الجيش الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم

مزارعون فلسطينيون ومنظمات حقوق إنسان يواجهون «قانون التنظيم» في المحكمة

مشهد عام يظهر عمليات البناء في مشروع إسكان جديد في مستوطنة نيلي قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
مشهد عام يظهر عمليات البناء في مشروع إسكان جديد في مستوطنة نيلي قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم

مشهد عام يظهر عمليات البناء في مشروع إسكان جديد في مستوطنة نيلي قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
مشهد عام يظهر عمليات البناء في مشروع إسكان جديد في مستوطنة نيلي قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

على الرغم من تنفيذ قرار المحكمة العليا بإخلاء مستعمرة عمونة والمستوطنين وإعادة الأرض الفلسطينية المنهوبة إلى أصحابها، والإيعاز للسلطات بألا تسمح بمصادرة أرض فلسطينية ذات ملكية خاصة، أو حرمان مواطن فلسطيني من الوصول إلى أرضه، يرفض قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، السماح للمزارعين الفلسطينيين في قرى شمال رام الله، بزراعة أراضيهم.
يملك الفلسطيني فوزي إبراهيم، من قرية جالود، إحدى قسائم الأرض، وتعود ملكية أرض ثانية لعائلة معين موسى، من القريوت. وقد منعت سلطات الاحتلال كلا الطرفين، صاحبي الأراضي، من حقهما في الوصول إلى أراضيهما، بادعاء أنها قريبة من البؤر الاستيطانية التي يكثر سكانها من التنكيل بالمزارعين الفلسطينيين. فإلى جانب أرض إبراهيم، تقوم بؤرة «إيش كودش»، فيما بنيت على أرض عائلة موسى بؤرة «ييشوب هداعت». ويسمح لإبراهيم بدخول الـ250 دونما التي يملكها مرتين في السنة فقط، بتنسيق مع الجيش وبمرافقة قوة عسكرية. واليوم تمنعه كلية. وهو يقول، إنه إذا لم يسمح له بالوصول إلى أرضه لحراثتها وزراعة القمح، خلال الأسبوع الحالي، فسيخسر الموسم كله. أما عائلة موسى فليست ملزمة بالتنسيق مع الجيش. لكن تخوفها من عنف المستوطنين ورغبة الجيش بمنع الاحتكاك يلزمانها بتنسيق الأمر مع الجيش. وكانت المحامية قمر مشرقي أسعد قد توجهت في أغسطس (آب) 2016 إلى دائرة التنسيق والارتباط، بطلب تنسيق الدخول إلى كروم اللوز التي تملكها العائلة، فقيل لها، إنه وصل إلى المنطقة قائد جديد يطلب دراسة الأوضاع. ومنذ ذلك الوقت، توجهت إلى الدائرة 11 مرة، ولم تنجح.
يشار إلى أنه منذ تسعينات القرن الماضي، وبقوة أكبر مع بداية القرن الحالي، أقيمت حول مستوطنة شيلو، بؤر زراعية للمستوطنين، الذين كثرت اعتداءاتهم وأعمال العنف التي يمارسونها ضد المزارعين الفلسطينيين من قرى جالود وقريوت وترمسعيا وكسرى والمغير. وفي أعقاب أعمال التنكيل الإسرائيلية، قام الجيش الإسرائيلي بإغلاق نحو 9 آلاف دونم أمام أصحابها المزارعين الفلسطينيين، ومنعهم من فلاحة أراضيهم، أو رعي مواشيهم فيها. وتوجه عشرات المزارعين إلى المحكمة العليا، من خلال تنظيمات إسرائيلية لحقوق الإنسان. وفي 2006، أمرت المحكمة السلطات الإسرائيلية بالسماح للفلسطينيين بدخول أراضيهم بالتنسيق مع الجيش، وبشكل عام لمرات عدة ولأيام معدودة فقط كل سنة، بينما يمنع المزارعون من دخول أراضيهم غالبية أيام السنة.
يذكر أن تنظيمات فلسطينية لحقوق الإنسان وجهت التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد قانون مصادرة الأراضي الفلسطينية المسمى «قانون التنظيم»، الذي أقره الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) فجر الثلاثاء الماضي. وجرى تقديم الالتماس باسم 17 سلطة محلية فلسطينية وثلاث منظمات لحقوق الإنسان من الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل. ويدعي الملتمسون أن القانون غير دستوري ويتعارض مع القانون الدولي. وحسب نص مشروع القانون، سيتم في المرحلة الأولى تجميد الإجراءات القانونية ضد 16 مستوطنة وبؤرة لمدة سنة، منذ يوم نشر القانون. وخلال السنة يجري تحديد ما إذا ستتم مصادرة الأراضي القائمة عليها، وبعد ذلك يمكن لوزيرة القضاء، إييلت شكيد، توسيع القائمة بواسطة أمر، وبمصادقة لجنة القانون والدستور البرلمانية.
وأوضح المقربون من المستشار القانوني للحكومة، أبيحاي مندلبليت، مرة أخرى، أنه لا ينوي الدفاع عن القانون حتى وفق هذه الصيغة، في حال تقديم التماس ضده إلى المحكمة العليا. ويطلب الملتمسون من المحكمة إصدار أمر احترازي يمنع تفعيل القانون حتى صدور قرار نهائي في الالتماس، وذلك بهدف منع بدء تطبيقه بشكل فوري.
وجاء في الالتماس أن القانون يخرق حقوق الملكية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، و«يعرض الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية للإهمال ومن دون أي حماية قانونية، ويعرض ملكيتهم الخاصة لأن تكون عرضة لنزعها وسلبها لصالح المستوطنين في الضفة الغربية، على أساس رؤية عرقية آيديولوجية». وجاء من المحامين، الذين قدموا الالتماس، سهاد بشارة وميسانة موراني من مركز «عدالة»، وسليمان شاهين من مركز القدس لحقوق الإنسان، أن «الغرض الصريح والواضح للقانون، يسعى لتفضيل مصالح مجموعة واحدة على أساس العرق، ما يؤدي إلى سرقة الفلسطينيين، وهذا لا يترك أي شك بأن القانون يندرج ضمن المحظورات التي يمكن تعريفها بالجرائم».
وحسب الملتمسين فإنه لا يمكن من ناحية قانونية تطبيق القانون في أراضي الضفة الغربية، لأنه يخرق معايير القانون الدولي، حيث إنه «يلغي بشكل مطلق الدفاع الذي ينص عليه القانون الدولي الإنساني، عن حقوق الملكية، من خلال معيار تشريعي إسرائيلي يمس بحقوق السكان المحميين في الأراضي المحتلة». وجاء في الالتماس، أيضا، أن القانون يمس بكرامة الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، فهو «لا يقود فقط إلى المس بالأملاك الفردية للفلسطينيين، وإنما يسعى للمس بحقهم في الكرامة، من خلال الشرح بلا تردد بأن مصلحة المستوطنين اليهود الإسرائيليين في الضفة تتغلب على حقوق الفلسطينيين، ولذلك يحق سلبهم». وأرفق الملتمسون الالتماس بصور جوية للمستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينية. وأشاروا إلى أن المبادرين إلى القانون حددوا مسبقا قائمة المستوطنات التي ستتم مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة القائمة عليها. وجاء في التفسير «الحديث عن قائمة أولية لمستوطنات يعرف المبادرون للقانون منذ اليوم أنها مقامة على أراض خاصة، وأن هناك أناسا يطالبون باستعادة حقوقهم على الأرض».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.