أكثر من 400 قتيل في الأسبوع الأول لمفاوضات جنيف

ملف المعتقلين لم يشهد أي تقدم رغم تضمينه في القرار الأممي 2254

متطوعون في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يعملون على موقع في مدينة أريحا شمال غربي سوريا استهدف بالطيران الحربي أول من أمس (رويترز)
متطوعون في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يعملون على موقع في مدينة أريحا شمال غربي سوريا استهدف بالطيران الحربي أول من أمس (رويترز)
TT

أكثر من 400 قتيل في الأسبوع الأول لمفاوضات جنيف

متطوعون في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يعملون على موقع في مدينة أريحا شمال غربي سوريا استهدف بالطيران الحربي أول من أمس (رويترز)
متطوعون في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) يعملون على موقع في مدينة أريحا شمال غربي سوريا استهدف بالطيران الحربي أول من أمس (رويترز)

رصدت منظمة حقوقية سوريا ما لا يقل عن 55 انتهاكًا رئيسيا في الأسبوع الأول من الجولة الرابعة لمفاوضات جنيف، ارتكبتها أطراف النزاع الفاعلة في سوريا، كانت 88 في المائة منها على يد النظام السوري وروسيا.
وأشار تقرير (الشبكة السورية لحقوق الإنسان) إلى أنه على الرغم من سريان اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار في سوريا منذ 30 ديسمبر (كانون الأول) 2016، فقد سُجل كثير من عمليات القصف والقتل غير المشروع، حيث ارتفعت وتيرة ارتكاب المجازر، وتزايدت عمليات استهداف المدنيين والمراكز الحيوية المدنية بعد انطلاق جولة المفاوضات.
وذكر التقرير أن ملف المعتقلين لم يشهد أي تقدُّم رغم تضمينه في القرار الأممي رقم 2254 الذي نصَّ على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين، وخصوصًا النساء والأطفال، بشكل فوري، كما لم يلحظ التقرير أي تغير في وتيرة الاعتقالات التعسفية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري. كما أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان لم تُسجل - حسب التقرير - إفراج النظام السوري عن أي دفعة من المعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة له بشكل غير مشروط، بل كان ذلك إما عبر صفقات تجريها قوات النظام السوري مع فصائل المعارضة لتبادل الأسرى، أو عبر الإفراج عن المعتقلين الخاضعين لمحكمة مكافحة الإرهاب من السجون المركزية، وذلك بعد دفع كفالة مالية وبقاء المعتقل قيد المحاكمة.
وأوضح التقرير أن حصيلة ضحايا العمليات القتالية المرتكبة في المدة التي يُغطيها قد بلغت 413 شخصًا، يتوزعون ما بين 282 مدنيًا بينهم 54 طفلاً، و35 سيدة، و131 من مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة. قتلت قوات النظام السوري منهم 141 شخصًا يتوزعون ما بين 99 مدنيًا بينهم 24 طفلاً، و14 سيدة، و42 من مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة، بينما قتلت القوات الروسية 23 مدنيًا، بينهم 4 أطفال و9 سيدات، في حين أسفرت عمليات الاعتقال عن اعتقال 74 مدنيًا.
وذكر التقرير أن قوات النظام السوري وميليشياته استمرت في عرقلة دخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة، حيث قامت تلك الميليشيات يوم الاثنين 20 فبراير (شباط) الماضي، باحتجاز عدة شاحنات ضمن قافلة مساعدات إنسانية مُتجهة إلى حي الوعر بمدينة حمص عدة ساعات، لتعود القافلة أدراجها دون الدخول إلى الحي.
ووثق التقرير ما لا يقل عن 55 انتهاكا بين عمليات قتالية وعمليات اعتقال أثناء الأسبوع الأول من الجولة الرابعة للمفاوضات، أي بين 20 و27 فبراير، كان 42 منها على يد قوات النظام السوري، و4 انتهاكات على يد القوات الروسية، وانتهاكا واحدا على يد قوات الإدارة الذاتية، واثنين على يد فصائل المعارضة المسلحة، و3 على يد قوات التحالف الدولي، فيما سُجل انتهاك واحد على يد جهات أخرى.
وطالب التقرير الأمم المتحدة بتشكيل لجنة أممية على الأرض، لمراقبة خروقات وقف إطلاق النار، وتحديد مرتكبيها، بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الحقوقية الوطنية الفاعلة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.