«خلوة العزم» تنطلق في أبوظبي... وتناقش محاور الشراكة السعودية ـ الإماراتية

بدأت السعودية والإمارات، أمس، في أولى خطوات تحويل الاتفاقات والتفاهمات بينهما إلى مشاريع ميدانية، من خلال عقد «خلوة الحزم»، أمس، التي شهدت اجتماع 150 مسؤولاً من حكومة البلدين في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ناقشت ثلاثة محاور استراتيجية تختص بالجانب الاقتصادي والجانب المعرفي والبشري والجانب السياسي والعسكري والأمني.
وشارك في «خلوة العزم» فرق عمل ضمت، بالإضافة إلى المسؤولين، خبراء في القطاعات المختلفة بالإضافة إلى ممثلي القطاع الخاص، وذلك ضمن 10 فرق عمل مختلفة، كمرحلة أولى من أصل 20 فريق عمل، على أن تتم مناقشة المواضيع العشرة الأخرى في خلوة أخرى يتم عقدها في الرياض قريبًا.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إن توحيد الطاقات والإمكانات بين الإمارات والسعودية يمكن أن يخلق فرصًا تاريخية للشعبين وللمنطقة بأكملها، مشيرًا إلى أن «خلوة العزم» التي تُعقَد بين 150 مسؤولاً من الجانبين هدفها تحويل الاتفاقات والتفاهمات إلى مشاريع ميدانية تعود بالخير على الشعبين والوصول لمستوى جديد من العلاقات الاستثنائية بين البلدين.
وجاء حديث الشيخ محمد بن راشد خلال حضوره «خلوة العزم» المشتركة بين السعودية والإمارات التي عقدت أمس بأبوظبي بحضور الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، والشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين من الجانبين الإماراتي والسعودي.
وقال نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «بتكاملنا وتعاضدنا وتوحّدنا نحمي مكتسباتنا ونقوي اقتصاداتنا ونبني مستقبلاً أفضل لشعوبنا»، معربًا عن تفاؤله بالخلوة، وأضاف: «متفائل بقيادات شابة تدير مسيرة التكامل بين البلدين؛ الأمير محمد بن سلمان والشيخ منصور بن زايد، نراهن عليهما وعلى فرق عملهما وعلى طاقاتهما وإنجازاتهما».
وتابع أن «ترؤس الشيخ منصور بن زايد للجانب الإماراتي هو أكبر ضمانة لنجاح هذه المسيرة... وثقتنا كبيرة في إدارته لهذا الحراك التاريخي بين البلدين».
وتأتي الخلوة انطلاقا من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، وذلك لتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين، ووضع خريطة طريق لها على المدى الطويل.
كما تأتي «خلوة العزم» خطوة ضمن سلسلة من اللقاءات المشتركة بين البلدين، ضمن مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي الذي يرأسه من الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في السعودية، ومن الجانب الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، وذلك لمناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك، ووضع إطار عام وخطط لعمل المجلس التنسيقي السعودي - الإماراتي، حيث يعكس المجلس النموذج الأمثل للتعاون الثنائي بين الدول، ويمهِّد لمرحلة جديدة لتطوير منظومة التعاون بين البلدين.
من جانبه، أكد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان خلال حضوره «خلوة العزم» أن العلاقات بين السعودية والإمارات قوية، ولكن القيادة تسعى لأن تكون العلاقات استثنائية ونموذجية وتنتقل لمستوى جديد ومختلف، مستوى تكاملي. وقال الشيخ منصور بن زايد: «إن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يتابعان جميع خطوات التعاون بين البلدين، ويوجهان بتسريع هذه المسيرة»، مضيفًا: «نحن نشكل أكبر اقتصادين عربيين، ونشكل القوتين الأحدث تسليحًا، ونشكل نسيجًا اجتماعيًا واحدًا، ولدينا قيادتان تريدان مزيدًا من التعاون، وشعبان يطمحان لمزيد من التكامل».
وتابع أن «حجم اقتصادَي السعودية والإمارات يمثل ناتجًا محليًا إجماليًا يبلغ تريليون دولار - الأكبر في الشرق الأوسط - وصادراتهما تجعلهما الرابع عالميًا بقيمة تبلغ 713 مليار دولار»، مشيرًا إلى أن عدد السائحين من المملكة للإمارات يبلغ 1.9 مليون سائح سعودي في الإمارات، وأن قيمة مشاريع الإمارات في المملكة تبلغ 15 مليار درهم، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 84 مليار درهم.
وقال «الهدف من (خلوة العزم) هو بحث جميع الإمكانات الموجودة والفرص التي يمكن أن نعمل عليها معًا في كل القطاعات، حيث ناقشت الخلوة 10 مسارات للتكامل، وسيتم الإعلان عن جميع المشاريع والمبادرات خلال الفترة المقبلة في الرياض»، مشيرا إلى أن العلاقات الاستثنائية بين البلدين هي دعم لمسيرة مجلس التعاون، الذي يشهد بقيادة خادم الحرمين الشريفين تسارعًا كبيرًا في مسيرته. وكانت أعمال «خلوة العزم» قد استُهِلّت بكلمة ترحيبية مشتركة من محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، والمهندس عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، أكدا فيها على أهمية الخلوة ومخرجاتها في دعم التعاون بين البلدين وأهداف مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي وتعزيز جهودهما ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبما يمهد لمرحلة جديدة من العمل المثمر والبنّاء بين الطرفين.
