«القاعدة» تلتهم ثوار سوريا

في تطور ينذر بهزيمة ما تبقى من المعارضة المعتدلة

«القاعدة» تلتهم ثوار سوريا
TT

«القاعدة» تلتهم ثوار سوريا

«القاعدة» تلتهم ثوار سوريا

قاربت أكبر معاقل الثوار شمال سوريا على السقوط في قبضة مقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة، وسط احتدام المعارك بين الثوار أنفسهم، في تطور ينذر بهزيمة ما تبقى من المعارضة المعتدلة. ويتزامن صعود المتطرفين بمنطقة إدلب، شمال غربي سوريا، مع تعليق الحلفاء الدوليين لإرسال المعونات للمعارضة المعتدلة.
وأفاد خمسة من قادة الجماعات المعارضة بأنهم أبلغوا عن طريق ممثلي الولايات المتحدة والسعودية وتركيا بداية الشهر الحالي بأنهم لن يتلقوا المزيد من معونات الأسلحة والذخائر، حتى يتحدوا ويشكلوا جبهة متماسكة في مواجهة المتطرفين، وهو ما فشل الثوار بمختلف طوائفهم في تحقيقه على مدار السنوات الست الماضية.
وبحسب مسؤولين أميركيين، ليس هناك علاقة بين تجميد الإمدادات والتغييرات التي طرأت على الإدارة الأميركية، حيث شرعت إدارة ترمب في مراجعة سياساتها في سوريا. كذلك لا يعني هذا قطع المعونات نهائياً عن الثوار في سوريا الذين لا يزالون يتسلمون رواتبهم، وفق دبلوماسيين وقادة الثوار، فالهدف هو ضمان عدم وقوع المعونات في أيدي المتطرفين، وذلك بممارسة الضغط على الثوار لتوحيد جبهتهم، وذلك بحسب ما أبلغ به قادة الثوار.
فما حدث هو أن المتطرفين انقلبوا على الثوار المعتدلين المدعومين من الولايات المتحدة، ليمكنوا الميليشيات التابعة لتنظيم القاعدة، التي استطاع الثوار على مضض التعايش معها لبعض الوقت، من السيطرة على مفاصل منطقة إدلب التي تُعدّ أهم معاقل الثوار والتي تطلعوا من خلالها للصمود في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد.
لا يزال الثوار المعتدلون يسيطرون على بعض المناطق في جنوب سوريا في بعض الجيوب حول دمشق، وفي بعض مناطق حلب حيث يحاربون إلى جانب القوات التركية في مواجهة تنظيم «داعش». غير أن خسارة إدلب لصالح المتطرفين قد تطيل من أمد الصراع، أو على الأقل سيغير مسار الحرب في الوقت الذي تسير فيه الأمم المتحدة في محادثات سلام في جنيف بهدف الوصول إلى تسوية سلمية في سوريا. وبدأت المحادثات الخميس الماضي في ظل تراجع الآمال بتحقيق تقدم.
وبحسب بعض المحللين، ستجد الآن الحكومة السورية وروسيا الحليفة مبرراً لتكثيف الضربات الجوية في المنطقة، ربما بالاتفاق مع الولايات المتحدة التي تقوم بالفعل حالياً بقصف أهداف «القاعدة» في إدلب.
وأفاد أرون لاند، زميل مركز «سينشر فوندايشن»، بأن «الثوار تراجعوا من إدلب الآن لصالح المتشددين، وهذا ربما يعنى نهاية المعارضة حسبما يفهمها داعمو المعارضة في الخارج. ولذا فلن يكون هناك سبب لدعم المعارضة بعد الآن».
ويبدو أن الهجوم المدعوم من «القاعدة» جاء بسبب تحرك روسيا، الشهر الماضي، للتصالح مع جماعة المعارضة المعتدلة، التي حاولت وفشلت الولايات المتحدة في الماضي في حمايتها من الضربات الجوية الروسية.
وتواصل جبهة فتح الشام التابعة لتنظيم القاعدة، التي لا يزال يشار إليها باسمها القديم «جبهة النصرة»، أعمال الخطف والقتل ضد المعارضة المعتدلة والنشطاء في إدلب.
وشكل أكثر الجماعات تطرفاً تحالفاً جديداً بزعامة جبهة النصرة تحت اسم «حياة تحرير الشام»، وسعت الفصائل الأكثر اعتدالاً إلى حماية أنفسها بالانضمام إلى جماعة «أحرار الشام»، أكبر الجماعات غير التابعة لـ«لقاعدة»، التي تسير على نهج «السلفية الجهادية» التي تراها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ذروة التطرف.
وقال زكريا ملحفجي، مسؤول ضمن جماعة «فاستقم» الثورية المدعومة من الولايات المتحدة: «القاعدة تلتهمنا»، في تبريره لانضمام جماعته لتحالف «أحرار الشام». وأضاف: «هو مجرد تحالف عسكري، وانضمامنا له جاء بهدف الحماية من (القاعدة)، لكن سياسيًا، نحن لا نشاركهم الأفكار ذاتها».
ولا تزال نحو عشر جماعات مدعومة من الولايات المتحدة تقاوم ضغوط الانضمام إلى صفوف المتطرفين، لكنهم يقرون بأن قضيتهم باتت خاسرة. وقال العميد أحمد سعود، ضابط منشق عن الجيش السوري ويدير حاليا وحدة منشقة تعرف بـ«جيش إدلب الحر» المدعوم من الولايات المتحدة، «المتشددين باتوا يسيطرون على مختلف أوجه الحياة، خصوصاً المساجد والمدارس، ويضمون إلى فكرهم صبية لم تتجاوز أعمارهم 14 عاماً. فكر (القاعدة) أخذ في الانتشار في كل مكان بعد أن تجاهلنا الجميع»، وجيش إدلب الحر وحدة استمرت بمنأى عن المتطرفين.
وبحسب قادة جماعات الثوار، فإن «تعليق المساعدات من شأنه المساعدة على تمدد (القاعدة). فبالطبع إن قطعت المعونات عن المعارضة المعتدلة، ستتمدد (القاعدة) وستزداد قوة»، بحسب ملحفجي.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.