف يلجأون إلى المواد المخدرة في خلال العامين تبعا لنشاط المخ بنسبة تزيد على 60 في المائة، التي تعد نتيجة جيدة جدا في المستقبل بوصفها وسيلة تشخيصية خاصة قبل ظهور الأعراض المتعارف عليها. وأشار العلماء أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات مستقبلا لتأكيد هذه الدراسة.
وأوضح العلماء أن هذه الدراسة تعد الخطوة الأولى في التشخيص، وأنه سيكون من الجيد منع المراهقين من الانزلاق إلى خطر المخدرات قبل أن يبدأوا في التعاطي، وأن الأطفال الذين لديهم حب المغامرة والتجريب يمكن إجراء الأشعة لهم بشكل تشخيصي وتتم المقارنة مع الحالة الإكلينيكية للطفل، وأيضا الجلسات النفسية، لحماية الشباب من مخاطر الإدمان.

* استشاري طب الأطفال