وقال محمد القرقاوي: «نهدف من خلال (خلوة العزم) إلى تطوير العلاقات الإماراتية - السعودية ضمن مختلف القطاعات نحو آفاق أوسع وأشمل، وهدفنا هو خلق منصة للتشاور والتنسيق بين فرق العمل»، وأضاف: «تأتي خلوة العزم خطوة ضمن سلسلة من الخطوات واللقاءات المشتركة بين دولة الإمارات والسعودية لمناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك، ووضع إطار عام وخطط لعمل مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي».
وأضاف القرقاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه من الجيد الاتفاق بين الحكومتين على 20 قطاعًا مختلفًا للعمل عليها، حيث تم توزيع القطاعات على خلوة في أبوظبي للتركيز على 10 قطاعات، وخلوة في الرياض على 10 قطاعات، مشيرًا إلى أن المحاور الرئيسية للعشرين قطاعًا هي الاقتصاد، والمعرفة، والتعليم، وأيضًا التعاون الأمني والعسكري والسياسي، وقال: «اليوم فرق العمل تجمعت على طاولة واحدة وهدف واحد، وهو المنطقة ككل، اليوم وجود القيادة في هذه الخلوة يعكس مدى أهمية هذه الخلوة، وهي تجربة عربية جديدة، ولكن بداية لتغير على مستوى الطرح والتفعيل وأيضًا على مستوى ماذا سيحصل على أرض الواقع».
وزاد: «(الخلوة) عملية جدًا، كل وزير ومسؤول أسهم من خلال عمله المباشر وخرج بمبادرات وتبادل الأفكار مع المسؤولين في البلدين، والطرح لن يصبّ فقط في مصلحة السعودية والإمارات، ولكن في المنطقة ككل»، مشيرًا إلى أن هذه الخلوة الأولى، وسيكون هناك خلوة تكميلية في أبريل (نيسان) المقبل بالعاصمة الرياض، ومن ثم يتوقع أن يجتمع المجلس التنسيقي السعودي - الإماراتي في مايو (أيار) المقبل، لإطلاق هذه المبادرات ككل.
وأكد كلّ من محمد القرقاوي والمهندس عادل فقيه في نهاية أعمال «الخلوة» على أهمية النقاشات والحوارات التي جرت ضمن مختلف فرق العمل والمجموعات في «الخلوة»، مثمنين فيها جهود المشاركين من كلا الطرفين، ودورهم في رسم صورة مستقبلية للمبادرات والمشاريع المشتركة بين الطرفين، التي سيتم رفعها لمجلس التنسيق السعودي - الإماراتي خلال الفترة المقبلة، ووضع التوصيات بخصوصها.
كما أكدا أن العمل لن يتوقف بانتهاء الخلوة وأعمالها، حيث سيتم تشكيل فرق عمل ومجموعات لتنسيق العمل بين مختلف القطاعات لتنفيذ مختلف المبادرات، و«بما يتوافق مع أهداف المجلس ورؤية القيادة ورسم مستقبل أفضل لأبنائنا وأوطاننا والمنطقة».
من جهته، قال الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم السعودي إن توجيه القيادة في البلدين يتطلع لأن تكون هذه الخلوة مصدرًا لبرامج مشتركة محددة قادرة على الاستفادة من الخبرات ومن القدرات الموجودة في البلدين، وتعزيزها وتطويعها لخدمة العلاقات المشتركة، وقال: «نحن نتطلع من خلال المحور البشري والمعرفي إلى تطوير العلاقات التعليمية، ونقل التجارب بين الدولتين وإيجاد برامج مشتركة في مجال التعليم العام والعالي والبحث العلمي، وتقوية العلاقة بين الجامعات السعودية والإماراتية في البحث العلمي».
وأضاف العيسى في حديث لـ«لشرق الأوسط» على هامش الخلوة، أمس: «ونتطلع أيضًا لتبادل أعضاء التدريس وتطوير القيادات التعليمية، وغيرها من المجالات المهمة، ولا شك أنه في مجال البحث العلمي هناك قواعد علمية في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والمياه وغيرها، تمثل تحديات أساسية للبلدين، تستطيع الجامعات أن تسهم من خلال البحث العلمي في إيجاد حلول مبتكرة لمعالجة التحديات التي تواجه البلدين في هذه المجالات، ونستفيد مما هو موجود في السعودية والإمارات من مراكز وخبرات ومن عقول، في بناء منظومة جديدة للتعاون».
وأكد أن «خلوة العزم» هي فرصة رائعة للتبادل النقاش والحوار في جميع مجالات المحددة، حيث ستستمر ما بين أبوظبي والرياض للخروج بالنتائج المرجوة.
إلى ذلك، قال محمد البشر السفير السعودي لدى الإمارات إن المسؤولين في البلدين اجتمعوا لطرح عدد من المبادرات وتفعيلها ضمن إطار زمني، وإيجاد الحلول لجميع القضايا المتشابهة في مختلف القطاعات، وقال إن مثل هذه المبادرة سيكون له تأثير على مجلس التعاون الخليجي من خلال إطار عمل مشابه لما نفذته السعودية والإمارات.
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «نحن الآن في عالم التكتلات وعالم الأسواق المفتوحة، ودول الخليج ستسعى للاستفادة من هذا التعاون... والمستقبل يبشر بالخير في ظل هذا العمل المشترك».