السياسة والبيئة وظروف المعيشة الصعبة تسود جوائز برلين

«الشرق الأوسط»: في مهرجان برلين الدولي (8) فيلم فلسطيني وآخر عن سوريا بين الأعمال الفائزة

المخرجة المجرية إلديكو إنيادي لحظة فوزها بجائزة «برلين» الذهبية - من الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح»
المخرجة المجرية إلديكو إنيادي لحظة فوزها بجائزة «برلين» الذهبية - من الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح»
TT

السياسة والبيئة وظروف المعيشة الصعبة تسود جوائز برلين

المخرجة المجرية إلديكو إنيادي لحظة فوزها بجائزة «برلين» الذهبية - من الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح»
المخرجة المجرية إلديكو إنيادي لحظة فوزها بجائزة «برلين» الذهبية - من الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح»

أسدل مهرجان برلين ستارته مساء أمس بعد إعلان مبكر للجوائز أول من أمس، وذلك بغرض إتاحة فرصة لمن فاتته الأفلام الرابحة للإقبال عليها قبل أن تذوب. وكان قد انتقل سريعًا إلى عام 2029 وذلك تبعًا لأحداث فيلم الختام «لوغان» الذي تقع أحداثه في المستقبل ولديه بدوره ستارة أخرى يريد إسدالها.
«لوغان» يتبع سلسلة «رجال إكس» الذي أنبتت فرعًا بعنوان «وولفرين» حققت نجاحًا سريعًا ثم عاديًا والوقت حان لإغلاق هذا الملف. الجمهور الذي تابع حفلة الجوائز انتقل من عالم الفن والثقافة ببيئتهما الأوروبية إلى طابع المغامرات الأميركية رغم بعض الملامح العاطفية والإنسانية. لكن على عكس الفيلم سيعود المهرجان في دورته المقبلة، فمسلسله مستمر منذ 67 لم يَشِخْ بعد.

