وفاة مؤسس «الجماعة الإسلامية» تثير ذكريات هجوم عام 1993

لقد كان عملاً إرهابيًا مروعًا؛ هجوم على مركز التجارة العالمي هزّ أرجاء مدينة نيويورك. لا تزال تلك الذكرى تسكن نفوس من شهدوا الواقعة، وأسر الضحايا؛ وكان ذلك عام 1993. قبل تدمير برجي التجارة في سبتمبر (أيلول) 2011 بنحو ثمانية أعوام، تضررت المباني بشدة في مساء يوم ثلجي بسبب تفجير تم باستخدام شاحنة مفخخة في مرأب بالقبو مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.
تُوفي عمر عبد الرحمن، الشيخ الضرير الذي أثارت خطبه النارية الحماسية أعمال عنف ضد أميركا وجذبت من نفذوا الهجوم، يوم السبت عن عمر يناهز الثامنة والسبعين في أحد السجون الفيدرالية في ولاية نورث كارولاينا الشمالية، وذلك بحسب ممثلي ادعاء عام. وكان يقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة بتهمة التخطيط لسلسة من الهجمات، التي لم يتم تنفيذها، والتي تضمنت قنابل مزروعة في أنفاق ومبان، في إطار هجوم يستهدف إخضاع نيويورك.
وأثار نبأ وفاته في المدينة بسبب مضاعفات داء السكري ومرض ضيق الشريان التاجي، ذكريات الدخان والحفرة الهائلة في أذهان من عايشوا التفجير، سواء من عاملي الإنقاذ، أو مسؤولي الحكومة، أو الشهود. كذلك دفعهم هذا النبأ إلى النظر في أمر ذي طابع وجودي، وهو شعور المدينة في مساء أحد أيام شهر فبراير (شباط) بإحساس بات مألوفًا الآن، لكنه كان جديدًا آنذاك، وهو الشعور بالضعف.
قال أنطوني شوريس، الذي كان النائب الأول للرئيس التنفيذي لهيئة ميناء نيويورك ونيوجيرسي آنذاك: «يتذكر الذين عايشوا تجربة عام 1993 أنها كانت بداية فقدان البراءة».
وقضى شوريس بعد الانفجار شهرًا داخل هوة تمتد على ارتفاع ستة طوابق في المرأب الموجود أسفل مركز التجارة العالمي، حيث كانت فرق العمل تعمل على رأبها وسدّها، والشرطة تنتشل الجثث. وأوضح شوريس، نائب عمدة مدينة نيويورك حاليًا قائلا: «أتذكر هذه الفترة الزمنية حين لم نكن نعتقد أن مثل هذه الأمور قد تحدث لنا، في حين أننا نفكر في هذا الأمر الآن طوال الوقت».
وبلغ عدد مصابي الانفجار، الذي وقع في 26 فبراير 1993 نحو ألف شخص، ووصل دويه إلى أسماع المقيمين في آبار سايد أوف مانهاتن. وقال البعض إنهم شعروا بالاهتزاز الناجم عن الانفجار، حتى في أماكن أبعد من شمال حي هارلم. مع ذلك اعتقد سكان نيويورك أن تفجيرات قد تمت باستخدام شاحنات مفخخة حدثت في مكان آخر؛ ففي البداية، كانت تبحث المدينة عن تفسيرات أكثر براءة.
قال ستانلي بريزينوف، المدير التنفيذي لهيئة ميناء نيويورك ونيوجيرسي، التي تمتلك مركز التجارة العالمي، ولها مكاتب في الطابق الخامس والستين: «خرج الناس من مكاتبهم وأخذوا يتطلعون إلى بعضهم البعض ويتساءلون: (هل حدث شيء ما؟) هل توقف مولد كهرباء عن العمل؟ هل هناك عاصفة لم نكن نعلم بأمرها؟».
وكان هو من أصدر أمرًا بإخلاء المكان، وحمل أفراد فريق العمل زميلا لهم كان يجلس على كرسي متحرك لأكثر من 20 طابقا. وأضاف قائلا: «لا أعتقد أننا توقفنا برهة لتأمل مدى هول ما حدث». ويشغل بريزينوف حاليًا منصب الرئيس الانتقالي لمؤسسة صحة ومستشفيات مدينة نيويورك. وبدأت هيئة الميناء بذل جهود شاملة لإصلاح البرج، الذي تعرض للهجوم، وتم إعادة افتتاحه في غضون شهر. وأوضح بريزينوف قائلا: «كانت هناك كثير من ردود الأفعال، وكأنهم كانوا يقولون إنهم لا يستطيعون فعل ذلك بنا. يبدو الأمر عجيبًا غريبًا الآن».
