بعد المياه... أزمة وقود حادة في أماكن سيطرة النظام في سوريا

«نشوة الانتصار» التي يمنّي بها مواليه اصطدمت بالاستحقاق الاقتصادي

رجل من حي الكلاسة في مدينة حلب يحمل على كتفه أنبوبة غاز حصل عليها بعد انتظار طويل وسط أزمة وقود (رويترز)
رجل من حي الكلاسة في مدينة حلب يحمل على كتفه أنبوبة غاز حصل عليها بعد انتظار طويل وسط أزمة وقود (رويترز)
TT

بعد المياه... أزمة وقود حادة في أماكن سيطرة النظام في سوريا

رجل من حي الكلاسة في مدينة حلب يحمل على كتفه أنبوبة غاز حصل عليها بعد انتظار طويل وسط أزمة وقود (رويترز)
رجل من حي الكلاسة في مدينة حلب يحمل على كتفه أنبوبة غاز حصل عليها بعد انتظار طويل وسط أزمة وقود (رويترز)

لم ينه نظام الأسد بعد احتفالاته بما أسماه «تحرير» حلب ووادي بردى وغيرهما من مناطق، معتبرًا أنه حقق فيها انتصارات «ساحقة» بعد إفراغها من سكانها وتحويلها إلى أرض محروقة. غير أن «نشوة الانتصار» التي كان يمني بها النظام مواليه وداعميه من السوريين اصطدمت بالاستحقاق الاقتصادي، فبعد أن خفَت حدة أزمة المياه في العاصمة دمشق عادت إلى الواجهة أزمة الوقود المزمنة، ولكن على نطاق واسع يشمل كل مناطق سيطرة النظام لا سيما مدن وبلدت الساحل معقل النظام وخزانه البشري، بالإضافة إلى مدينة حلب العاصمة الاقتصادية التي عادت إلى سيطرة النظام منهكة مدمرة، ناهيك عن العاصمة دمشق.
وأصدر رئيس مجلس وزراء النظام السوري عماد خميس، تعميمًا إلى كل الجهات العامة بتخفيض كمية استهلاكها من المازوت والبنزين إلى 50 في المائة من الكمية المخصصة لهذه الجهات، والبداية ستكون من مؤسسة مجلس الوزراء. وحدد تعميم رئيس المجلس سيارات الخدمة العامة العاملة على المازوت والبنزين وكل وسائل التدفئة التي تعتمد على المحروقات وأية وسائل أخرى.
ونقلت جريدة «الوطن» المحلية الموالية للنظام عن مصدر مسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قوله إن «نسبة ما يتم تأمينه من الطلبات اليومية لا يتعدى 35 في المائة من الطلب الإجمالي الاعتيادي لمحطات دمشق، بينما تنخفض النسبة إلى ما دون ذلك في محطات ريف دمشق... مبينًا أن إجمالي الاحتياجات اليومية من مادة البنزين في دمشق وحدها يقترب من مليون ليتر يوميًا».
ومع ازدياد حدة أزمة البنزين نشطت حركة تهريب هذه المادة من لبنان حيث تباع صفيحة البنزين المهربة تباع بأكثر من 10 آلاف ليرة سورية، علما بأن ثمن الصفيحة في لبنان يعادل 16 دولارًا أميركيًا في أحسن الأحوال، أي بين 8200 و8500 ليرة سورية.
وفيما يبدو حلاً إسعافيًا، مؤقتًا، قالت جريدة «الوطن» إن ناقلة محملة بـ12 ألف طن من البنزين، بدأت بتفريغ حمولتها بميناء بانياس أول من أمس، وسط معلومات بأن عمليات النقل للمحافظات قد بدأت، وأضافت «الوطن» أن رئيس مجلس وزراء النظام السوري عماد خميس اجتمع يوم الخميس الماضي مع الموردين كافة، واتفق معهم على «خطة واضحة لتوريد المشتقات النفطية بشكل منتظم ومن دون انقطاع».
وأدى النقص الحاد في المحروقات إلى شل حركة السير والنقل العامة في مدن اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس، أما في حلب فتتعثر عملية دفع عجلة الورشات الصناعية الصغيرة، اللازمة لتأمين معيشة الطبقات الوسطى والفقيرة، وفي دمشق يبدو الارتباك أكثر، حيث الكثافة السكانية الأعلى، والوضع الاقتصادي الأسوأ بسبب ارتفاع الأسعار.
مصادر في مدينة اللاذقية تحدثت عن أن الوقود هناك بات حكرًا على زعماء الميليشيات المسلحة وسيارات المتنفذين «الشبيحة»، أما عامة الناس فلا حول لهم ولا قوة. وتشير المصادر إلى شلل حركة النقل العام. والمتضررون من ذلك الموظفون وطلاب الجامعات، مع تأكيد أن سعر البنزين ارتفع أكثر من الضعف من 500 ليرة للتر الواحد إلى أكثر من ألف ليرة بالسوق السوداء. وهو رقم باهظ بالنسبة لوسائل النقل العامة.
وتبث الصفحات الموالية للنظام على موقع «فيسبوك» على مدار الساعة، شكاوى من أهالي اللاذقية وبانياس وجبلة وطرطوس، حول عدم توفر أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء ومحروقات، وغالبية الشكاوى تنصب على حكومة النظام التي تتهم بالفساد والعجز عن تلبية احتياجات مواطنيها.
