«شانيل قبل كوكو»... قصة من 11 فصلاً مكتوبة بالدانتيل والأشرطة

فن ترويض المعادن والأحجار الكريمة

لقطة من ورشة  الدار الواقعة خلال تنفيذ عقد من المجموعة - سوار من مجموعة «مارث» مصفوف بـ65 لؤلؤة و76 حجرة إسبينل و121 ماسة - ساعة سرية من مجموعة «غابرييل شانيل» مرصعة بالماس - خاتم وأقراط أذن من مجموعة «مارث» بالتواءات ومرونة تعكس مرونة الأشرطة
لقطة من ورشة الدار الواقعة خلال تنفيذ عقد من المجموعة - سوار من مجموعة «مارث» مصفوف بـ65 لؤلؤة و76 حجرة إسبينل و121 ماسة - ساعة سرية من مجموعة «غابرييل شانيل» مرصعة بالماس - خاتم وأقراط أذن من مجموعة «مارث» بالتواءات ومرونة تعكس مرونة الأشرطة
TT

«شانيل قبل كوكو»... قصة من 11 فصلاً مكتوبة بالدانتيل والأشرطة

لقطة من ورشة  الدار الواقعة خلال تنفيذ عقد من المجموعة - سوار من مجموعة «مارث» مصفوف بـ65 لؤلؤة و76 حجرة إسبينل و121 ماسة - ساعة سرية من مجموعة «غابرييل شانيل» مرصعة بالماس - خاتم وأقراط أذن من مجموعة «مارث» بالتواءات ومرونة تعكس مرونة الأشرطة
لقطة من ورشة الدار الواقعة خلال تنفيذ عقد من المجموعة - سوار من مجموعة «مارث» مصفوف بـ65 لؤلؤة و76 حجرة إسبينل و121 ماسة - ساعة سرية من مجموعة «غابرييل شانيل» مرصعة بالماس - خاتم وأقراط أذن من مجموعة «مارث» بالتواءات ومرونة تعكس مرونة الأشرطة

