ملجأ للأيتام في الموصل يكشف منهج «داعش» في تجنيد الأطفال

زوج الفتيات لمسلحيه وعدل الكتب بما يخدم فكره المتطرف

كتابا الرياضيات واللغة الانجليزية اللذان كان يدرسهما  «داعش» في مدارسه بالموصل (رويترز) - نص انجليزي معد للأطفال حيث يلاحظ المصطلحات العربية (رويترز)
كتابا الرياضيات واللغة الانجليزية اللذان كان يدرسهما «داعش» في مدارسه بالموصل (رويترز) - نص انجليزي معد للأطفال حيث يلاحظ المصطلحات العربية (رويترز)
TT

ملجأ للأيتام في الموصل يكشف منهج «داعش» في تجنيد الأطفال

كتابا الرياضيات واللغة الانجليزية اللذان كان يدرسهما  «داعش» في مدارسه بالموصل (رويترز) - نص انجليزي معد للأطفال حيث يلاحظ المصطلحات العربية (رويترز)
كتابا الرياضيات واللغة الانجليزية اللذان كان يدرسهما «داعش» في مدارسه بالموصل (رويترز) - نص انجليزي معد للأطفال حيث يلاحظ المصطلحات العربية (رويترز)

عندما وصل الأطفال أول مرة إلى منشأة التدريب التابعة لتنظيم داعش في شرق الموصل كانوا يبكون ويسألون عن آبائهم الذين اختفوا عندما اجتاح المتشددون شمال البلاد في 2014، لكن موظفا في ملجأ الأيتام السابق الذي كان يستضيفهم قال إنه مع مرور الأيام بدا أنهم يتشبعون بفكر التنظيم المغالي في التشدد. وحسب تقرير لوكالة رويترز، جرى فصل الصبيان عن البنات والأطفال الأصغر سنا وخضعوا للتلقين والتدريب على أن يكونوا «أشبالا للخلافة» ليصبحوا شبكة من المخبرين والمقاتلين يستخدمهم المتشددون لدعم عملياتهم العسكرية.
كان المجمع القائم بحي الزهور في الموصل والذي كان يضم أيتاما من المنطقة واحدا من عدة مواقع استخدمها المتشددون في أنحاء المدينة، وهو الآن موصد بعد أن أغلقته قوات الأمن العراقية بالأقفال.
ولا يزال في المجمع ما يذكر بمحاولة الجماعة غسل عقول عشرات الأطفال. وعلى أحد الجدران كتب بطلاء أسود «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل». وفي داخل المبنى يوجد حوض سباحة غير أنه جاف ومليء بالنفايات.
في غرفة أخرى توجد كومة من الكتب الدراسية التي عدلها التنظيم لتناسب جوهر ثقافته الوحشية. وتستخدم المسائل الحسابية في كتاب الحساب للصف الرابع أمثلة من الحرب في حين وضعت على الغلاف بندقية تكونت من معادلات حسابية. أما كتب التاريخ فتركز فقط على سنوات الإسلام الأولى وتسلط الضوء على الغزوات.
كتاب آخر يحمل عنوان «الإنجليزية للدولة الإسلامية» ويتضمن كلمات اعتيادية مثل «تفاحة» و«نملة» إلى جانب «جيش» و«قنبلة» و«قناص». وتظهر كلمات أخرى مثل «شهيد» و«جاسوس» و«المورتر» إلى جانب «معبر مشاة» و«يتثاءب» و«إكس بوكس».
وجرى تصوير كلمة «امرأة» بشكل أسود غير محدد الملامح ويضع النقاب. وكل الوجوه الموجودة بالكتب - حتى للحيوانات - مطموسة وذلك تمشيا مع حظر لمثل تلك الصور بموجب أفكار التنظيم المتشددة.
وقال الموظف بالملجأ، الذي أجبر على البقاء بعد سيطرة المتشددين على المنطقة في 2014، إن الفتيات اللاتي نقلن إلى المركز كان يتم تزويجهن عادة لقادة الجماعة. وطلب الرجل عدم الكشف عن اسمه خشية انتقام التنظيم. كان الرجل قد أصيب بالرصاص في الساق خلال اشتباكات دارت في الآونة الأخيرة.
كانت هناك زلاقتان وأرجوحة من البلاستيك بألوان زاهية وسليمة وسط شظايا الزجاج وفوارغ القذائف الصاروخية وأشلاء متفحمة لمفجر انتحاري في علامة على المقاومة الشرسة التي أبداها المتشددون مع انسحابهم في أواخر العام الماضي.
وأعطى سكان بالمنطقة أعطوا روايات مشابهة لروايات الموظف كما نشر تنظيم داعش تسجيلات مصورة تظهر كيف يتم تدريب المقاتلين الصغار بل وجعلهم يعدمون سجناء. وقال سكان إن الملجأ في حي الزهور كان يستقبل دفعات جديدة من الأطفال من خارج الموصل كل بضعة أسابيع ومن بينهم البعض من سوريا بينما كان يتم إرسال الصبيان الأكبر سنا إلى بلدة تلعفر إلى الغرب من الموصل للخضوع لتدريب عسكري مكثف على مهام منها العمل بالمحاكم التابعة للتنظيم أو شرطة الأمر بالمعروف.
وقال الموظف بالملجأ وهو يقلب بين أصابعه حبات مسبحة باللونين الأسود والأصفر: «بعد ستة شهور في المعسكرات عاد بعض الأولاد لقضاء عطلة أسبوعية مع إخوتهم الأصغر. كانوا يرتدون ملابس رسمية ويحملون أسلحة». وأضاف أن أحد الصبيان ويدعى محمد قتل الصيف الماضي في المعارك بمدينة الفلوجة إلى الغرب من بغداد. وذكر أن الأطفال الآخرين بكوا عندما سمعوا النبأ.
ومضى الموظف يقول إنه قبل بضعة أسابيع من بدء هجوم الموصل ألغى «داعش» الحصص الدراسية وأرسل الصبيان لحراسة قاعدة جوية قرب تلعفر سيطرت عليها لاحقا قوات موالية للحكومة. وقال الرجل «قلت لهم (إذا رأيتم الجيش ألقوا سلاحكم وقولوا له إنكم أيتام لعلهم ينقذون حياتكم)».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.