المصممون يستنسخون للصغار تصاميم تحاكي أزياء الكبار

الهدف هو استقطابهم في الصغر وفاء لهم في الكبر

كارولينا هيريرا
كارولينا هيريرا
TT

المصممون يستنسخون للصغار تصاميم تحاكي أزياء الكبار

كارولينا هيريرا
كارولينا هيريرا

منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، وأخبار افتتاح محلات أو شركات أزياء وإكسسوارات تخاطب الصغار تتوالى على المكتب، من ماركة «يونيكلو» التي أطلقت خطا قالت إنه نسخة من أزيائها للكبار، إلى مصممة الأحذية شارلوت أوليمبيا، التي طرحت مجموعة أحذية بتصميم الباليرينا زخرفتها بأشكال وألوان الفرح حتى تتماشى مع روح الطفولة مرورا بأسماء متمرسة كثفت عملياتها التسويقية في هذا المجال. فـ«يونيكلو» وشارلوت أوليمبيا ما هما إلا اسمان جديدان ينضمان إلى لائحة طويلة من الماركات وبيوت الأزياء التي انتبهت منذ فترة بأن صناعة أزياء وإكسسوارات الصغار منجم خصب يمكن التعامل معها كقطاع مستقل بذاته، بما في ذلك مواقع الإنترنت والمحلات الكبيرة التي وسعت نشاطاتها فيه. فموقع «نيت أبورتيه دوت كوم»، مثلا، أعلن نيته تخصيص قسم خاص لهم بعنوان «بوتيت أبورتيه» Petite - a - Porter، في حين أعلنت محلات «هارودز» توسيعها قسم الأطفال إلى أكثر من 66.000 قدم مربع وهلم جرا. هذا التسابق على نيل ود الصغار يثير الانتباه ويشير إلى أنه لم يأت من فراغ، وهو ما تؤكده الأرقام والأبحاث. فالتقديرات في السنوات الأخيرة تشير إلى أن أزياء الصغار في بريطانيا وحدها ستفوق الـ6.99 مليار جنيه إسترليني بحلول 2015. كما قدرت دراسة نشرتها شركة «مينتيل» نموه بأكثر من 6% خلال السنوات الأربع القادمة، خصوصا بعد قدوم المولود الجديد للأسرة البريطانية المالكة. والسبب أنه سيؤثر على كل قطاعات الموضة، سواء الراقية أو الشعبية، وأي ماركة سيظهر بها، ستنفد من السوق كما حصل تماما في اليوم الذي خرج فيه من المستشفى لأول مرة. المهم أن كل الدلائل تشير إلى أن العقد الحالي عقد الطفولة الذهبي، بعد أن كان التركيز في التسعينات على إكسسوارات المرأة، وتحديدا حقائب اليد، وفي بداية الألفية على الرجل بعد أن لمس الخبراء استعداده لدخول عالم الموضة. لكن بتوجه الموضة إلى الصغار، فهي في الحقيقة تستهدف زبائنها ممن كبروا وتزوجوا وأصبحوا آباء وأمهات، فليس هناك ما يدخل السعادة على قلوب هؤلاء أكثر من رؤية فلذات أكبادهم يعكسون ذوقهم وطموحاتهم، بغض النظر عن السعر. أكبر دليل على هذا أن دار «شانيل» التي تعتبر من الاستثناءات التي لم تركب هذه الموجة بعد، تداعبنا في بعض عروضها بظهور الطفل هادسون كرونيغ، البالغ من العمر أربع سنوات. وفي كل مرة يظهر فيها تتغير أجواء «لوغران باليه»، مسرح العرض ويعمها إحساس بالسعادة تظهر في الابتسامات العريضة التي ترتسم على الوجوه والشهقات التي تتعالى من الحاضرات خصوصا.
لهذا كله، من الطبيعي أن نرى تزايد الاهتمام بافتتاح محلات خاصة، إضافة إلى إبداعات لا تحصى، أحيانا لا تعترف بالسن بقدر ما تهتم بالحجم في ظل سيطرة العنصر التجاري، والسبب حسب محلات «هارودز» اللندنية، هو الرغبة في أرضاء الزبائن وتلبية أهوائهم، بعد أن لاحظت أن هناك نمطا جديدا في طريقة تسوقهم لصغارهم، يعتمد على اختيار قطع أساسية وكلاسيكية من مصممين كبار وقطع موضة من الأسماء المتوسطة، لكن دائما تكون التصاميم مستوحاة من تصاميم الكبار.
خبراء التسويق يشجعون هذه الظاهرة، ويؤكدون أنه بات لزاما على المصمم، ولكي يحافظ على ولاء زبائنه، أن يقدم لمواليدهم وأطفالهم تصاميم تعكس ذوقهم وتطلعاتهم. ثيوفانوس من محلات «أليكس أند أليكسا» التي أسست في 2007 واحد من أصحاب هذا الرأي، إذ يعلق بأن محلاته توفر ما لا يقل عن 9000 قطعة مختلفة للصغار من الجنسين: «فزبائننا تعودوا على شراء تصاميم عالمية لأنفسهم، لهذا من الطبيعي أن لا يرغبوا في تغيير أسلوبهم وطرقهم في التسويق، بالتوجه إلى شوارع الموضة الشعبية لشراء ملابس أطفالهم». ويضيف أن «المسألة ليست مجرد رغبة في