سنّة العراق في جنيف لترتيبات ما بعد مرحلة «داعش»

برعاية أميركية وحضور ساسة من الحكومة وخارجها

سنّة العراق في جنيف لترتيبات ما بعد مرحلة «داعش»
TT

سنّة العراق في جنيف لترتيبات ما بعد مرحلة «داعش»

سنّة العراق في جنيف لترتيبات ما بعد مرحلة «داعش»

لا تبدو قصة «داعش» في العراق عمومًا والمحافظات السنّية خاصة التي سيطر عليها التنظيم المتشدد عام 2014، مجرد «سحابة صيف»، ثم تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية؛ فالقوى الشيعية المختلفة تسعى جاهدة لبلورة مشروع «التسوية التاريخية»، استعدادًا لمرحلة ما بعد «داعش»، وكذلك تفعل القوى السياسية السنيّة، والكردية أيضا. وكما يقول شيخ قبائلي من محافظة صلاح الدين لـ««الشرق الأوسط»: «الجميع خائف من مرحلة ما بعد (داعش)». ولعل في هذا الإطار يأتي المؤتمر المنعقد في مدينة جنيف السويسرية لليومين 15 و16 فبراير (شباط) الحالي برعاية المعهد الأوروبي للسلام وبمشاركة الجنرال الأميركي السابق ديفيد بترايوس ورئيس الوزراء الفرنسي السابق دوفيلبان، والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي. ووجه المؤتمر الدعوة لأغلب القيادات السياسية السنية، فرحب بها البعض ورفضها آخرون. واستنادا إلى مصادر من «اتحاد القوى العراقية»، فإن أبرز الوجوه السياسية الممثلة في مؤتمر جنيف، هم كل من: الدكتور صالح المطلك زعيم «القائمة العربية»، والأمين العام للحزب الإسلامي إياد السامرائي، ووزير المالية السابق رافع العيساوي، إلى جانب رجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر، ومحافظي نينوى وصلاح الدين، نوفل العاكوب وأحمد الجبوري.
وشأن كثير من القضايا في عراق ما بعد 2003، انقسم الطيف السياسي حيال مؤتمر جنيف، فالشيعة عمومًا ينظرون بتوجس حياله، واتهمت سلفا النائبة نهلة الهبابي عن ائتلاف «دولة القانون»، الساسة الحاضرين للمؤتمر بـ«السعي لتقسيم البلاد».
وصرح رئيس الوزراء حيدر العبادي، أول من أمس، بشأن المؤتمر قائلا: «البعض يسعى من خلال ذلك إلى شيء قريب من التقسيم. العراقيون قبروا موضوع التقسيم. لقد انتهى زمن الطائفية. الحقيقة لم ألمس أي تحركات إقليمية في هذا الاتجاه، فكل دولة من دول الإقليم منشغلة في مشاكلها الخاصة».
على أن مواقف القوى السنّية تباينت بشأن المؤتمر، فرئيس مجلس النواب سليم الجبوري أجاب عن سؤال حول المؤتمر في الأسبوع الماضي من دون أن يفصح بشكل واضح عن معارضته أو تأييده الكاملين، قائلا: «مع كل الاعتزاز لمن يريد تقديم مساعدة للعراق، لكن هناك ضوابط، بصراحة لا نريد إعادة ذات الخطأ الذي كلف الناس كثيرا»، مضيفا: «يجب أن نأخذ العبرة والدروس مما حصل، ويجب أن نساهم في صناعة مستقبل لهذا البلد وفق إرادتنا وقدرتنا على التأثير الفاعل». أما النائب أحمد المساري عضو «اتحاد القوى العراقية»، فاعتذر عن تلبية الدعوة الموجهة إليه من قبل المؤتمر، نتيجة اعتقاده بأن الدعوة يجب أن تكون «أوسع وتشمل ممثلي المكونات الأساسية في البلد لضمان نجاحه والفائدة المرجوة منه في مصلحة العراق والعراقيين» كما يقول بيان صادر عن مكتبه.
واعتذر جمال الضاري الذي يعمل بنشاط لمرحلة ما بعد «داعش»، عن الحضور، ويرى، في بيان أصدره، أن أي صيغة للحل «ينبغي أن تتضمن مشاركة القوى العراقية على أساس القدرة والإخلاص للبلاد والتاريخ المشرف غير الملوث بالعنف والإرهاب». ويرى الضاري، وهو من خارج العملية السياسية، أن «تسطيح القضية السياسية إلى مشكلة طائفية وعرقية هو سبب مباشر في تعقيد الأزمة وتطورها».
لكن القيادي في «اتحاد القوى» النائب ظافر العاني، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «لقاء جنيف هو ندوة فكرية يعقدها معهد السلام الأميركي لمناقشة واقع ومستقبل المحافظات التي تعرضت لإرهاب (داعش)». ويرى أن «الضجة التي أثيرت حوله مألوفة، وهي الحملات الإعلامية والسياسية نفسها التي تقوم بها أطراف سياسية كلما التقينا مع إخواننا العرب أو اجتمعنا معا لمناقشة واقع جمهورنا ووضع حلول مناسبة في إطار العمل السياسي».
ويعتقد العاني أن «أسلوب الوصاية والتخوين الذي يراد أن يفرض علينا بطريقة استلاب الإرادة، هو أمر مرفوض من قبلنا»، ولا يرى موجبا لإثارة ضجة حول «حضور ندوة فكرية علنية معروف أطرافها ومحاور موضوعاتها».
ويشدد على أن «(تحالف القوى) لن يستخدم أسلوب التآمر على الدولة العراقية، ولن يعمد إلى الاستقواء بالخارج على حساب شركائنا». وتتقاطع وجهة نظر النائب عن «اتحاد القوى» عبد الرحمن اللويزي، مع وجهة نظر النائب ظافر العاني، ويرى أن الشخصيات التي حضرت مؤتمر جنيف «خسرت رصيدها الشعبي بعد صعود (داعش)، وتسعى لإيجاد دور جديد لها». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تختلف معهم في المشاريع، هم يطمحون لأقلمه البلاد، ونحن نرى أنها الحكم اللامركزي مناسب لهذه المرحلة».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.