حكاية لقاء
النتائج التي أعلنت يوم أول من أمس وزعتها لجنة تحكيم أرادت أن تكون عادلة ووافية. وكانت كذلك متماشية مع دورة أرادت محاكاة الأحداث الحالية بمواضيع حارة وحادة وعلى علاقة بالوضع الراهن حتى ولو دارت أحداثها في زمن آخر.
والواضح أن المخرج بول فرهوفن، رئيس لجنة التحكيم التي تضم، فيمن تضم، المنتجة التونسية درة بوشوشة، اعتمد معايير فنية دقيقة ليس فقط في محاولة التوازن بين الفن والرسالة، بل من منطلق كونه مخرجًا لا بد أن يمارس حنكته ويوفر معلوماته ووجهات نظره بما يعكس وضعه. هذا يتبدّى أكثر ما يتبدّى باختيار الفيلم الفنلندي «الجانب الآخر من الأمل» ليمنح جائزة أفضل إخراج التي تسلمها آكي كوريسماكي بحبور وتواضع. فالفيلم الذي يدور حول سوري حط في فنلندا لكي يبحث عن شقيقته المختفية، جيد في خانات كثيرة، ومنها الكتابة والتصوير الرزين، لكن إخراجه من حيث إدارة كل جوانبه في ابتسار ودراية وبصورة اقتصادية لا إسراف فيها من أفضل ما أنجزه الفيلم. ليس أفضل ما أنجزه المخرج، لكن الإخراج من بين تلك التي من الصعب إيجاد فيلم آخر لديه ذات الحنكة المهنية.
رغم ذلك، هناك إخراج جيد في الفيلم المجري الفائز بالجائزة الأولى وهو «عن الجسد والروح». المخرج إلديكو إنيادي (العائدة بعد سنوات من الغياب) تصمم مشاهدها قبل التصوير بعناية. يأتي عملها مرتّبًا في الشكل ومستساغًا في الأسلوب. خال من الضوضاء الذي صاحب فيلم زميلتها أنييشكا هولاند في فيلمها «أثر» والذي خرج بدوره حاملاً جائزة المهرجان الثالثة.
«عن الجسد والروح» حكاية لقاء بين رجل (بيد معاقة) يعمل مدير حسابات في مسلخ للبقر ومراقبة صحية تعيش وحيدة. يسبق هذا اللقاء، كما يكشف الفيلم لاحقًا، أن كل منهما كان يرى الحلم ذاته الذي يراه الآخر. والحلم المنقول منذ مطلع الفيلم عبارة عن غزالين (ذكر وأنثى) فوق الثلوج الشتوية ينقبان عن المرعى ويشربان من بركة الماء التي يجدانها. متابعتهما تتم عبر عدة مشاهد تتناوب والقصّة ذاتها. نحن في البداية لا نعرف ما هي العلاقة، لكن عندما يحال الاثنان إلى طبيبة نفسية تتضح المسألة ولو أن الطبيبة لا تستطيع توفير سبب علمي لها.
هذه التفعيلة القصصية لها وجهان. من ناحية هي حبكة جديدة وبارعة، ومن ناحية أخرى هي فكرة لا تجد سببًا علميًا لها، وبالتالي لا يمكن أن تكون واقعية في فيلم واقعي. فكرة يمكن استخدامها في فيلم خيال - علمي أو تحت شرط آخر لكن في فيلم اجتماعي وعاطفي فإنها تشكل نتوءًا من الصعب تجاوزه.
ولا يخلو الفيلم من تعليق اجتماعي واضح حول براءة الغزلان وعنف الإنسان المتبدّي، صمتًا، بمشاهد البقر المقاد لحتفه. والغزلان هي أيضًا في مطلع فيلم «أثر» للبولندية أنيشكا هولاند المشغول أكثر بالدفاع عن البيئة والحيوان من أن يسرد حكاية حب. الغزلان هنا تتعرض، وحيوانات أخرى، لصيد غير مشروع في فصل منعت فيه الحكومة صيده، لكن زمرة من النافذين في البلدة تواصل انتهاك القانون، مستندة إلى رئيس بوليس لا يريد التدخل. هذا كله يثير نقمة بطلة الفيلم التي تبدأ بتنفيذ قصاصها بقتل الصيادين، بل وبقتل رئيس البوليس والراهب الذي لا يطلب الامتناع عن صيد الحيوانات، معتبرًا أنه حق لا جدال فيه.

تجاذب عاطفي
مشكلة فيلم هولاند هو أنه بعد بداية جيدة وعلى الرغم من امتلاكها أسلوبًا مثيرًا للمتابعة، يضيع سريعًا في توفير الحالة ذاتها على نحو مستطرد، ثم يفقد الفيلم أهدافه المحددة عندما يبدأ بالكشف عن أن هذه المرأة المتقدمة في السن هي القاتلة. يمنحها الفيلم حكم البراءة مقلوبًا، فهي ستفجر منزلها بينما تتسلل بمساعدة معارفها قبل الانفجار هاربة، الأمر الذي سيعتقد معه رجال البوليس بأنها ماتت في الانفجار.
هذه الأفلام الثلاثة التقطت ثلاثًا من الجوائز الأولى: «عن الجسد والروح» نال ذهبية برلين، و«أثر» فاز بالجائزة الفضية وخطف «الجانب الآخر من الأمل» جائزة أفضل مخرج. لكن هناك فيلمًا رابعًا تربع وسطها هو «فيليسيتي» للسنغالي آلان غوميز. حكايته التي قدمناها أكثر من مرة على هذه الصفحات تدور في الكونغو حول المغنية التي تخفي دموع أحزانها كل ليلة، وذات يوم تهرع إلى المستشفى عندما أخبروها أن ابنها الشاب تعرض لحادثة سيارة. عليها الآن أن تستدين المال لإجراء عملية في ساق ابنها قبل أن يتم بترها. تدور على أقاربها ومعارفها ويتم جمع المال لها لكنه لا يكفي، فتتوجه إلى أخيها الثري الذي ينكر وجودها وكل ذلك يأخذ وقتًا طويلاً من حياتها ومن الفيلم. وعندما تحصل على المال، تكون ساق ابنها قد بترت بالفعل لإنقاذه من الموت.
في وسط كل ذلك هناك التجاذب العاطفي بينها وبين رجل يساعدها في أمر ذلك البرّاد المتوقف عن العمل والذي يحبها بصمت لكنها تتجاهله ثم تقع في حبه في النهاية. تسلم هذا الفيلم جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وربما كانت في مكانها بالنسبة للبعض لكنها تبدو لهذا الناقد ثوبًا فضفاضًا على فيلم يصر على تصوير الواقع البائس وهذا جيد، ثم يكمل تصويره من دون أن يضيف شيئًا يذكر إليه، وهذا وضع سيء.
الكثيرون توقعوا أن تفوز بطلته ديشامب ماتالا شاكمبو بجائزة أفضل ممثلة، لكن هذه الجائزة ذهبت إلى الكورية من - هي كيم عن دورها في «على الشاطئ وحيدة ليلاً». تمثيل جيد لدور لا يخلو بدوره من تجسيد البؤس لكن على نحو أعمق.
الجائزة الرجالية في المجال نفسه ذهبت إلى جورج فردريك عن «ليالي لامعة»، فيلم هولندي منحه النقاد أسوأ علامات التقدير.

