«سجن صيدنايا»: إبادة بـ«قرار رئاسي» وتوقيع مفتي الجمهورية

منظمة العفو تؤكد تصفية 13 ألفًا خلال 4 سنوات وتصفها بجرائم ضد الإنسانية

صورتان لعمر الشقر (21 سنة) معتقل سابق في سجن صيدنايا، اليسرى التقطت في يناير الماضي حيث يعيش في السويد الآن، واليمنى في أنطاكيا جنوب تركيا يوليو 2015 بعد شهر من خروجه من المعتقل (أ.ف.ب)
صورتان لعمر الشقر (21 سنة) معتقل سابق في سجن صيدنايا، اليسرى التقطت في يناير الماضي حيث يعيش في السويد الآن، واليمنى في أنطاكيا جنوب تركيا يوليو 2015 بعد شهر من خروجه من المعتقل (أ.ف.ب)
TT

«سجن صيدنايا»: إبادة بـ«قرار رئاسي» وتوقيع مفتي الجمهورية

صورتان لعمر الشقر (21 سنة) معتقل سابق في سجن صيدنايا، اليسرى التقطت في يناير الماضي حيث يعيش في السويد الآن، واليمنى في أنطاكيا جنوب تركيا يوليو 2015 بعد شهر من خروجه من المعتقل (أ.ف.ب)
صورتان لعمر الشقر (21 سنة) معتقل سابق في سجن صيدنايا، اليسرى التقطت في يناير الماضي حيث يعيش في السويد الآن، واليمنى في أنطاكيا جنوب تركيا يوليو 2015 بعد شهر من خروجه من المعتقل (أ.ف.ب)

