صراع الفيلم و«الديجيتال»... يسترد فيه الأول بعض خسائره

28 إنتاجاً جديداً يعيد الحياة للأعمال الخام

لقطة من فيلم جف نيكولز «لفينغ» - من «الرائعون السبعة» لمخرجه أنطوان فوكوا
لقطة من فيلم جف نيكولز «لفينغ» - من «الرائعون السبعة» لمخرجه أنطوان فوكوا
TT

صراع الفيلم و«الديجيتال»... يسترد فيه الأول بعض خسائره

لقطة من فيلم جف نيكولز «لفينغ» - من «الرائعون السبعة» لمخرجه أنطوان فوكوا
لقطة من فيلم جف نيكولز «لفينغ» - من «الرائعون السبعة» لمخرجه أنطوان فوكوا

ثلاثة أفلام من تلك التي تم ترشيحها إلى أوسكار أفضل تصوير استخدمت الفيلم عوض الديجيتال لتصويرها وهي «صمت» لمارتن سكورسيزي و«سياجات» لدنزل واشنطن و«لا لا لاند» لداميان شازيل.
هذا في الوقت الذي ما زال يعتبر فيه أن التصوير بكاميرات تستخدم الفيلم عوض الديجيتال هو فعل من الماضي وأن المستقبل هو للديجيتال وحده.
في الواقع، باتت معظم الأفلام الأميركية وغير الأميركية تصوّر بالديجيتال بسبب طواعيته ورخصه. «الديجيتال يعطيك صورة طبيعية» يقول مدير تصوير «لا لا لاند» لينوس ساندغرن الذي فاز بالأوسكار قبل أيام عن هذا الفيلم. لكن آخر ما أراده المخرج داميان شازيل لفيلمه «لا لا لاند» هو أن يبدو طبيعياً، وأول ما أراده وبحث أمره مع مدير تصويره هو كيف يمكن منح الفيلم رؤية جمالية تشابه الأفلام الموسيقية الكلاسيكية في الخمسينات والستينات. الاختيار كان واضحاً: التصوير بكاميرا فيلمية.

ما لا يمنحه الديجيتال
الأفلام الثلاث المذكورة أعلاه ليست الوحيدة التي اعتمدت الفيلم. في العام المنصرم أحصى هذا الناقد 25 فيلماً آخر مما عرض في عام 2016 والأشهر القليلة الماضية، اختار التصوير بكاميرا فيلم لأسباب معظمها وجيه، مثل قدرة الفيلم على نقل صورة دقيقة لتعابير الوجه أو مثل قدرته على منح الألوان حدّة لا يمنحها الديجيتال أو مثل ضرورة استخدام عدسات لا تمنح التصوير بالديجيتال المزايا ذاتها التي تمنحها لكاميرا الفيلم.
أحد أكثر المدافعين عن الفيلم كمادة تصوير الفرنسي فيليب غاريل الذي أنهى تصوير فيلمه الجديد «عشيقة اليوم» الذي اختار تصويره لا بالفيلم فقط، بل بالأبيض والأسود، والذي كان صرّح في أعقاب فيلمه السابق «في ظل امرأة» بأنه لا يريد استخدام الديجيتال مطلقاً في أفلامه، مضيفاً: «إذا ما اختفى الفيلم سأتوقف عن العمل».
المخرج جف نيكولز صوّر آخر فيلمين له بكاميرا فيلم وهما «مدنايت سباشل» و«لفينغ». ومدير تصويره لهما كان أدام ستون الذي شرح السبب: «كاميرا الفيلم تعطيك شعوراً بالمصداقية عموماً، لكنها تمنح بعض المشاهد جماليات لا يمنحها الديجيتال». كمثال، يذكر ذلك المشهد الوارد في فيلم «لفينغ» الذي يجمع بين شقيقتين في المقدمة ووراءهما حقل ممتد. يقول: «الشقيقتان في الظل والحقل وراءهما وذلك يكون لوحة جمالية لا يستطيع الديجتيال تحقيقها.
وهناك كثير من هذا النوع من الجماليات موزعة على طول وعرض فيلم مارتن سكورسيزي «صمت» الذي قام رودريغو برييتو بتصويره. في الواقع، كان من الصعب إتقان التفاصيل الزمانية والمكانية بكاميرا ديجيتال. العمق الذي تتكون منه الكثير من المشاهد سوف لن يبد موحياً بالمسافات والألوان المشغول عليها سواء أكانت ألوان المكان (غابات ومناطق ريفية) أو تلك المتوفرة عبر تصاميم الملابس كان عليها أن تكون دقيقة وواضحة. في حديثه لمجلة «أميركان سينماتوغرافر» يقول برييتو: «منذ البداية كان واضحاً أن المعالجة الفنية التي يريدها سكورسيزي تتطلب التصوير بشريط الفيلم. لا يمكن لسواه أن ينقل ما كان يريد، وكنت متحمساً للعمل على ذلك النحو».