موضوعان عربيان
وذهبت جائزة أفضل سيناريو لفيلم «فانتاستيك وومان» الإسباني (إخراج سيباستيان ليليو وغونزالو مازا) والبعض هنا توقع أن تفوز بطلة الفيلم دانييلا فيغا بجائزة أفضل تمثيل «نسائي» لكن هذا لم يحدث.
وفي نطاق جائزة أفضل إسهام فني فاز الفيلم الروماني «آنا، حبي» وهو فيلم يمضي الوقت في تحريك الكاميرا أكثر من تحريك الممثلين. الجوائز الأخرى الموازية لجوائز المسابقة الرسمية مهمة جدًا بدورها.
الجائزة الفضية لأفضل فيلم تسجيلي نالها عن جدارة فيلم فلسطيني عنوانه «اصطياد أشباح» للمخرج رائد أنضوني. المخرج نفسه يظهر في الفيلم وهو يطلب في إعلان منشور فلسطينيين من رام الله، سبق لهم وأن تعرضوا للاستجواب في معتقل موسكوبيا في القدس المحتلة. عبر هؤلاء يقدم للمشاهدين الطريقة التي يقوم بها المحققون باستجواب المتهمين الفلسطينيين والتي تشمل الضرب والعنف والإذلال. رائد أنضوني طالما اشتغل على أفلامه من موقع من عليه إتقانها أولاً لكي يصبح إيصال الرسالة إلى المشاهدين مقنعًا وناجحًا، وهذا ينجزه هنا أكثر مما فعل سابقًا.
فيلم بقضية عربية أخرى نال التقدير هو «إنسيرياتد» للمخرج البلجيكي فيليب فان لييو الذي يقص حالة ذعر شاملة تعيشها عائلة سورية سجينة شقتها في دمشق لا تستطيع الخروج منها خوفًا من القنص والقصف. هذا الفيلم الروائي الناطق بالعربية نال جائزة الجمهور كأفضل فيلم روائي في تظاهرة البانوراما، بينما نال الفيلم الأميركي «أنا لست زنجيك» I‪›‬m Not Your Nigger لراوول بَك جائزة الجمهور كأفضل فيلم تسجيلي في قسم البانوراما أيضًا.
وهذه هي السنة الثانية على التوالي التي تحقق فيها السينما العربية فوزًا مستحقًا في هذا المهرجان، ففي العام الماضي فاز «نحبك هادي» لمحمد بن عطية بجائزتين ثمينتين أولاهما جائزة الدب الفضي لأفضل فيلم أول ونالها المخرج، والثانية جائزة أفضل ممثل ونالها ماجد مستورة بطل ذلك الفيلم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».