الموضة تثور على النمطية والسياسات التفريقية بأسلحتها الخاصة

معاقون وبدينات ومحجبات ومُسنات في عروض الأزياء لخريف وشتاء 2017

العارضة السبعينية بينديتا بارزيني في عرض سيمون روشا -  العارضة الصومالية الأميركية المحجبة حليمة آدن في عرض «ماكس مارا» بميلانو - العارضة الممتلئة أشلي غرين في عرض مايكل كورس -  العارض جاك آيرز في عرض «تيتام جونز»
العارضة السبعينية بينديتا بارزيني في عرض سيمون روشا - العارضة الصومالية الأميركية المحجبة حليمة آدن في عرض «ماكس مارا» بميلانو - العارضة الممتلئة أشلي غرين في عرض مايكل كورس - العارض جاك آيرز في عرض «تيتام جونز»
TT

الموضة تثور على النمطية والسياسات التفريقية بأسلحتها الخاصة

العارضة السبعينية بينديتا بارزيني في عرض سيمون روشا -  العارضة الصومالية الأميركية المحجبة حليمة آدن في عرض «ماكس مارا» بميلانو - العارضة الممتلئة أشلي غرين في عرض مايكل كورس -  العارض جاك آيرز في عرض «تيتام جونز»
العارضة السبعينية بينديتا بارزيني في عرض سيمون روشا - العارضة الصومالية الأميركية المحجبة حليمة آدن في عرض «ماكس مارا» بميلانو - العارضة الممتلئة أشلي غرين في عرض مايكل كورس - العارض جاك آيرز في عرض «تيتام جونز»

