جدل في الجزائر حول انحياز الحكومة لأحد مرشحي انتخابات الرئاسة الفرنسية

مراقبون قالوا إن زيارة ماكرون تأتي لمغازلة آلاف الجزائريين مزدوجي الجنسية الذين يعيشون في فرنسا

المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون يوقع على الدفتر الذهبي لكنيسة نوتردام بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون يوقع على الدفتر الذهبي لكنيسة نوتردام بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
TT

جدل في الجزائر حول انحياز الحكومة لأحد مرشحي انتخابات الرئاسة الفرنسية

المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون يوقع على الدفتر الذهبي لكنيسة نوتردام بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون يوقع على الدفتر الذهبي لكنيسة نوتردام بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)

أثار الاستقبال الذي خصصه رئيس وزراء الجزائر عبد المالك سلال، ووزير الدولة وزير الخارجية رمضان لعمامرة لمرشح الرئاسة الفرنسي إيمانويل ماكرون جدلا في البلاد، على أساس أن الحكومة الجزائرية «اختارت مرشحها»، علما بأن السلطة في الجزائر ميالة دائما إلى مرشح الحزب الاشتراكي في الاستحقاقات الفرنسية، كما هو معروف في علاقات البلدين.
وأنهى إيمانويل ماكرون، مرشح «حركة إلى الأمام» وزير الاقتصاد في الحكومة الاشتراكية سابقا، أمس زيارة إلى الجزائر دامت يومين، تندرج في إطار حملة انتخابات الرئاسة في فرنسا التي ستجري في مايو (أيار) المقبل. وقال بيان لرئاسة الوزراء الجزائرية إن اللقاء الذي تم بين سلال وماكرون «تناول العلاقات الثنائية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وكذا القضايا المرتبطة بحركة الأشخاص والسلع».
وسمح اللقاء، حسب البيان: «لضيف رئيس الوزراء باستعراض نظرته وتطلعاته فيما يخص آفاق تطوير العلاقات الجزائرية - الفرنسية، التي يعتبرها الجانبان مميزة، كما سمح أيضا بتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية، ذات الاهتمام المشترك». في إشارة ضمنا إلى قضايا الهجرة السرية وتهديدات الإرهاب في ليبيا ومالي.
وبعد نهاية مباحثاته مع سلال، صرح ماكرون للصحافة أن العلاقات بين البلدين «شهدت تطورا خلال السنتين الأخيرتين، لا سيما بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر سنة 2012»، وقال إنه «يشعر بالارتياح لتطور العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والقنصلية، ويشهد على ذلك عدد التأشيرات الممنوحة من قبل فرنسا للجزائريين، إذ تضاعف في السنتين الأخيرتين».
كما عبر ماكرون عن رغبته في تطوير نظرة مشتركة مع الجزائريين للتعاون «تكون في مستوى تاريخنا المشترك ومبنية على التنمية الاستراتيجية، فالبلدان يتقاسمان آفاقا مشتركة».
وبخصوص آفاق التعاون مع باقي الدول الأفريقية تابع ماكرون موضحا «أرغب أيضا في تطوير نظرة مشتركة لاستراتيجية تخص المغرب العربي، فهي منطقة مهمة في حوض المتوسط وفي أفريقيا، وضروري أن تحظى بمزيد من التضامن والتقارب لنتمكن من مواصلة التعاون مع باقي دول أفريقيا»، مضيفا أن «الجزائر تبقى بلدا عظيما ودبلوماسيته عظيمة»، ومشيرا إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «هو نائب رئيس الاتحاد الأفريقي».
ومن جانبه، قال لعمامرة، الذي حضر اللقاء إلى جانب وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، إن «السيد ماكرون أتى كصديق، لكن أيضا كشخص سهم في الشراكة الفريدة التي تقوم الجزائر وفرنسا ببنائها... وهي شراكة استثنائية أطلقها الرئيسان عبد العزيز بوتفليقة وفرنسوا هولاند في 2012، وقد حققت نتائج ملموسة وأمامها مستقبل واعد».
وترك مستوى اجتماعات ماكرون بالمسؤولين الجزائريين انطباعا قويا بأنه أجرى زيارة دولة، زيادة على أهمية القضايا التي تطرق إليها أثناء لقاءاته. وفي هذا السياق قال مراقبون إن ماكرون جاء يطلب دعم الجزائر التي تمثل بالنسبة لمرشحي الرئاسة في فرنسا، مئات الآلاف من أصوات الجزائريين مزدوجي الجنسية، الذين يعيشون في فرنسا.
وبخصوص إشكالية التطرف والإرهاب قال ماكرون بعد لقاء جمعه بوزير الشؤون الدينية محمد عيسى: «لقد تحدثت مع السيد الوزير بخصوص الإسلام في فرنسا، وحول الطريقة المثلى لتنظيم شؤون الديانة الإسلامية عندنا. وشملت محادثاتنا محاربة التطرف والتخويف من الإسلام»، وأضاف موضحا «نريد في فرنسا بناء علاقة هادئة وجديدة بين الجمهورية والإسلام، ويكون ذلك بمحاربة الأحكام المسبقة والخلط بين الإرهاب والإسلام، ونريد أن يساعدنا الجزائريون في فرنسا لأداء هذا العمل وتوفير شروط نجاحه. والجزائر تملك خبرة في محاربة التطرف، وهي إيجابية وبإمكان أوروبا عموما، وفرنسا خاصة، الاستفادة منها».
ومما يعزز الاعتقاد بأن زيارة ماكرون لم تكن «عادية»، فقد ذهب إلى حد تقييم أداء بعض أعضاء الحكومة، ومنهم وزيرة التعليم نورية بن غبريط، التي قال عنها بعد لقاء جمعهما إنها «تقوم بعمل جيد». غير أن مرشح الرئاسة تحاشى الخوض في قضايا الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ومطلب الجزائريين اعتذار فرنسا عن جرائم الاستعمار وتعويض الضحايا.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.