حديث الروس عن «الإرهاب» يربك «جنيف 4»

مصادر غربية نقلت عن دي ميستورا وصفه لاجتماعه مع الجعفري بأنه «صدامي»

طفل من مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق يبحث عن متعلقات عائلته بين الأبنية التي دمرها طيران النظام في قصف على المدينة المحاصرة أمس (إ.ب.أ)
طفل من مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق يبحث عن متعلقات عائلته بين الأبنية التي دمرها طيران النظام في قصف على المدينة المحاصرة أمس (إ.ب.أ)
TT

حديث الروس عن «الإرهاب» يربك «جنيف 4»

طفل من مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق يبحث عن متعلقات عائلته بين الأبنية التي دمرها طيران النظام في قصف على المدينة المحاصرة أمس (إ.ب.أ)
طفل من مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق يبحث عن متعلقات عائلته بين الأبنية التي دمرها طيران النظام في قصف على المدينة المحاصرة أمس (إ.ب.أ)

رمى نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الذي كان أمس محور الاتصالات واللقاءات في اليوم السادس من محادثات جنيف، الكرة في ملعب الوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا عندما شدد، في تصريحات أدلى بها أمس في «قصر الأمم»، على أن «الإرهاب ومحاربة الإرهاب أولوية يجب أن تكون على جدول الأعمال إلى جانب مواضيع أخرى تم اقتراحها ويتضمنها القرار 2254». وجاءت هذه التصريحات بعد لقائه وفد النظام السوري برئاسة السفير بشار الجعفري في مقر البعثة الروسية في المدينة السويسرية. وبذلك يكون الدبلوماسي الروسي الذي وصل إلى جنيف أول من أمس للمشاركة في دورة لجنة حقوق الإنسان، قد تبنى تماماً موقف الحكومة السورية الذي ما فتئ يطالب بجعل الإرهاب بنداً أول على أجندة المحادثات، خصوصاً بعد العمليات الهجومية التي استهدفت مراكز أمنية في مدينة حمص يوم الجمعة الماضي.
بيد أن للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا رأياً آخر، إذ يرى أن موضوع الإرهاب ووقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية من «اختصاصات» اجتماعات آستانة العسكرية التي ترعاها روسيا وتركيا وإيران، بينما جنيف مخصصة للمسائل السياسية وللملفات، أو «السلال» الثلاث التي اقترحها في «الورقة» المقدمة إلى الوفود السورية، معارضة ونظاماً، وهي تخلو من ملف الإرهاب. وسارع المتحدث باسم وفد الهيئة العليا سالم المسلط إلى الرد على الموقف الروسي، بقوله، إن «موضوع الإرهاب لا يحتاج لمفاوضات»، وأن الوفد الحكومي يستغله لـ«المماطلة» وتأخير الوصول إلى جوهر المفاوضات.
ومنذ وصوله إلى جنيف، سرق الوفد الدبلوماسي الروسي الأضواء من المبعوث الأممي، إذ إنه فتح خطوط التواصل مع كل الأطراف السورية والدولية والإقليمية. وكانت باكورة اتصالاته اجتماعاً صباحياً مع وفد الحكومة السورية أتبعه بلقاء مع المبعوث الأممي، واجتماع تنسيقي مسائي مع مسؤول الملف السوري في الخارجية الإيرانية الأنصاري. أما مع وفد الهيئة العليا، فبعد اجتماع أول «تمهيدي» أمس حضره من الجانب الروسي سيرغي فيرشينين، مسؤول دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الروسية، ومن جانب الهيئة العليا نصر الحريري، رئيس الوفد، سيعاود الطرفان الاجتماع اليوم وهذه المرة بحضور غاتيلوف. ويريد وفد الهيئة الاستفادة من الاجتماع للتعرف «في العمق» على ما تريده موسكو، وعلى تصورها لما يمكن أن تفضي إليه جولة جنيف الراهنة، حيث بدأ تلمس المخاوف من أن يكون مصير «جنيف4» كمصير الجولات السابقة، إذا ثبت لديها أن موسكو ما زالت تتبنى تماماً مواقف النظام.
وحتى أمس، كانت المعارضة تراهن، في ظل الغياب الأميركي الملحوظ حتى الآن، على «اعتدال» روسي يتظاهر بالضغط على وفد النظام للدخول، أخيراً، في التفاوض على عملية الانتقال السياسي التي جعلها دي ميستورا «عنوانا» رئيسيا للجولة الراهنة. وتندرج تحته البنود الثلاثة الخاصة بالحوكمة والدستور والانتخابات كما فصلها في «الورقة» المقدمة لكل الوفود السورية التي تتضمن كذلك «مدونة سلوك» يتعين الالتزام بها بين الأطراف. وتريد المعارضة كذلك، من موسكو تثبيت وقف النار الذي تهاوى أكثر فأكثر، وتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها لوفد المعارضة العسكري الذي شارك في اجتماعي آستانة وإيصال المساعدات الإنسانية. لكن يبقى الملف السياسي الأهم بالنسبة إليها، أي مفاوضات جنيف، وما يمكن أن تسفر عنه.