جاء تقرير منظمة العفو الدولية الذي حمل عنوان «مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا» ليلقي الضوء مرة جديدة على أوضاع المعتقلين في سجون النظام السوري، والتي «ترتقي إلى جرائم حرب»، وفق توصيف المنظمة التي أوردت إعدام 13 ألف شخص شنقًا غالبيتهم من المعارضين المدنيين.
واستندت المنظمة في تقريرها إلى تحقيق معمق أجرته على مدى سنة من ديسمبر (كانون الأول) 2015 لغاية الشهر نفسه من عام 2016، وتضمن مقابلات مع 84 شاهدًا، بينهم حراس سابقون في السجن ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، بالإضافة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سوريا.
هذا الواقع في سجن صيدنايا، ينطبق على كل السجون والمراكز الأمنية التابعة للنظام في سوريا، بحسب ما يؤكد فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي شاركت في إعداد التقرير، مشيرًا إلى أنه تم توثيق وفاة 375 شخصا بالاسم ماتوا تحت التعذيب في «صيدنايا»، في حين يرجّح علي أبو دهن، المعتقل السابق ورئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، أن يصل عدد القتلى في سجن صيدنايا ما بين 20 و22 ألفا، لافتا إلى أن داخل جدران هذا السجن ما لا يقل عن 300 معتقل لبناني من أصل 625 سبق للجمعية أن وثقت أسماءهم وسلّمتها للحكومة اللبنانية، معظمهم كانوا قد اعتقلوا من قبل النظام السوري خلال الحرب اللبنانية.
ويقول عبد الغني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المعلومات التي ذكرت بالتقرير يعود تاريخها لما قبل عام 2015، وبالتالي فإن التوقف عند هذا التاريخ كان بسبب عدم تمكننا من الحصول على معلومات إضافية نتيجة توقف النظام، تقريبا، عن إطلاق سراح المعتقلين، لكن بالتأكيد الممارسات عينها لا تزال مستمرة والإعدامات لم ولن تتوقف ما لم يتم اتخاذ إجراءات قانونية بحقه». ويوضح عبد الغني أن «قرار الإعدام في سوريا بحق أي شخص، يتّخذ بـ«قرار رئاسي»، أي أنه يجب أن يوقّع من جهات رسمية عدة، وهي: رئيس محكمة الميدان العسكرية والقاضي المسؤول والفرع الأمني الذي أحاله إلى المحكمة إضافة إلى مفتي الجمهورية ووزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان نيابة عن رئيس الجمهورية. ويضيف: «بعد تنفيذ الإعدام تنقل الجثث جميعها إلى مستشفى تشرين؛ حيث يتم توثيقها، وبالتالي، تتأكد سلطات النظام من تنفيذ الإعدام، مما يعني أن النظام السوري يستخدم مؤسسات الدولة لإبادة المجتمع». ويلفت عبد الغني إلى أن معظم المعتقلين الذين يموتون في السجون السورية لا يتم إبلاغ عائلاتهم بوفاتهم، إلا من تمكّن من الحصول على معلومات عن ابنه عن طريق وساطات تتم في معظمها عبر دفع المال، مشيرا إلى أنه ومنذ صدور التقرير بدأت التساؤلات والاتصالات من الأهالي الذين اعتقل أبناؤهم لمعرفة عما إذا كانت هناك أسماء موثقة».
بدوره، يقول أبو دهن الذي خرج عام 2000 من سجن صيدنايا بعد 13 عاما من الاعتقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن تخيل أو وصف وسائل التعذيب التي كنا نشهدها بأم العين وهي بالتأكيد لم ولن تشهدها أي دولة في العالم». ويشدد أبو دهن أن معظم المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية موجودون في سجن صيدنايا، لافتا إلى تسجيل خروج عدد قليل منهم في سنوات الحرب الأخيرة عبر طرق سرية ووصلوا إلى لبنان لكنهم يخشون الكلام أو التصريح خوفا على حياتهم، ويذكر في هذا الإطار، أنّ أحدهم وصل إلى لبنان عام 2012 وآخر عام 2013 كان قد اعتقل لمدة سنة تقريبا، موضحا: «هذا الأخير التقى أحد القضاة المعنيين بقضية المعتقلين بالسجون السورية وتم التحقيق معه، وأكّد وجود لبنانيين في السجن حيث كان معتقلا». ويقول أبو دهن إنه وقبل عام 2007 كانت الجمعية تحصل إلى حد ما على بعض المعلومات المتعلقة بالمعتقلين، لكن ومنذ عام 2007 أصبحت الأخبار شحيحة جدا.
وفي تقريرها، قالت منظمة العفو الدولية: «يتم اقتياد مجموعات تصل أحيانا إلى 50 شخصا خارج زنزاناتهم في السجن وشنقهم حتى الموت، مرتين أسبوعيا، في الغالب». وأوضحت أن «الإعدامات السرية» تمت «خارج نطاق القضاء»، و«أُدين الضحايا وحُكم عليهم بالإعدام عقب محاكمات أمام محكمة الميدان العسكرية الكائنة في حي القابون بدمشق، وتستغرق المحاكمة الواحدة بين دقيقة واحدة وثلاث دقائق كحد أقصى».
وأوضح التقرير أن السجناء يكونون «طوال العملية معصوبي الأعين، لا يعرفون متى أو أين سيموتون إلى أن يلف الحبل حول أعناقهم».
ونقل التقرير عن قاض سابق شهد هذه الإعدامات قوله: «كانوا يبقونهم (معلقين) هناك لمدة 10 إلى 15 دقيقة». وأضاف أن «صغار السن من بينهم كان وزنهم أخف من أن يقتلهم فكان مساعدو الضباط يشدونهم إلى الأسفل ويكسرون أعناقهم».
وأكدت المنظمة الحقوقية أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولكنها مع ذلك مستمرة على الأرجح.
ويعتقل النظام السوري آلاف المساجين في سجن صيدنايا الذي يديره الجيش والذي يعتبر أحد أضخم سجون البلاد ويقع على بعد 30 كلم تقريبا شمال العاصمة. واتهمت المنظمة الحقوقية في تقريرها نظام الرئيس بشار الأسد بانتهاج «سياسة إبادة» في هذا السجن.
وجاء في التقرير «سجن صيدنايا العسكري هو المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء. ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا». وبالإضافة إلى الذين أعدموا شنقا، «قتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية».
وأكد أن السجناء يتعرضون للاغتصاب أو يتم إجبارهم على اغتصاب بعضهم البعض، بينما عملية إطعامهم تتم عبر إلقاء الحراس الطعام على أرض الزنزانة التي غالبا ما تكون متسخة ومغطاة بالدماء.
واعتبرت المنظمة أنه «لا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب دون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها».
وبحسب إفادات الشهود التي جمعتها منظمة العفو، فإن «قواعد خاصة» كانت مطبقة في السجن، إذ لم يكن مسموحا للسجناء أن يتكلموا، وكان عليهم أن يتخذوا وضعيات محددة لدى دخول الحراس إلى زنزاناتهم.
ونقل التقرير عن سجين سابق في صيدنايا وقد عرف باسم مستعار (نادر) قوله: «كل يوم كان لدينا في عنبرنا ميتان أو ثلاثة أموات (...) أتذكر أن الحارس كان يسألنا يوميا كم ميت لدينا. كان يقول: غرفة رقم 1، كم؟ غرفة رقم 2، كم؟ وهكذا دواليك».
وأضاف نادر أن التعذيب في أحد الأيام كان عنيفا لدرجة أن عدد الموتى في عنبر واحد بلغ 13 سجينا.
ونقل التقرير عن عسكري سابق واسمه حامد، قوله إنه كان بإمكانه سماع أصوات «طقطقة» مصدرها غرفة الشنق الواقعة في الطابق الأسفل خلال حصول عمليات الشنق. وأضاف حامد الذي اعتقل في 2011 «كان بإمكانك إذا وضعت أذنك على الأرض أن تسمع صوتا يشبه الطقطقة. كنا ننام على أصوات سجناء يموتون اختناقا».
وأشار التقرير إلى أن الجثث «توضع عقب الإعدام في شاحنة، وتُنقل إلى مشفى تشرين لتسجيلها ودفنها في قبور جماعية، في أرض تابعة للجيش على مقربة من دمشق».
وكانت منظمة العفو قدرت في تقارير سابقة عدد السجناء الذين قضوا في معتقلات النظام منذ بدء النزاع في مارس (آذار) 2011 بنحو 17 ألفا و700 سجين، مما يعني أن مقتل 13 ألف معتقل في سجن واحد قد يعني أن العدد أكبر من ذلك بكثير.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.