كل مرة تحضر فيها عرضا من عروض «شانيل» أو تعاين أيا من إبداعاتها في مجال المجوهرات، تشعر بأنها تحلق بك في عالم يتأرجح بين الحقيقة والخيال. فنبع الدار لا ينضب، وقُدرتها على نسج قصص أقرب إلى الأحلام، من مجرد خيط رفيع له علاقة بحياة الآنسة كوكو شانيل لا يُعلى عليها.
القصة التي أصدرتها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي خلال أسبوع الـ«هوت كوتير»، كانت من تأليف قسم المجوهرات والساعات، وكانت بعنوان «شانيل قبل كوكو» Chanel avant Coco. ورغم أن عنوانها مأخوذ من فيلم تناول سيرتها الذاتية في عام 2009، وكان من إخراج آن فونتين، فإن التركيز هنا يتناول بدايات المصممة، وقبل أن تشتهر على المستوى العالمي بسنوات، وربما هذا ما يستدعي التوقف والإعجاب بقدرة الدار على التقاط خيط بسيط، أو عنصر واحد، وإعطائه بُعدا فنيا يعيد كتابة التاريخ من منظور جديد ومُختلف. القصة التي صاغها قسم المجوهرات مؤلفة من 11 فصلا، بطل كل فصل امرأة ربطتها بغابرييل شانيل علاقة خاصة وشخصية قبل عام 1920. من هؤلاء النساء نذكر زينا ومود وجين وأنطوانيت وسوزان ومارث وغيرهن، وكلهن نساء دعمنها في بدايتها بشكل أو بآخر. في أبسط الأحوال تطوعن كعارضات ومروجات لقبعاتها لدى حضورهن ميادين الفروسية والسباقات التي كان يؤمها النخبة والطبقات الأرستقراطية حينذاك.
أما القصة التي تحكيها دار «شانيل» فتبدأ بكان يا ما كان، قبل قرن من الزمن، فتاة من أصول جد متواضعة جاءت إلى شارع غامبون لافتتاح بيت أزياء خاص بها. بعد عام من البحث حققت هدفها، ليُمحَى كل ما مضى فيُصبح مجرد مادة خصبة لقصص يتم حبكُها كل سنة لتُلهب الخيال وتُشعل فتيل الرغبة في منتجاتها.
لكن لا يختلف اثنان على أن هذه المرأة حققت ثورة في عالم الموضة النسائية في العشرينات من القرن الماضي، بتفكيكها التفاصيل المبالغ فيها والتعقيدات الكثيرة التي كانت تكبل حركة المرأة، وكادت أن تحقق ثورة مماثلة في عالم المجوهرات في عام 1932، لولا تدخل صاغة «بلاس فاندوم» وتصديهم لها. لكنها في كل الأحوال نجحت في خلق هالة حولها، لا تستطيع أن تميز حقيقتها من صحتها. مثلا ظلت طوال حياتها تحاول إخفاء جذورها المتواضعة، رغم أن الكل يعرف أنها ولدت في 19 أغسطس (آب) عام 1883 في دار أيتام خلف جدران دير أوبازين، الذي قضت فيه نحو سبع سنين من حياتها. هذه السنوات كانت كافية لترتسم معالم كل ركن من الدير بطرازه المعماري في مخيلتها، إلى جانب اللونين الأبيض والأسود الغالبين على ملابس الراهبات. وهذا ما ترجمته مرارا في إكسسوارات يغلب عليها الطراز الباروكي، لا يزال يتسلل بين الفينة والأخرى إلى تصاميم الدار إلى اليوم، فضلا عن تلونها بالأسود والأبيض.
عندما وصلت غابرييل شانيل سن الصبا، أصبحت خياطة نهاراً ومغنية ليلاً. واشتهرت بأغنية «من رأى كوكو في تروكاديرو؟» ومن هذه الأغنية اكتسبت لقبها كوكو، رغم إصرارها على أنه الاسم الذي كان والدها يناديها ويُدللها به عندما كانت صغيرة. وطبعا لم تكن هذه سوى محاولة أخرى لكتابة ماضيها بالطريقة التي تريدها وكانت تحلم بها، لا الطريقة التي عاشتها فعليا بعد أن أودعها والدها في الدير.
في شبابها تبلور أسلوبها الشخصي المتميز بأسلوب صبياني. كان بداخلها تمرد على المتعارف عليه، وجانب رافض لأن تتشبه بباقي النساء، فبدأت ترتدي أزياء مستوحاة من ملابس الرجال لفتت إليها الأنظار وأثارت الإعجاب في الوقت ذاته. لكن ما لا يعرفه كثير من عشاق كل ما يحمل توقيع «شانيل» من الجيل الحالي، أن بدايتها في عالم التصميم كانت من باب القبعات.
فقد شعرت بحسها الفني والتجاري، عند حضورها سباقات الخيل التي كانت تقام في دوفيل، بأن لها سوقا، كما تفتح مجالا للابتكار. وهكذا بدأت بتفكيك أشكالها التقليدية المزينة بالريش وجعلها أكثر بساطة وخفة بتزيينها بالأشرطة.
وهذه الأشرطة إلى جانب الدانتيل كانا المحور الذي التقطه قسم المجوهرات والساعات ولعب عليه في المجموعة الأخيرة «شانيل قبل كوكو». مجموعة مكونة من 49 قطعة تراقص فيها الماس مع السفير الوردي بتدرج مدروس ومحسوب، فيما تمازجت فيها أحجار المورجانيت واللؤلؤ والإسبينل وحجر القمر وياقوت بادبرادشا بالألماس، في أشكال تكاد تشعر بتمايلها وتراقصها كلما انعكس عليها الضوء. والفضل يعود إلى قدرة عجيبة على ترويض المعادن والأحجار أضفت عليها مرونة جعلتها تبدو مثل الدانتيل بالتواءاتها وأشكالها المعقودة على شكل فيونكات، سواء تعلق الأمر بالخواتم أو أقراط الأذن أو العقود والأساور. لم تختف زهرة الكاميليا، ماركة الدار المسجلة، بل كان لها مكان لا بأس به إلى جانب أشكال الطيور والشلالات التي اكتسبت بدورها انسيابية بفضل اللؤلؤ والماس. الملاحظ أن الدار لم تبخل على أي من هذه القطع بالفنية، واستعملت فيها آخر ما توصلت إليه من تقنيات في مجال تطوير المعادن. وليس أدل على هذا من طقم «غابرييل شانيل» المرصع بالماس الأبيض المقطع بشكل إجاصي، لتصل زنته إلى 22.51 قيراط، أو مجموعة «مارث» التي تعكس شفافية الدانتيل ومرونة الأشرطة والتواءاتها.
تجدر الإشارة إلى أن قصة كوكو شانيل مع المجوهرات الرفيعة تعود إلى محاولة يتيمة في عام 1932 أثارت عليها غضب الصاغة في بلاس فاندوم، الذين تكاتفوا ضدها على أساس أنها تتدخل فيما لا تفهم فيه ولا يعنيها، ما دعاها إلى التراجع عن تصميم المجوهرات والاكتفاء بها كإكسسوارات أزياء.
لكن مرت السنوات وتغيرت الثقافة، وأيقظت الدار الحلم باستحداث قسم خاص بالمجوهرات والساعات الرفيعة، أصبح ينافس باقي أقسام الدار أهمية وإبداعا.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.