وثائق {سي آي إيه} الرؤية الأميركية للاستيطان الإسرائيلي (2): {ليكود} تحمس للاستيطان في الجولان... و{العمل} تلكأ

مرتفعات الجولان تحت الاحتلال منذ 1967 («الشرق الأوسط»)
مرتفعات الجولان تحت الاحتلال منذ 1967 («الشرق الأوسط»)
TT

وثائق {سي آي إيه} الرؤية الأميركية للاستيطان الإسرائيلي (2): {ليكود} تحمس للاستيطان في الجولان... و{العمل} تلكأ

مرتفعات الجولان تحت الاحتلال منذ 1967 («الشرق الأوسط»)
مرتفعات الجولان تحت الاحتلال منذ 1967 («الشرق الأوسط»)

اعتمدت إسرائيل، منذ نهاية حرب الأيام الستة، سياسة تشجيع تشييد المستوطنات الدائمة في الأراضي المحتلة والرامية إلى ترسيخ مزاعمها وسيطرتها على الأرض. ورغم أن حزب العمل هو من شرع سياسة التوطين، فإن تركيزه كان على مناطق استراتيجية أمنيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف إقامة حزام أمني من المستوطنات لحماية سكان إسرائيل في الداخل. ولكن حكومة حزب الليكود برئاسة مناحم بيغن جاءت بعد ذلك بأجندة لتوسيع الاستيطان في مرتفعات الجولان، بعد أن قررت ضم الجولان واعتبارها جزءا فعليا لا يتجزأ من إسرائيل، وبالتالي أعلنت ضم المرتفعات عام 1981.
ويعكس هذا التقرير القلق الذي اعترى الاستخبارات الأميركية في النصف الأول من سنوات الثمانينات من القرن الماضي، بسبب تصاعد وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان على وجه الخصوص، نظرا لمعرفة محللي الوكالة أن النشاط الاستيطاني سيترتب عليه تعقيد جهود التوصل إلى اتفاقيات سلام بين العرب وإسرائيل. وكانت الولايات المتحدة تعمل في تلك الفترة على التوسط بين إسرائيل وسوريا برئاسة رئيسها السابق حافظ الأسد، من أجل التوصل إلى حل معه قائم على الانسحاب الكامل من المرتفعات السورية، على غرار الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء المصرية.
وجاء في التقرير أنه نتيجة لمجموعة من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، منذ سبتمبر (أيلول) من عام 1984، تباطأت وتيرة إنشاء وتسكين المستوطنات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان والتي استمرت طوال عامي 1982 و1983، في ظل حكومة يرأسها حزب الليكود. ويشير التقرير إلى أن إسرائيل بدأت العمل على تشييد 274 وحدة استيطانية في مستوطنات الجولان منذ سبتمبر من عام 1984 بالمقارنة بـ345 منزلا خلال العامين اللذين سبقاه. وخلال العامين المذكورين، تم تسكين نحو 120 مستوطنا بالمقارنة بنحو 1600 مستوطن قبل ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بتشييد مستوطنة واحدة جديدة، في حين أنها فككت مستوطنتين أخريين، لأسباب لم يوضحها التقرير. وترى وكالة الاستخبارات الأميركية وجود مؤشرات مستقاة من تصرفات الحكومة الإسرائيلية خلال منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1984، من شأنها زيادة النشاط الاستيطاني بدلا من تقليل وتيرته.
ومن بين 32 مستوطنة إسرائيلية مشيدة بالفعل في مرتفعات الجولان، شيدت وزارة حزب العمل 27 مستوطنة جديدة في الفترة بين عامي 1967 و1977. وعلى الرغم من أن هذه المستوطنات - على غرار مستوطنات أخرى في وادي الأردن - موجهة بشكل عام نحو الجهود الزراعية، فإن بناءها قد ساعد في تلبية أهداف حزب العمل في تركيز وجود المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الاستراتيجية من الأراضي المحتلة للمساعدة في تشكيل المحيط الدفاعي الأكثر أمانا. ومع وصول حكومة حزب الليكود إلى السلطة في عام 1977، خلصت إلى ضرورة ضم مرتفعات الجولان، لدواع أمنية وعسكرية. ونتاجا للوفاق السياسي بين حزب العمل والليكود الذي أدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل في سبتمبر عام 1984، توافق الحزبان على بناء 6 مستوطنات جديدة خلال عام واحد. ولكن الحكومة الائتلافية قررت كذلك تأجيل بناء مستوطنات أخرى كان بناؤها مخططا له في مرتفعات الجولان، كانت حكومات سابقة قد أقرت بالفعل تشييدها. وكان السبب الرئيسي وراء قرار الحد من بناء المستوطنات هو القيود الاقتصادية وتلكؤ حزب العمل في بناء كثير من المستوطنات في المناطق التي قد تكون عرضة لمفاوضات السلام المستقبلية. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومة الإسرائيلية مضطرة لتوجيه الموارد المحدودة المتاحة لبناء المستوطنات إلى الضفة الغربية بدلا من مرتفعات الجولان.
