في الوقت الذي تستحوذ فيه أزمة الديون اليونانية على غالبية الحديث الأوروبي، وبينما عقدت أمس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقاء مع مديرة صندوق النقد الدولي، من أجل التباحث حول حلول للأزمة، دعت المفوضية الأوروبية ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، إلى خفض فائض حسابها الجاري الكبير، والتركيز على تعزيز الاستهلاك المحلي.
ويعد اللقاء بين ميركل ولاغارد، الذي لم تتضح نتائجه حتى وقت متأخر مساء أمس، مفصليا في أزمة أثينا، حيث إن ألمانيا هي أكثر الدول دينا لليونان، والأكثر تشددا فيما يخص الإصلاحات والمطالبة بالتقشف، بينما صندوق النقد هو الآخر طرف تنتقده أثينا على خلفية توقعاته منخفضة السقف لمستقبل اقتصاد البلاد. فيما تختلق ألمانيا مع الصندوق حول الضرورات والمحظورات فيما يخص برنامج الإصلاح اليوناني، حيث تدعو برلين إلى مزيد من التشدد، بينما يدعو الصندوق إلى مزيد من الموضوعية والتيسير.
ووصل فائض الحساب الجاري الألماني عام 2016 إلى مستوى عال تاريخيا، مسجلا نسبة 8.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وهذا يعني أن الفائض التجاري ارتفع مجددا، نظرا لأن نمو الصادرات كان أكبر من الواردات.
ويمثل هذا الرقم نسبة 8.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2015، و7.5 في المائة في عام 2014. وبحسب قواعد الاتحاد الأوروبي، يجب على الدول الأعضاء ألا تتجاوز حاجز الـ6 في المائة في المتوسط من إجمالي الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات.
وقالت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إن ألمانيا أحرزت حتى الآن تقدما محدودا في خفض فائض الحساب الجاري، ويرجع ذلك جزئيا إلى المستويات المتدنية المتواصلة للاستثمار والاستهلاك الخاص. ووصف مفوض الشؤون الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي، بيير موسكوفيتشي، الوضع الحالي لفائض الحساب الألماني بأنه «غير صحي».
وأشار التقرير أيضا إلى أنه في حين أن الاقتصاد الألماني تعافى بشكل جيد من الأزمة المالية في عام 2009، فإن الاستثمار العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي لا يزال دون المستويات المتوسطة في منطقة اليورو.
ونشرت المفوضية تقييمات مماثلة في الماضي، ولكن أحدث تقرير تزامن مع وجهات نظر أعرب عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مفادها بأن ألمانيا تستخدم «يورو منخفض القيمة كثيرا» لتعزيز صادراتها من الآلات.
ويقول منتقدو سياسة الاقتصاد الألمانية، إنه في حين تستفيد صادرات البلاد من يورو ضعيف، فإنه يجب على ألمانيا في المقابل استهلاك مزيد لدعم شركائها التجاريين في الاتحاد الأوروبي وخارجه.
وبحسب التقرير، تراجعت البطالة في ألمانيا إلى معدل قياسي بلغ 3.9 في المائة في عام 2016، رغم أن زيادة الأجور لم تستفد إلا بقدر محدود.
معركة الموازنة الألمانية
في غضون ذلك، اشتعلت معركة كلامية حول الميزانية الألمانية أمس، حين اتهم وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل (نيسان)، زميلته وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين، بالسذاجة في النقاش الدائر حول رفع نفقات الدفاع.
وتجدر الإشارة إلى أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تنتمي إليه ألمانيا، يطالب دوله الأعضاء برفع ميزانيات دفاعها لتصل إلى هدف اثنين في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ما يعني بالنسبة إلى ألمانيا في الوقت الراهن رفعا لنفقات الدفاع بمقدار يتراوح بين 25 و30 مليار يورو سنويا، وفقا لما يقوله غابريل.
وخلال أول مؤتمر صحافي له كوزير للخارجية، قال وزير الاقتصاد الألماني السابق إن من يطالب برفع نفقات الدفاع السنوية بهذا المقدار في فترة قصيرة، «فهذا له تصور ساذج إلى حد ما حول ما هو ممكن في هذا البلد، لا سيما في حال السيدة فون دير لاين التي تطالب في الوقت نفسه بخفض الضرائب بمقدار 35 مليون يورو». وتابع قائلا: «ومن غير الواضح تماما بالنسبة لي هو كيف يمكن مواءمة هذين الأمرين معا».