اختلفت اللغات وتباعدت المسافات لكن اتفقت أسابيع الموضة العالمية على الحب واستيعاب الآخر، فيما يمكن القول إنه رد فعل على آراء دونالد ترمب التفريقية والسياسات الشعبوية عموما. ففي أسبوع لندن مثلا كان التركيز على تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتأثيراته عليها في المستقبل القريب، إضافة إلى رفض سافر لكل السياسات التفريقية وتمرد على القوالب النمطية للموضة. فأغلب العاملين في قطاع الموضة عموما من المهاجرين. كان لسان حال البريطانيين يقول بأنه في وقت يعاني فيه العالم من الكثير من المآسي والظُلم لم يعد في الموضة مكان للمزيد من التمييز والتعنت، وأن الوقت قد حان لتغيير الوضع. فالسكوت عن الخروج من الاتحاد الأوروبي وتقبل ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية ليس ممكنا. وهذا تحديدا ما عبر عنه الثنائي تيتوم وجونز، بالاستعانة بكل من جاك آيرز الذي بُترت ساقه وعمره لا يتعدى الـ16 عاما، وكان أول عارض معاق يشارك في عروض نيويورك والعارضة كيلي نوكس التي وُلدت من دون ذراع. الرسالة كانت ردا صارخا على تعامل دونالد ترمب مع صحافي معاق وسُخريته منه خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي آثار حفيظة المثقفين والفنانين. فالنجمة ميريل ستريت مثلا خصصت خطابها في حفل الـ«غولدن غلوب» الأخير لتنأى بنفسها عن سياسات ترمب، وتعلن رفضها للغة الخطاب التي ليس من المُفترض أن تستعمل أساسا، فما البال إذا كانت من رئيس أميركي وموجهة لواحد من رعيته.
بعض المصممين التقطوا أيضا السلبية التي تعامل بها الرئيس الأميركي مع المرأة إضافة إلى معاناتها الطويلة مع التمييز في مجالات العمل، ولعبوا عليه. فقد دفع حصولها على رواتب أقل من نظيرها الرجل إلى الهوس بالشباب الذي يؤدي إلى ركنها على الرف عندما تتعدى الشباب، لا سيما في المجالات الإبداعية والفنية، مثل الموضة والسينما، المصممة سيمون روشا أن تلتقط هذا الخيط وتنسج منه قصة مثيرة استعانت فيها بثلاث عارضات تعدين عمر الصبا والزهور بعقود، لتعبر عن رفضها لمبدأ التهميش من جهة وأن تصاميمها لكل الأعمار من جهة ثانية.
وبالفعل كان لهذه اللفتة التي تتحدى الزمن مفعول السحر. وأغلب ما قدمَتْه من اقتراحات لخريف وشتاء 2017 كان له التأثير ذاته، إذ فاحت من جوانبه وثناياه عبق وألوان الورود؛ فحتى معاطف الصوف السميكة زينتها البتلات والأزهار المتفتحة. لكن رغم جمال التصاميم وابتكارها، فإن الصورة التي علقت بالأذهان كانت للعارضة والممثلة الستينية ماري صوفي ويلسون، التي شاركت في العرض. فقد اشتهرت هذه الأخيرة بجمالها الذي لا يعترف بجنس واحد وأسلوب «البانك»، الأمر الذي أثار إليها أنظار مصورين عالميين من أمثال بيتر ليندبورغ وماريو تيستينو. ونافستها على خطف الأضواء كل من لبينديتا بارزيني، العارضة التي اشتهرت في الستينات من القرن الماضي وأدرجتها مجلة «هاربرز بازار» في قائمة عام 1966 كواحدة من أجمل نساء العالم، والبريطانية جان دو فيلنوف، التي تصدرت صورها أغلفة مجلة «فوغ» في الستينات. ثلاث نساء ستينيات وسبعينيات أكدن أنهن لا يزلن قادرات على القيام بمهمتهن على أحسن وجه. أكدن أيضا أن الزمن لم يأخذ من جمالهن ولا رشاقتهن أو قدرتهن على العطاء شيئا.
الطريف أن عواصم الموضة العالمية لم تكتف بالتمرد على السياسات التفريقية والشعبوية فحسب، بل تمردت أيضا على نفسها وما كانت تؤمن وتعمل به سابقا. مثلا استعان بعض المصممين بعارضات ممتلئات، إن لم نقل بدينات بمقاييس الموضة سابقا. أشلي غرين مثلا ظهرت في عروض «مايكل كورس» و«برابال غورانغ» بنيويورك و«ماكس مارا» بميلانو. والحقيقة أننا إذا حاولنا التفاؤل ونظرنا إلى نصف الفنجان من زاوية أنه مملوء، فإننا قد نذهب إلى حد القول بأن مفعول دونالد ترمب على الموضة لم يكن سلبيا بمُجمله. فقد خلق ردود أفعال إيجابية لم تكن متوقعة أو ممكنة منذ عقد من الزمن، بل ومنذ عامين فقط. فقد أثار بتطرف أفكاره حفيظتهم وأشعل فتيل التمرد على السياسات الانعزالية والشعبوية، وكانت النتيجة مسارعتهم لمعانقة الاختلاف بكل أشكاله. فقد شهد أسبوع نيويورك ثاني مشاركة للماليزية أنيسة حاسبيان، وهي مصممة متخصصة في ملابس المحجبات، وهو ما لم يكن يخطر على البال منذ خمس سنوات تقريبا. ليس هذا فحسب، بل سجل الأسبوع أيضا مشاركة حليمة آدن، وهي أول عارضة محجبة، أميركية تنحدر من أصول صومالية. غني عن القول إن مشاركتها في عرضي «ييزي» لكيني ويست وبرابال غورانغ أثارت الكثير من الإعجاب والجدل على حد سواء. هذا الجدل شجع على تكرار التجربة في ميلانو حيث استعانت بها بيوت أزياء أخرى نذكر منها «ماكس مارا». وليس من المبالغة القول إنها سرقت الأضواء من كيندل جينر ونافست جيجي حديد، وليس ببعيد أن نراها في أسبوع باريس هذا الأسبوع.
ورغم أن منظر فتاة أو امرأة بملابس أوروبية ورأس مغطى بحجاب من الأمور المألوفة حالياً في العواصم العالمية، فإن اختيار حليمة، كأول عارضة تشارك في عروض الموضة بحجابها، رسالة قوية. فهي تعكس ما هو حاصل حالياً من أحداث سياسية، وتغيرات ثقافية واجتماعية، أكثر مما يُعبر عن رغبة في استقطاب زبونة تجاهلتها الموضة طويلاً، رغم إمكانياتها المادية، وقدراتها الشرائية. فإلى الآن، كانت مخاطبة هذه الزبونة تستعمل لغة تجارية محضة، كونها مستهلكة جيدة، كما حصل مع الثنائي دولتشي وغابانا عندما طرحا لها مجموعة من العباءات في العام الماضي. فهذه العباءات بطرحات الرأس كانت لتحقيق الربح أولاً، واستقطاب المزيد من زبونات المنطقة ثانياً.
الوضع مختلف في حال حليمة، البالغة من العمر 19 عاماً، فالتعامل معها تم بشكل مهني، كعارضة محترفة مثلها مثل جيجي وبيلا حديد وكيندل جينر وغيرهن. وهذا ما شرحته المصممة ألبيرتا فيريتي، عبر حسابها الخاص على «إنستغرام»، بقولها إن عرضها كان فرصة «لاحتضان ثقافة الغير، وتقبل الاختلاف، للخروج عن المألوف، وتغيير النظرة السائدة من خلال حليمة أدن». لكن ما لم تقله أنه أيضًا احتضان للغير، بحكم أن كثيرًا من زبونات الموضة يلبسن الحجاب، ولا يرينه يتعارض مع الذوق الخاص والموضة.
تجدر الإشارة إلى أن حليمة ليست جديدة على خلق الجدل، ولا على التحدي. فقد ولدت في مخيم للاجئين بكينيا، قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية وعمرها ست سنوات، وكانت أول مشاركة بالحجاب في مسابقة «ميس مينسوتا» قبل ذلك. ما يُحسب لها أنها مقتنعة أن الحجاب ليس عائقاً في الحياة العامة، لأنه مجرد تعبير عن رأي شخصي على الآخر احترامه وتقبله.
فما أكدته أسابيع الموضة لحد الآن أن وراء كل غيمة سوداء أملا قويا بأن تسطع الشمس من جديد على شرط أن تتكاثف الجهود. وهذا ما تابعناه في نيويورك، ولندن، وميلانو لحد الآن من خلال ثورة هادئة تسلح بها المصممون بالصورة وبقلب الموازين والمتعارف عليه بدل الصراخ والمانشيتات العريضة.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».