المغرب: مطالب بالكشف عن حقيقة استفادة وزير من أموال الدعم الحكومي

المغرب: مطالب بالكشف عن حقيقة استفادة وزير من أموال الدعم الحكومي
TT

المغرب: مطالب بالكشف عن حقيقة استفادة وزير من أموال الدعم الحكومي

المغرب: مطالب بالكشف عن حقيقة استفادة وزير من أموال الدعم الحكومي

طالب زعيم حزب سياسي مغربي بالكشف عن حقيقة استفادة وزير في حكومة تصريف الأعمال من أموال الدولة المخصصة لدعم المحروقات، من خلال شركة توزيع الوقود والغاز التي يملكها.
وقال محمد زيان، المنسق الوطني للحزب الليبرالي المغربي وزير حقوق الإنسان الأسبق، خلال لقاء صحافي عقده أمس في الرباط، إن عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عدل عندما تولى منصب وزير الاقتصاد والمالية، بصفة مؤقتة، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة السابقة عام 2013، القرار رقم 681.67، الذي يحدد بصفة حصرية ودقيقة لائحة النفقات الممكن دفعها دون سابق أمر بالدفع، ليضيف «النفقات المتعلقة بالعمليات المنجزة في إطار تقلبات أسعار المواد المدعمة»، طبقًا لما نشر في الجريدة الرسمية.
وأوضح زيان أن أخنوش الذي يشتغل في قطاع المحروقات، ويملك 1500 محطة لتوزيع الوقود في المغرب، أصبح «يُمتع قطاعه بامتياز تغطية النفقات الحكومية الموجهة لهذا القطاع وتقلبات أسعاره دون حاجة لإذن بالدفع أو الصرف»، الأمر الذي سمح له التهرب من أي مراقبة مالية.
وذكر زيان الذي نفى وجود أي حسابات سياسية له مع أخنوش أن لجنة حماية المال العام، التابعة لحزبه، أنجزت تقريرًا كشف أن التعديل اتخذ بطريقة شبه سرية، ذلك أنه لم تتم مناقشته في المجلس الحكومي، ولم يعرض على البرلمان.
وأضاف التقرير أن الحكومة المغربية تعاقدت مع بورصة «وول ستريت» من أجل عقد تأمين دولي لتقلبات أسعار المحروقات في السوق العالمية، وتحديد أثمنتها في سقف معين، مقابل تأمين بلغت قيمته نحو 6 ملايين دولار.
وقد تكفل «البنك المغربي للتجارة الخارجية بإبرام هذا العقد وتحويل الأموال»، مشيرًا إلى أن صحيفة الـ«فينانشال تايمز» ووكالة الأنباء العالمية «رويترز» كشفتا أن المغرب هو أول بلد عربي يبرم اتفاقًا من هذا النوع. بيد أن التقرير تساءل ما إذا كان عقد التأمين الدولي المبرم مع بورصة «وول ستريت» ساري المفعول إلى يومنا هذا، رغم قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات. كما تساءل التقرير أيضًا عما إذا كان أخنوش «استغل موقعه والمعلومات التي يحصل عليها من داخل الحكومة حول توجه هذه الأخيرة إلى رفع الدعم من أجل توريط الحكومة في عقد تأمين دولي لأسعار المحروقات»، من دون أن يستفيد المواطن من هذا العقد على مستوى أسعار الوقود التي ظلت مرتفعة في محطات توزيع الوقود، تحت ذريعة رفع الحكومة للدعم، وأن الأسعار ستبقى خاضعة لتقلبات السوق الدولية.
وانتقد زيان، وهو محام، عدم خضوع أموال الدعم المخصصة للمحروقات لأي مراقبة مالية، ذلك أن الشركات المستوردة للوقود معفية من الرسوم الجمركية والضريبة الداخلية على الاستهلاك. واستشهد زيان في هذا الإطار بتقرير عرضته سلمى بناني، رئيسة صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية) أمام البرلمان، أكدت من خلاله أن الصندوق ليس لديه أي وسيلة تمكنه من الاطلاع على أسعار المواد البترولية في الأسواق العالمية، ولا حتى أسعار الدولار، وأنه يكتفي فقط بالاعتماد على الفواتير التي تقدمها الشركات كوسيلة لإثبات مصاريف وتكلفة الاستيراد.
كما استشهد بتقرير أعده المجلس الأعلى للحسابات، وهو أعلى هيئة لمراقبة المال العام، عرضه رئيسه إدريس جطو أمام البرلمان، وكشف عن اختلالات كبيرة يعاني منها الصندوق، حيث أبرز التقرير أن صندوق المقاصة لا يتوفر على نظام للمعلومات يمكن من مقارنة الكميات المستوردة من المواد البترولية مع تلك التي تم نقلها، وضبط التسديدات المرجعة على الفاتورات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.