تشير تقارير الاستخبارات الأميركية إلى أن معدلات البناء ضمن المستوطنات القائمة شهدت تباطؤا ملحوظا بعد شهر سبتمبر عام 1984، حيث انخفضت بنسبة 21 في المائة عن نفس الفترة من العامين الماضيين.
كما خرجت الوكالة من خلال معلومات ميدانية بالأرقام التالية:
* بدأ البناء في 158 وحدة إسكانية، مع استكمال بناء 143 وحدة منها.
* ارتفعت السعة السكانية في مستوطنات مرتفعات الجولان بأكثر من 1200 نسمة، وصولا إلى 13920 نسمة، بزيادة قدرها 1600 نسمة بين سبتمبر 1982 وسبتمبر 1984.
* بدأ البناء في 116 مبنى غير سكني جديد، 44 منها موجه لخدمة الأغراض الزراعية.
وتستخلص الوكالة من هذه الأرقام أن إسرائيل غير ملتزمة بتفاهمات عام 1982، والتي طولبت فيها بتجميد بناء المستوطنات. وانتهاكا لتلك الوعود بدأت إسرائيل في تشييد 405 وحدات سكنية في مرتفعات الجولان، وزادت من السعة السكانية هناك بواقع 4885 نسمة.
وأشار تقرير الوكالة إلى أن الاختلاف الرئيسي في بناء المستوطنات في مرتفعات الجولان بين فترات العامين المذكورين لما قبل وما بعد سبتمبر 1984 كان الانخفاض الكبير في البناء في كتسرين، وهي من أكثر المستوطنات المأهولة بالسكان في المرتفعات. ومنذ سبتمبر 1982 حتى سبتمبر 1984، بدأ بناء الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنة كتسرين، وهي تشكل نسبة 6 في المائة من جهود بناء المستوطنات في مرتفعات الجولان.
قدرت الاستخبارات الأميركية في منتصف الثمانينات بعد أقل من 20 عاما على حرب الأيام الستة، أن نحو 9205 مستوطنين يهود يعيشون في مستوطنات مرتفعات الجولان، بالمقارنة بنحو 1940 مستوطنا يهوديا يعيشون في مستوطنات قطاع غزة، بزيادة قدرها نحو 1200 نسمة منذ سبتمبر عام 1984، ونحو 2880 نسمة منذ سبتمبر 1982.
ووقعت الزيادة السكانية المقدرة بنحو 40 في المائة خلال العامين الماضيين في مستوطنتين، هما مستوطنة كتسرين ومركز خسفين الإسكاني الإقليمي، حيث انتقل أكثر من 500 مستوطن للعيش في الوحدات السكنية التي شيدت قبل سبتمبر 1984 واستكمل بناؤها حديثا.
في تقدير الوكالة أن وتيرة النمو المشهودة في مستوطنات مرتفعات الجولان لم تشهد تغييرا كبيرا في ظل حكومة الحكومة الائتلافية، رغم أن حزب الليكود هو من كان يرأسها. ومن شأن القيود السياسية والاقتصادية أن تستمر في الحد من بناء المستوطنات الجديدة إلى جانب جهود البناء الكبيرة داخل المستوطنات القائمة بالفعل. وعلى الرغم من ترأس حزب الليكود لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، فإنه لن تتاح له المقدرة، على الأرجح، لزيادة تمويل بناء المستوطنات للدرجة التي يرغب فيها بعض أعضاء الحزب، من دون الحصول على موافقة حزب العمل. ومن المرجح صعوبة الحصول على مثل هذا الدعم، وخصوصا مع اعتبار أن رابين، الذي تعتبر توجهاته حيال بناء مزيد من المستوطنات في مرتفعات الجولان غير مرغوب فيها، سوف يحتفظ بحقيبة الدفاع بعد تغيير رؤساء مجلس الوزراء.
اعتمدت إسرائيل، منذ يونيو (حزيران) عام 1967، سياسة تشجيع تشييد المستوطنات اليهودية الدائمة في الأراضي المحتلة، والرامية إلى ترسيخ مزاعمها وسيطرتها على الأرض، خصوصا في فترة العشر السنوات الواقعة بين 1967 و1977. وفي تقدير الوكالة أن وجود حزب العمل في حكومة ائتلافية مع الليكود سوف يقلص من جهود الأخير الساعية لإقامة مزيد من المستوطنات في مرتفعات الجولان، ولكنه لن ينهي هذه الجهود تماما.
وربما تشهد حركة التوطين كذلك تسارعا دون الحاجة للبناء والتشييد، نظرا لوجود عدد كبير من الوحدات السكنية المشيدة بالفعل داخل التجمعات الاستيطانية، خالية تماما وتبحث عمن يقطنها.



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».