شراء كل ما هو غال ونفيس، بل لأنهم يريدون أن يحصلوا على الأفضل. بالإضافة إلى هذا فإن المرأة عندما تصبح أما، تتغير نظرتها للحياة، ويقل اهتمامها بنفسها ليصب في صالح مولودها، لهذا تحول متعتها في التسوق لنفسها إلى التسوق له، فهذا ما يسعدها في هذه المرحلة من العمر». والملاحظ أيضا أنها إذا كانت في السابق تفضل الزخارف والأشرطة والألوان المتفتحة فإنها اليوم تريد منتجات تحمل اسم دار معروفة، ولا مانع لديها إذا كانت خالية من الزخارف والتطريزات بحيث تحاكي أسلوبها الخاص. لهذا بتنا نرى أزياء مستنسخة بالكامل عن أزياء الكبار. الفرق الوحيد أنها بمقاسات صغيرة، مثل ما قدمته دار «بربيري» أخيرا. فهذه الدار التي دخلت مجال الصغار منذ سنوات، تعرف إقبالا منقطع النظير على نقوشاتها المربعة وتصاميمها التي تعبق بروح بريطانية صميمة. تشكيلتاها الأخيرتان لموسمي الربيع والصيف والخريف والشتاء حققتا نجاحا واسعا أرجعته الدار إلى توسعها في أسواق جديدة في آسيا والشرق الأوسط. اللافت في هذه التشكيلات، إضافة إلى الكثير مما تطرحه الأسواق، أن الصغار لن ينتظروا حتى يكبروا للحصول على أزياء ناضجة، إن صح القول. فقد غابت ألوان الورد والأبيض والأزرق السماوي والكشاكش والرسومات الكرتونية، وحلت محلها ألوان الموضة الدارجة بالإضافة إلى التصاميم ذات الخطوط البسيطة. تصاميم، يمكن القول إنها، أكثر نضجا وأقل طفولية. ولا يمكن أن ننسى هنا دور بعض المصممات الشابات في تغيير توجهات الموضة، خصوصا من ألهمتهن الأمومة بدخول هذا القطاع والإبداع فيه.
المصممة ستيلا ماكرتني اعترفت في لقاء سابق أنها بدأت تخطط لتصميم أزياء للأطفال بعد أن أصبحت أما: «شعرت حينها بأن هناك ثغرة في السوق، بعد أن لم أتوفق في أزياء عملية ومعقولة من ناحية السعر وفي الوقت ذاته بجودة عالية وأنيقة». وبالفعل نجحت تجربتها، إذ تعرف تصاميمها التي يصل فيها سعر الـ«تي - شيرت» إلى 23 جنيها إسترلينيا والمعطف إلى 205 جنيهات إسترلينية، رواجا من قبل الأمهات الشابات على وجه الخصوص. شارلوت أوليمبيا بدورها اعترفت أنها حلمت دائما بتصميم أحذية للفتيات الصغيرات، مشيرة إلى أنها أم لولدين لكنها لا تزال تحلم بمولودة تلبسها بأسلوبها وتعكس من خلالها رؤيتها. ولا شك أن أسماء المصممين الذين سيدخلون عالم الصغار ستزيد، وحتى من لم يفكر في دخوله في السابق، لا بد أنه يفكر فيه الآن، بعد الحمى التي رافقت حمل دوقة كمبردج وإنجابها، ووصلت شظاياها إلى الجانب السياسي. فمما يذكر أن الحكومة البريطانية ذهبت إلى حد الموافقة على تشريع جديد يهدف إلى منح حقوق متساوية للأولاد من الذكور والإناث في خلافة عرش بريطانيا، ضمن تغييرات لمجموعة كاملة من القوانين التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن الثامن عشر. هذا التشريع جعل البعض يعتقد أن الأسرة المالكة تتوقع أن يكون مولود الأمير ويليام وكيت دوقة كمبردج أنثى. وصل المولود، وفند كل التوقعات، فهو ذكر، الأمر الذي أصاب البعض بخيبة أمل. فالمتعارف عليه أن التصميم للإناث ليس كالتصميم للذكور، لأنه يمنح مساحة أكبر للإبداع. فالرجل له قطع محددة وألوان مقيدة مقارنة بالمرأة، ولن يغير الأمير الصغير، جورج حفيد ملكة بريطانيا، ولا أي أمير في عين أمه، هذه الحقيقة. فأزياء الصغيرات أكثر جمالا وأناقة. هذا لا يعني أن المصممين لا يحاولون تغيير الوضع، بل العكس، يحسب لهم أنهم لا يتوقفون على إدخال بعض التطويرات والتغييرات في ما يتعلق بالألوان والنقوشات الجريئة، أو ابتكار بعض القطع الجديدة التي لم تكن ضمن خزاناته مثل الشورت القصير جدا. العنصر الثاني الذي يشجع بيوت الأزياء على كسب ود الإناث أكثر، أن الطفلة الصغيرة ستكبر ويكبر معها ولاءها للماركة. أي قد يتطور ارتداؤها لصدرية من «غوتشي» وهي تتناول طعامها، إلى رغبة في اقتناء حقيبة يد من الدار وهكذا. فالعملية أشبه بتعليمها لغة جديدة يجب عليها أن تمارسها من دون توقف حتى تبقى ملمة بها ووفية لها.



محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة   (آشي استوديو)
تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة (آشي استوديو)
TT

محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة   (آشي استوديو)
تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة (آشي استوديو)

محمد آشي، مصمّم آخر قدّم لنا وجهة نظره عن علاقة الظلام بالنور، والواقعي بالسريالي، مع تأثّر ملموس بكريستوبال بالنسياغا. تفنّن أيضاً في تحويل الخامات والأنسجة إلى منحوتات، لكن خلافاً لغيره، حقق في هذا الأسبوع الخاص بالأزياء الراقية أهدافاً أخرى. ففي مساء نفس اليوم قدّم مجموعة أزياء وإكسسوارات أبدعها لطاقم طيران الرياض، قال إنه استلهمها من الحقبة الذهبية لقطاع الطيران العالمي في خمسينات وستينات القرن الماضي.

مجموعته الخاصة بطاقم طيران الرياض عبارة عن قطع من الكشمير والوشاحات الحريرية والقبعات المستوحاة من خمسينات القرن الماضي (طيران الرياض)

ومع الساعة الـ11:30 صباحاً، ضرب لنا آشي موعداً مع تشكيلته لخريف وشتاء 2024-2025، التي اختلفت من حيث التفاصيل عما قدّمه لطاقم الطيران، وتشابهت معه في أنها حلّقت بنا بين الغيوم وفوق السُّحب، فقد يكون عنوانها «الغيوم المنحوتة» من باب الصدفة، لكن هذا لا يمنع من التخمين أن التحليق كان في باله.

وعند الساعة الـ10:30، بدأ الحضور في الوصول، كانت الأجواء خارج مبنى «مونيه دو باغيه»، الذي لا يبعد سوى بضع دقائق عن متحف اللوفر، يضج بالحركة والحماس. عدد من المؤثّرات والضيفات يلتقطن صوراً بتصاميمه، منحَتنا لمحة بسيطة عما يمكن أن نتوقعه من عرضه، أو هذا ما توهّمناه.

ندخل القاعة فتختلف الأجواء، وتنمحي من الذهن أي فكرة مسبقة تكوّنت لدينا في الخارج، فجأة يختفي نور الشمس، وتحل محله ظلمة لم يُبدّدها سوى ضوء الكاميرات عند التقاط صور نجوم الصف الأول، مثل ميشيل ويليامز، وسادي سينك، وتوم هولندر، وكاليستا فلوكهارات. كانت هذه أول مرة تحضر فيها هذه الأخيرة عروض باريس للموضة على الإطلاق، حيث كانت تتجنب الأضواء، لكنها تحتاج إليها بعد عودتها إلى الساحة الفنية بطلةً لمسرحية سام شيبارد الشهيرة «لعنة الطبقة الجائعة»، التي حازت على جائزة «أوبيي» عام 1977، ويتم إحياؤها في برودواي حالياً.