مصاعب معينة
هذه الحماسة عبّر عنها مدير التصوير ماندي ووكر الذي صوّر الفيلم الجديد «أرقام خفية» الذي صوّر الفيلم بكاميرتين 16 ملم و35 ملم لسبب وجيه: «كان التصوير بالفيلم أكثر ملاءمة لأجل القبض على الفترة الزمنية (الستينات) وتفاصيل المكان، بل تصوير البشرة تحت الأضواء. أردنا إظهار ذبذبات للصورة وكل هذا لا يمكن لكاميرا ديجيتال تأمينها».
على النحو نفسه قامت مدير التصوير شارلوت بروس كرستنسن بإقناع الممثل والمخرج دنزل واشنطن باستخدام مادة الفيلم عوض الديجيتال لفيلمه الأخير «سياجات»: «قلت له إن الفترة الزمنية التي تسترجعها (الخمسينات) والرغبة في شاشة عريضة لا تلغي الواقعية التي تقصد تصويرها، كلها أمور تتطلب التصوير بكاميرا فيلم. استمع لي ووافق سريعاً».
وهي الحماسة ذاتها التي صاحبت تصوير فيلم «المحاسب» لغافين أو كونر (تصوير سيموس مكارفي وبطولة بن أفلك) و«الرائعون السبعة» لأنطوان فوكوا (تصوير ماورو فيوري وبطولة دنزل واشنطن وكريس برات وإيثان هوك وآخرين).
سيموس مكارفي ينقل صورة أخرى وراء هذا الحماس: «لا شيء أحب على الممثل من أن يجد نفسه أمام ما تتطلبه الكاميرا السينمائية التي تستخدم الفيلم وبالتالي تستخدم كل تلك الأجهزة والعدسات التابعة لها. يشعر بأنه في حضرة فيلم فعلي». ونجد أن من أكثر ممثلي ومنتجي السينما دفاعاً عن كاميرا الفيلم توم كروز الذي يرفض استخدام الديجيتال كلما استحوذ على القرار في هذا الشأن كما الحال في فيلمه الأخير «جاك شولدر 2» الذي صوّره أوليفر وود.
ليس أن الإنتاجات التي تستخدم الفيلم لا تواجه مصاعب معينة، لكنها مصاعب هي ليست مسؤولة عنها مثل عملية تحويلها إلى ديجيتال ليتم توليفها على الكومبيوتر، وهي عملية تتطلب مهارة ومعرفة وأحياناً قدرات تقنية ليست من مسؤولية شريط الفيلم. بكلمات أخرى، فإن ما تبدّى لفنيي هوليوود أن تقنيات «أدوبي» الحاسوبية لا تستطيع أن تستوعب كل أنواع التصوير على الفيلم، كما يقول مدير التصوير روجر ديكنز (صوّر «مرحى، سيزار» على فيلم و«ترو غريت» على ديجيتال وكلاهما للأخوين كووَن.
كذلك هناك مشكلة مختلفة تتبع شركة «كوداك» التي توفر الأشرطة الفيلمية. في زمن مضى كانت هناك مقاسات وخامات (ستوك، كما تسمى) كثيرة يمكن لمدراء التصوير العمل بها. الآن وتبعاً لانتشار الديجيتال لم تعد «كوداك» تصنعها جميعاً، مما يجعل خيارات مدراء التصوير محدودة.
على ذلك، وبمقارنة التصوير بالفيلم مع التصوير بالديجيتال، فإن مشكلات الديجيتال الفنية لا تضع مجالاً للشك بأنها أكثر مما يرغب بها المخرج الذي يريد الحفاظ على نصاعة عمله (يرفض المخرج كريستوفر نولان، صاحب سلسلة «باتمان» من بين أفلام أخرى، استخدام الديجيتال على نحو مطلق).
حتى الآن، فإن دفاع الديجيتال عن نفسه هي أنه أسهل وأوفر. لكن مدير التصوير سيموس مكارفي بات قادراً على إقناع المزيد من المنتجين على أن رخص التكلفة ليس أمراً مضموناً مع الديجيتال: «لقد أظهرت للمنتجين كيف أن عمليات ما بعد التصوير في الديجيتال أكثر تعقيداً وقد تكلف أكثر من عمليات ما بعد التصوير بكاميرا 35 مم».
هذا كله ليس نقاش الساعة بل نقاش سنوات لكن المختلف في الأشهر الأخيرة فعل العودة إلى استخدام الفيلم كما لاحظنا فيما ذكرناه هنا من أفلام، وكما الحال مع أفلام معروفة وجديدة أخرى من بينها «الفتاة في القطار» (تم تصويره بالكامل بكاميرا 35 مم‪(‬ m و«في وادي الانتقام» و«أشرار وملائكة». مخرج الفيلم الأخير ج ت مولينر كتب مقالة منشورة في مجلة «موفي مايكر» حول كيف ساعده التصوير بكاميرا 35 مم على التوفير في ميزانية محدودة.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.