وطالب غابريل بتوخي الحذر في هذا الشأن، بحيث لا يتم نقل «صورة ضيقة للغاية عن السياسة الأمنية»، وأكد أن النقاش يجب أن يتناول أيضا زيادة النفقات على مجالات منها على سبيل المثال، مكافحة الفقر، وذلك بغرض أخذ الأسباب الأصلية للجوء والحروب في الاعتبار. كما أوضح غابريل، الذي يوشك على التخلي عن زعامة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أنه «لا ينبغي أن نقيد أنفسنا بدوامة من سباق التسلح».
وحذر غابريل أيضا من طموح تحويل ألمانيا لتصبح قوة عظمى، وقال: «يجب تصور ما يمكن أن يعنيه عندما تنمو ألمانيا، لتصبح بلدا في وسط أوروبا يضع أكثر من 60 مليار يورو في نفقات التسليح»، منهيا تصريحاته بالتساؤل حول «ما إذا كان هذا الأمر هو فعلا ما نتمناه لأنفسنا، وما إذا كانت هناك حاجة لمثل هذه القوة العسكرية العظمى في أوروبا».
السندات الألمانية
ومن بين المؤشرات التي تدلل على قوة الاقتصاد الألماني رغم ما يحيط به من ظروف، أشارت بيانات أمس إلى اتساع الفجوة بين عائدات السندات الحكومية قصيرة الأجل الألمانية ونظيرتها الأميركية أمس الأربعاء بشكل واسع فيما يقرب من 17 عاما، بعد أن تراجعت عائدات السندات الألمانية، في حين ارتفعت العائدات على السندات الأميركية. وانخفضت عائدات السندات الألمانية لمدة عامين إلى سالب 0.92 في المائة، فيما انخفضت عائدات السندات العشرية إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع إلى 0.24 في المائة.
وقال محللون إن الانتخابات الفرنسية القادمة رفعت الطلب على الأصول الألمانية التي تعد واحدة من الأصول الأكثر أمانا في منطقة اليورو، وتزيد التغيرات التنظيمية للبنك المركزي الأوروبي في برنامج شراء السندات من تشديد الخناق على الأصول الألمانية، التي تؤثر على العائدات التي تتحرك عكسيا مع الأسعار.
في غضون ذلك ارتفعت عوائد السندات الأميركية لمدة عامين لتصل إلى 1.24 في المائة، لتصل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات، كما يرى المستثمرون أن فرص رفع الفائدة الأميركية من قبل الاحتياطي الاتحادي ضئيلة الشهر المقبل. وارتفع العائد على سندات الأميركية بنحو 212 نقطة أساس فوق نظيرتها الألمانية في أكبر فجوة منذ أوائل عام 2000.
عقوبة للنمسا
وفي شأن أوروبي ذي صلة، صرحت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون العمل ماريان تيسين، أمس الأربعاء، بأن المفوضية الأوروبية تسعى لفرض غرامة تقدر بنحو 30 مليون يورو (نحو 31.5 مليون دولار) على النمسا، بسبب تقديم إحدى ولايتها بيانات غير صحيحة بشأن الديون لوكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات).
وكشف التحقيق الذي أطلقته المفوضية في مايو (أيار) الماضي، أن ولاية سالزبورغ النمساوية قدمت إلى «يوروستات» بيانات مغلوطة حول ديونها في عامي 2012 و2013 بسبب «مخالفات كبيرة» فيما يتعلق بالمعاملات المالية والرقابة عليها والإبلاغ عنها.
وقالت تيسين: «اليوم، خلصت المفوضية في التقرير النهائي بشأن هذا التحقيق إلى أن الجهات الحكومية في سالزبورغ كانت بالفعل مهملة». وأشارت إلى أن السلطات النمساوية كانت على علم بهذه القضية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012 على أقل تقدير، إلا أنها لم تبلغ الاتحاد الأوروبي حتى أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013، مؤكدة أن «أساس السياسة الاقتصادية الناجحة هو البيانات الموثوقة».
ويشار إلى أن القرار النهائي بشأن فرض غرامة من عدمه يقع ضمن دائرة اختصاص المجلس الأوروبي.