سجال مكافحة «القاعدة» باليمن يحتدم في واشنطن

«الشرعية» تناشد أميركا التشاور قبل تنفيذ العمليات البرية

سجال مكافحة «القاعدة» باليمن يحتدم في واشنطن
TT

سجال مكافحة «القاعدة» باليمن يحتدم في واشنطن

سجال مكافحة «القاعدة» باليمن يحتدم في واشنطن

طالبت الحكومة اليمنية الولايات المتحدة بالتشاور مع السلطات اليمنية قبل تنفيذ أي عمليات برية، «مع اتخاذ إجراءات احتياطية لمنع وقوع خسائر في صفوف المدنيين».
وقطعت السفارة اليمنية في واشنطن الشكوك حول سحب تصريحها لتنفيذ عمليات ضد تنظيم القاعدة، وقالت في بيان في وقت متأخر مساء أول من أمس: «لم يتم تعليق عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن مع حكومة الولايات المتحدة».
ونقلت «رويترز» عن مسؤول يمني كبير قوله إن «الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتمع مع السفير الأميركي لدى اليمن، وأبدى تحفظاته بشأن المشكلات التي واجهت العملية الأخيرة».
ويحتدم السجال حول مكافحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن معقلا، إلى العاصمة الأميركية، وذلك على خلفية عملية الإنزال التي أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
العملية وقعت في يكلا الواقعة بين سلسة جبلية وعرة على أطراف مديرية ولد ربيع بمحافظة البيضاء القابعة تحت سيطرة الحوثي وصالح، وأدت إلى معركة قتل فيها أحد أفراد قوات العمليات الخاصة بالبحرية الأميركية وأحرقت طائرة أميركية، وقتل فيها 14 مدنيا على الأقل بينهم امرأة وأطفال، أبرزهم ابنة أنور العولقي زعيم التنظيم الذي قتل بغارة أميركية في عام 2012.
واشنطن التي تلاحق الإرهاب في مختلف أنحاء العالم، تكافحه أيضا في اليمن، البلد الذي عانى ويلات «القاعدة» منذ عام 2010، ثم الانقلاب منذ نهاية عام 2014.
ويرى نجيب غلاب، الباحث السياسي اليمني، أن «محاربة الإرهاب وملاحقة خلاياه مسألة محسومة وغير قابلة للجدل والأخذ والعطاء أو تبرير تأجيلها لأي سبب كان، فهي تشكل تحديا وخطرا أمام الشرعية بالتوازي مع استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب ونزع سلاح الميليشيات الحوثية، وتحرير مؤسسات الدولة المختطفة وفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اليمنية»، مضيفا: «لا يمكن تحرير الدولة اليمنية ما لم تسر المعركة باتجاهين متوازيين، بناء الدولة ومكافحة الإرهاب الذي يعمل برأسين متكاملين هما (القاعدة) وملحقاتها، والحوثية وميليشياتها، وكلاهما يعمل ضد الدولة الوطنية ومرتبط عضويا بالاستراتيجية الإيرانية في تخريب المجال العربي».
وأوضح مسؤولون عسكريون أميركيون أنهم يحققون في تقارير عن مقتل مدنيين في الغارة. وانتقد السيناتور الأميركي جون ماكين العملية، وقال لمحطة «إن بي سي» الإخبارية يوم الثلاثاء: «عندما نفقد طائرة قيمتها 75 مليون دولار والأهم فقدان حياة أميركي... فلا أعتقد أنه يمكن وصف ذلك بالنجاح»، وفقا لـ«رويترز»، بيد أن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر دافع عن العملية أول من أمس الأربعاء ووصفها بأنا كانت «ناجحة تماما»، وقال: «أعتقد أن أي شخص يقلل من نجاح تلك الغارة فهو مدين بالاعتذار ويسيء لحياة أوينز» في إشارة إلى الجندي الأميركي القتيل في العملية.
يشار إلى أن عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يخل من عمليات برية في اليمن، إذ سبق لعملية برية أميركية أن باءت بالفشل بعد محاولة تحرير رهينتين يحتجزهما تنظيم القاعدة انتهت بقتلهما في عام 2014.
يقول غلاب، إن تكرار الأخطاء في عهد أوباما بضرب حركات الإرهاب الإيرانية وأنساقها المتكاملة معها لن يتكرر في اليمن، ويبدو لي أن الإدارة الأميركية الجديدة اتجاهاتها واضحة في التعامل مع رأسي الإرهاب، وواضح أنها ترى المستفيد الأول من جناحي الإرهاب هي إيران، وهذا واضح من تصريحات المسؤولين باعتبار إيران الدولة المصدرة للإرهاب، وتأكيدها أن وكلاءها وميليشياتها يشكلون الوجه الآخر للإرهاب، وأنها تعمل على تنمية الإرهاب كخط استراتيجي لها في المنطقة والعالم.
والمطلوب من «الشرعية»، وفقا لغلاب أن «تتبنى استراتيجية واضحة وحاسمة في مكافحة رأسي الشر وبشكل متواز، فالفراغات التي قد تترك لـ(القاعدة) هي المصدر الأساسي للانقلابيين لتمرير مشروعهم... صحيح أن (الشرعية) والتحالف تمكنا من ضرب مرتكزات (القاعدة) في أكثر من محافظة، إلا أن خلاياها ما زالت موجودة، وهي في حالة خمول، وتعمل على توسيع شبكات عملها، ناهيك بطبيعتها الانتهازية في التعامل مع نقائضها في الانقلاب لتمرير أهداف الطرفين المركزة على إفشال الشرعية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.