وتصاعدت حدة الانتقادات في صفوف الموالين للنظام بعد استفحال أزمة الوقود خلال الأيام الأخيرة، وتداولت معلومات عن فراغ مستودعات الفيول الاحتياطية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، ومعلومات أخرى عن قيام تنظيم داعش بإحراق محطة حيان للغاز شرق مدينة تدمر، ما يعني أن لا كهرباء ولا غاز ولا وقود في الأجل المنظور. في الوقت الذي تحتاج فيه حكومة النظام إلى 4 مليارات ليرة سورية يوميًا لتغطية قيمة المشتقات النفطية. ما اضطر وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام على لسان مسؤول لديها لم تسمه، لكن وصفته بـ«البارز»، إلى نفي تلك المعلومات. وحيث أكد المسؤول أن «عمليات توريد الفيول بدأت، والمادة تصل إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية، وذلك بعد وصول الناقلة المحملة بالفيول إلى ميناء بانياس». وتعهد المسؤول بأنه «في القريب العاجل ستكون هناك أخبار إيجابية على الأرض بالتزامن مع العمليات العسكرية لقوات الجيش العربي السوري في مناطق حقول النفط والغاز، بالإضافة إلى أن الناقلات المحملة بالمشتقات النفطية وفق العقود التي أبرمت، ستبدأ بالوصول في 15 الشهر الحالي».
وفي محاولة لتبرير التأزم الذي برز خلال اليومين الماضيين في تأمين الوقود قال المسؤول في وزارة النفط، إن «الاختناق الذي حدث كان مفاجئًا، وقد تم اتخاذ حلول إسعافية استثنائية حتى نقلل من حجم الاختناق الطارئ، ولولا هذه الحلول الإسعافية لكانت هناك انعكاسات قاسية جدًا على الأرض».
وطالب المسؤول في وزارة النفط السوريين، بالالتزام بأخذ «حاجتهم فقط من المشتقات النفطية، دون العمل على التخزين، كون هذا الأمر يزيد من حدة الاختناق، وخصوصا أن الظرف طارئ».
وأثارت دعوة المسؤول البارز في وزارة النفط السوريين إلى الاكتفاء بالحصول على حاجتهم، السخرية، إذ كما يؤكد (مازن) أحد السوريين: «ممكن أضطر إلى النوم في محطة الوقود ليلة كاملة للحصول على البنزين دون جدوى»، مضيفًا، أن «الحد الأدنى من الاحتياج غير متوفر». ويوضح مازن أنه يحتاج إلى البنزين لتشغيل المولدة الكهربائية كي يتمكن من تشغيل التجهيزات الكهربائية في محله، لأنها في حال توقفها، ستكون خسائره كبيرة».
معارض سياسي سوري يعيش في دمشق رفض الإفصاح عن اسمه وصف ما يجري من تتابع الأزمات الاقتصادية وتصاعدها بأنها «لحظة برود الجرح الاقتصادي»، بمعنى أن «الجرح الساخن لا يشعر صاحبه بالألم فعندما تكون رحى المعارك دائرة لا تشعر الدولة (نظام وحكومة وشعب) بفداحة الأزمة، لكن عندما تهدأ رحى الحرب يبدأ الشعور بالألم ويرتفع صوت الصراخ والتوجع، والكل اليوم ينظر إلى النظام كيف سيواجه هذا الاستحقاق، فإذا كان قادرًا على استجداء تمويل معاركه، فهل سيكون قادرًا على تسول لقمة عيش مواطنيه أم سيقتلهم جميعًا ويرتاح!!».
وفي معلومات لم يذكر مصدرها، كشف رجل الأعمال السوري المعارض فراس طلاس، عن أن أزمة الوقود الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد في سوريا تعود إلى أن إيران اشترطت لتزويد النظام بالأموال والنفط، إقامة قاعدة عسكرية إيرانية في ريف دمشق الجنوبي على غرار قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية.
فراس طلاس، وهو الابن الأكبر للعماد مصطفى طلاس وزير الحربية في عهد حافظ الأسد، وأحد أهم رموز الحرس القديم والمتهمين بالمشاركة في مجازر مدينة حماه التي ارتكبها نظام حافظ الأسد في الثمانينات من القرن الماضي.
كانت مصادر دبلوماسية مطلعة قد قالت لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق إن إيران وراء أزمة الوقود التي تفجرت بشكل مفاجئ في سوريا، بهدف الضغط على الأسد الذي راح يميل إلى جانب الطرف الروسي ضمن التجاذبات التي يخضع لها نظامه ما بين الروس والإيرانيين.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.