وكانت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف، قد تميزت ببعض الليونة، إذ أكدت موسكو أنها تبحث مع دمشق النظام «كل الملفات بما في ذلك الأفكار حول إنشاء مناطق آمنة». وذهب بوغدانوف إلى الحديث عن «ضرورة تشكيل هياكل حكم تضم ممثلي الحكومة السورية (حكومة النظام) والمعارضة الوطنية». وأضاف وفق ما نقلته عنه وكالات الأنباء الروسية، أن «النظام في سوريا يجب أن يكون علمانياً، وليس سنياً أو علوياً أو أي نظام آخر، ويتم اختياره في انتخابات وإجراءات ديمقراطية، تشمل السوريين داخل البلاد، واللاجئين المتمتعين بحق التصويت لاختيار قياداتهم».
ومن جانبه، أعلن غاتيلوف أن الغرض من الاجتماع مع وفد الهيئة العليا هو «التعرف» إلى مواقفها بالنسبة للمفاوضات وللملفات التي تتناولها، إذ إنه «لا يعرف» ما هي هذه المواقف. وهذا الاجتماع هو الأول من نوعه بين الطرفين، علماً بأن موسكو استضافت مسؤولين من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة الذي يشكل عماد الهيئة العليا للمفاوضات. وقالت البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في بيان لها، أمس، إن غاتيلوف التقى رنده قسيس «من منصة آستانة» في جنيف التي تطالب موسكو بضمها إلى المفاوضات، كما تطالب بضم الأكراد أي الحزب الديمقراطي الكردي. كما ينوي غاتيلوف الالتقاء بممثلي منصتي القاهرة وموسكو؛ ما يعني رغبة في التواصل مع كل المكونات السورية نظاماً ومعارضة.
ونقلت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط» عن اجتماع وفد النظام بالمبعوث الأممي، قول الأخير في معرض توصيفه للاجتماع، بأنه كان «رياضياً» أي صدامي. وأعرب دي ميستورا عن أمله بـ«أن يمتنع الجعفري عن التحدث إلى الصحافة لأنه، في هذه الحالة، سيعمد إلى مناقضته». وبالفعل وبعد أن أعلن مكتب المبعوث الأممي عن لقاء صحافي للسفير الجعفري مع الصحافة المعتمدة في جنيف وبعد انتظار زاد على الأربعين دقيقة، عمد الجعفري إلى إلغاء المؤتمر، علماً بأنه دأب باستمرار على التوجه إلى الصحافة بعد كل لقاء مع دي ميستورا. وقالت موظفة في مكتب دي ميستورا، إن الجعفري «يعتذر شخصياً» عن التحدث للصحافة في هذا الوقت، تاركة المجال مفتوحا لحديثه في وقت لاحق. كذلك، فإن رئيس وفد المعارضة نصر الحريري ألغى مؤتمرا صحافيا كان قد تم الإعلان عنه لأسباب لم يوضحها وفده. وكان من المفترض أن يأتي السفير الجعفري برد على «الورقة» التي سلمها إياه دي ميستورا يوم الجمعة الماضي. ولقاء الأمس كان الثالث من نوعه بين المبعوث الأممي ووفد الحكومة السورية. وتجدر الإشارة إلى أن وفد المعارضة قدم رده أول من أمس لدي ميستورا، وهو يتضمن تصوره للمفاوضات وللملفات الثلاثة التي يتعين تناولها. وما زال وفد الهيئة العليا للمفاوضات غير متشجع لتناول الملفات الثلاثة دفعة واحدة. وفي هذا السياق، لخص نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري وعضو الهيئة العليا، عبد الحكيم بشار، المحادثات: «ليس هناك جدول أعمال للقاء»، مضيفاً: «سنطلب منهم الضغط على النظام من أجل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، والالتزام بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى أن يكون النظام جاداً في العملية التفاوضية وفق الأجندات التي حددتها القرارات الأممية.
وفي سياق ذي صلة، وبعكس ما كان متوقعاً، لم يحصل أي اجتماع لمجموعة الدعم لسوريا («النواة الصلبة» لأصدقاء الشعب السوري). وجدير بالذكر أن اتصالات بعيدة عن الأضواء حصلت بين ممثلي الدول العشر التي تتشكل منها. وقالت المصادر الغربية لـ«الشرق الأوسط»، إنها «لم تفاجأ» بالموقف الروسي . وحتى مساء أمس، كان الوفد الرسمي يشدد على مطالبة الوسيط الأممي بدفع المعارضة إلى تشكيل وفد موحد، ما فهم أنه «محاولة تعطيلية». وبحسب المصادر المشار إليها، فإنه «لا يمكن فصل ما حصل في نيويورك بشأن الملف الكيماوي السوري والتهديد الروسي بانعكاسات سلبية على محادثات جنيف، وبين ما شهدته الأمم المتحدة» من تصعيد أمس. وكان مشروع القرار الثلاثي «الفرنسي - البريطاني - الأميركي» قد وجه بفيتو مزدوج روسي - صيني. وأشارت مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن مشروع القرار المجهض كان «وسيلة للضغط على روسيا وعلى النظام، وإفهامهما بأن للغربيين أدوات ضغط يستطيعون استخدامها رغم التطورات الميدانية في سوريا».
وهكذا، فبعد اجتماعات متواصلة للمبعوث الأممي وفريقه مع وفد النظام ووفود المعارضة الثلاثة ما زالت المحادثات تدور حول المسائل الإجرائية والإطار الذي يتعين أن تدور ضمنه. وبعد التشدد الذي ظهر أمس، تبدو الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، إلا إذا عمدت روسيا إلى ترطيب الأجواء بمواقف لا تكون نسخة طبق الأصل عما يتمسك به النظام.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.