من جوانب ممشى العرض كان يتسرّب دخان لتعزيز حالة الغموض والإثارة، بينما تناثرت نباتات تولّد الانطباع بأننا انتقلنا إلى كوكب آخر، بينما زيّنت الحائط جدارية فنية متحركة.

قوته في التفصيل لا تخفى في كل قطعة عرضها رغم التفاصيل (آشي استوديو)

يُبدّد محمد آشي هذا الغموض حين يشرح أنه اختار «الغيوم المنحوتة» عنواناً لهذه التشكيلة؛ لكي يُدخلنا إلى عالم سريالي «مفعَم بالمشاعر والتجارب الإنسانية الدافئة»، ويضيف أن فكرته لم تكن أبداً الانفصال التام عن الواقع، بل فقط الابتعاد «بأرواحنا وجوارحنا» عن إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم. من هذا المنظور تخيّل عالماً موازياً أراده أن يكون مثالياً وواقعياً في الوقت ذاته، يعكس ما نعيشه من صراع بين الظلمة والنور.

افتتح العرض بهذه القطعة التي لعب فيها على القوة والنعومة وشكّل فيها الصدر وكأنه درع واقٍ (آشي استوديو)

بدأ العرض، وتوالت الإطلالات تفوح من بين طياتها وثنياتها وعناقيدها المتدلية، أو شراشيبها المنسدلة، فنيةٌ تستعرض قدراته على التفصيل، كما تستكشف خامات وتقنيات ضخّها بجرعات لا بأس بها من الشاعرية. فساتين هندسية عديدة رصّعها بأحجار ذات أحجام مختلفة، وأخرى تميّزت فيها التنورات بثنيات وطيّات لا تعرف بدايتها من نهايتها. أما القطعة التي افتتح بها العرض، فجاءت كأنها درع يحمي صدر صاحبته من عاديات الزمن، وقد جسّدت هذه القطعة كل معاني القوة والنعومة، من خلال شفافية منطقة الصدر وسماكة التنورة. إنه أمر تعمّده آشي في كل التشكيلة؛ لأنه وجّهها وفق قوله: «لامرأة تُدرك تماماً أنها تسير نحو مستقبل مجهول، لكنها مستعدة لمواجهته... بل ولاحتضانه بكل ثقة».

قطعة مصنوعة من شعر الحصان أكدت سريالية العرض وفنية المصمم (آشي استوديو)

في منتصف العرض تقريباً، يُدخلنا هذا العالَم المجهول بقطعة تصيب بالحيرة ما إذا كانت مستوحاة من ملكة أفريقية، أو من محاربة أمازونية، يأخذ فيها شعر الحصان شكلاً عابثاً وفوضوياً يغطّي كل الجسم، باستثناء جزء بسيط يظهر منه كورسيه بنفس اللون. وفي لحظة الاندهاش والاستغراب تلك، تتغير الموسيقى، ويتناهى صوت يشبه القهقهة، وكأن صاحبته تريد أن تحكي قصتها وجموحها للهروب من عبثية الواقع، لكن إذا كانت مهمة عروض الأزياء هي رسم صور تبقى راسخة في الذهن بأي شكل أو وسيلة، فإن محمد آشي نجح في تحقيق الهدف، وهو ما أكّدته الممثلة فلوكهارت بقولها: «كنت مبهورة طوال العرض، لقد كان رائعاً بغموضه ورومانسيته، وبالرغم من سوداويته التي أثارت بعض الخوف».

لكنها لم تنسَ أن تشير إلى أن غالبية القطع كانت رومانسية، ويمكنها أن تظهر بها بسهولة، مثل معطف بيضاوي يحضن الجسم، ويحميه من كل التأثيرات، ومعطف مشابه طرّزه بالكامل، وفستان أسود منحوت بفتحة عنق غير متماثلة مع أكتاف حادة، وهلم جرّا من التفاصيل المبتكرة.

معطف بيضاوي يُبرز شغف المصمم بالأحجام الهندسية الضخمة (آشي استوديو)

إن ميله الواضح للأشكال الهندسية التي تقارب فنون العمارة أو النحت، ذكّرنا بالراحل كريستيان ديور، والفرنسي ستيفان رولان، وغيرهما من المصمّمين، الذين تأثروا بكريستوبال بالنسياغا، أو على الأقل اعترفوا به كأستاذ.

محمد آشي، وبعد أكثر من عشر سنوات على إطلاقه أول تشكيلة له، ورغم توهّج نجمه في ساحة الموضة؛ كونه أول سعودي ينضم إلى فيدرالية الموضة لـ«الهوت كوتور»، فما زال آشي يدين لكريستوبال بالنسياغا بالكثير.