من جهته، قال ريموند كيلي، الذي كان حينها في بداية فترته الأولى كقائد للشرطة: «فيما يتعلق بالإرهاب العصري الحديث، كان التهديد موجودًا، لكن لا أعتقد أنه كان يُنظر إليه كتهديد لهذا البلد». كان هناك شعور بأنه «يحدث في أماكن أخرى». استغرق تأكيد أن الانفجار كان نتيجة عمل إرهابي يومًا تقريبًا، وحتى حينها كانت المدينة لا تعرف على وجه اليقين من هم أعداؤها على حد قول كيلي. اشتملت التكهنات بشأن أصل هؤلاء الأعداء على يوغسلافيا سابقًا، والشرق الأوسط. كان مكتب ماريو كومو، حاكم المدينة آنذاك، في الطابق السابع والخمسين من البرج الثاني من مركز التجارة العالمي. وقالت ديبورا سيل، التي كانت آنذاك رئيسة فريق عمل ستان لوندين، نائب الحاكم حينها: «بعد الانفجار لم يشعر أي أحد بالذعر، وكان سبب ذلك بالأساس هو أنه لم يخطر ببالنا أنه قد يكون تفجيرًا».
في إطار حدود معرفتهم ومعلوماتهم التي استقوها من تدريبات غير منتظمة على الحريق، استخدم العاملون الدرج، ونزلوا وهم ممسكون بسوره، على حد قول سيل. وأوضحت قائلة وهي تتذكر استخدامها لوشاح لتغطية أنفها وفمها في الدرج المليء بالدخان: «لم يكن هناك كهرباء على الإطلاق، وكانت الظلمة تلفّ المكان». نتيجة الواقع الجديد الذي فرضه الإرهاب حدثت تغييرات في البرجين، فبعد ذلك تم تركيب إضاءة للطوارئ، وأصبح هناك تفتيش وفحص للأشخاص الذين يدخلون المبنى.
وقال نورمان ستيسل، الذي كان النائب الأول للعمدة آنذاك، إن التطويرات الخاصة بالسلامة أنقذت حياة كثيرين خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وأوضح قائلا: «تم إخلاء تلك المباني سريعًا» في إشارة إلى الطوابق التي كانت أسفل الطوابق التي ارتطمت بها الطائرات. وأضاف قائلا: «تخيل أنه لو كان هناك المزيد من الناس العالقين في الأسفل».
الجدير بالذكر أنه تمت إدانة عمر عبد الرحمن عام 1995 إلى جانب تسعة آخرين باتهامات التخطيط لهجمات في محكمة منطقة فيدرالية في منهاتن وذلك للتخطيط لتفجير مبان مميزة، وبنى تحتية، رغم أنه لم يتم تنفيذ تلك الخطط أبدًا. في الوقت الذي أكد فيه ممثلو الادعاء تورطه في هجمات عام 1993، تمت إدانة ستة رجال آخرين بعد العثور على رقم لوحة شاحنة مستأجرة على صلة بمنفذي الهجوم بين الحطام. وقال كيلي إنه لم يكن متأكدًا من وجود صلة تنظيمية بين المخططين وجماعات مثل تنظيم «القاعدة»، رغم إشارة بعض المعلومات، التي تم التوصل إليها، إلى وجود صلة بين بعضهم وبين قائد خفي إلى حد ما، كان اسمه أسامة بن لادن. وأضاف قائلا: «كان ينبغي أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار قوي للحكومة الفيدرالية والمدينة، لكنه لم يكن كذلك، ودفعنا نحن الثمن في الحادي عشر من سبتمبر». رغم ارتباط اسم عمر عبد الرحمن بمرور الوقت بكثير من مخططي هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لمحاميته لين ستيوارت، التي توليت الدفاع عنه في محاكمة عام 1995، حيث تعتقد أنه بريء وتم إدانة ستيوارت عام 2005 بتهمة تهريب رسائل نيابة عن الشيخ الضرير، وصدر حكمًا ضدها بالسجن لمدة عشر سنوات وذلك منذ سبعة أعوام، وتم إطلاق سراحها في عام 2014 حين خفف قاضي الحكم بعد تشخيص إصابتها بسرطان قاتل. وبعد أيام من وفاة الشيخ، عبّرت ستيوارت الموجودة حاليًا في مركز سرطان سلون كيترينغ في مانهاتن، عن رأيها في الخطاب الحماسي العنيف الذي كان يستخدمه عبد الرحمن، مشيرة إلى أن الأمر مسألة حرية تعبير، واعتقاد شائع بين الكثيرين في العالم العربي.
*خدمة «نيويورك تايمز»