منحوتات من الشوكولاته بطعم الاستعمار المر

معرض لنحات من الكونغو يحط في نيويورك

منحوتات صنعت من كميات وفيرة من الشوكولاته (نيويورك تايمز)
منحوتات صنعت من كميات وفيرة من الشوكولاته (نيويورك تايمز)
TT

منحوتات من الشوكولاته بطعم الاستعمار المر

منحوتات صنعت من كميات وفيرة من الشوكولاته (نيويورك تايمز)
منحوتات صنعت من كميات وفيرة من الشوكولاته (نيويورك تايمز)

حتى الأسبوع الماضي، كان النحات مايثو كلببيكاسيما الذي يعيش في أحد أفقر أحياء جمهورية الكونغو الديمقراطية لم يغادر بلدته قط، ناهيك عن السفر بالطائرة. وحتى وقت قريب لم يكن كاسيما قد تذوق طعم الشوكولاته نهائيا رغم أنها المادة الخام التي يصنع منها منحوتاته والتي تستخرج من حبوب الكاكاو التي كانت ضمن الصادرات الرئيسية خلال الاستعمار البلجيكي للكونغو عندما كانت البلاد خاضعة لاستغلال الشركات الغربية.
وفي ذلك اليوم بـ«مركز المنحوتات» بمركز لونغ آيلاند سيتي بحي «كوينز» بنيويورك، سار كاسيما مرتديا ملابس ثقيلة تقيه من قشعريرة البرد غير المعتاد في طرقات المعرض الذي ضم فنانين من بلدته «لوسنغا»، جميعهم يعرض منحوتات صنعت من كميات وفيرة من الشوكولاته تستطيع أن تشم رائحتها بوضوح في المكان.
بعضها صنع من الشوكولاته البنية المزركشة أو الصلبة، وبعضها استخدم لصناعة منحوتات بالحجم الحقيقي منها تماثيل نصفية صنعها كاسيما تحت اسم «الإنسان ليس سوى رأس». استغرق صنع تلك التماثيل النصفية المتراصة على أرض المعرض نحو عامين شارك في نحتها «الرابطة الفنية لعمال المزارع الكونغوليين»، وهي جمعية جديدة تعرض أعمالها في الولايات المتحدة للمرة الأولى. من المقرر استمرار المعرض حتى 27 مارس (آذار).
والدافع للمشاركة في فعالية فنية غربية بالنسبة لكاسيما وباقي الفنانين العشرة أعضاء الرابطة هو دافع مالي بحت، فعائدات بيع القطع الفنية صغيرة الحجم وكذلك القطع الكبيرة في أوروبا بلغت نحو مائة ألف دولار أميركي ستذهب لأبناء بلدتهم بالكونغو، حيث لا يتعدى متوسط كثيرين 20 دولارا شهريا.
إلى ذلك، قال كاسيما، من خلال مترجم يتحدث لغته المحلية «الكيكونغو» إلى جانب الفرنسية: «نساعد شيئا فشيئا»، مشيرا إلى مساهماتهم المادية، مضيفا: «أستطيع الآن اصطحاب والدتي إلى المستشفي، ولن أحتاج بعد الآن إلى تسلق النخيل الذي سقطت من فوقه خمس مرات من قبل»، وفق كاسيما الذي نشأ ببلدة لوسانغا وعمره الآن في بداية الثلاثينات. ويحمل اسم بلدته معنى رمزيا، حيث كان الاسم القديم لفرافيل، في إشارة إلى شركة «ليفر بروزرز»، ولاحقا تغير الاسم ليصبح «يونيليفر»، وهو اسم شركة الصابون العالمية العملاقة التي زرعت أول نخلة زيت لها هناك عام 1911 وقت الاستعمار البلجيكي، ومنذ أكثر من عقدين باعت الشركة مشروعاتها هناك وغادرت البلاد لتترك خلفها فراغا اقتصاديا كبيرا.
غير أن الربح المادي ليس سوى أحد أهداف تلك الرابطة الفنية غير العادية التي جسدت أعمالها الفنية نقاط التقاط ثقافية لمرحلة ما بعد الاستعمار لتجني من خلاله بعض المال. يعد تكوين تلك الرابطة الفنية من بنات أفكار الفنان الهولندي رينزو مارتينز ومجموعة أخرى من الفنانين الأوروبيين، لتطلق بعدها الرابطة العنان لمدارك فنانيهم الحسية وتجسيدهم لديناميكية القوة التي تجمع أفريقيا بالغرب. فباستخدام المواد الخام الفاخرة، وهي الشوكولاته التي اعتمد إنتاجها بدرجة كبيرة على العمال الأفارقة وعلى الأرض الأفريقية بدرجة مهلكة. فأحيانا يأتي الدعم الخيري للمتاحف من المؤسسات متعددة الجنسيات، مثل شركة «يونيليفر» التي استفادت من الحكم الاستعماري (ولذلك تجد مثلا أن شركة يونيليفر قد دعمت لسنوات طويلة متحف تيت مودرن بلندن).
وجاء الفيلم شبة الوثائقي «استمتع بالفقر» الذي أخرجه رينزو مارتينز عام 2008 ليظهر المخرج كرجل خير وإن كان مثيرا للقلق، وذلك لدعوته للمصورين التجاريين الكونغوليين أن يديروا عدسات كاميراتهم بعيدا عن الأعراس وأعياد الميلاد وأن يركزوا على الفقر والعنف المنتشر حولهم ليجنوا مالا حقيقا من دول العالم، لأن وكالات الأنباء العالمية ستكون حينئذ تواقة لشراء منتجهم.
وحاز الفيلم التسجيلي على اهتمام كبير، وإن كان بعض النقد جاء مريرا، فمثلا كتب الناقد الفني دان فوكس بمجلة «فريز» إن تلك الصور عكست « النظرة النمطية المختزلة نفسها» التي طالما انتقدها مارتينز، وهي «استغلال جمهور الفن» ورغبته في مشاهدة أعمال «حقيقية يمتزج فيها الفن بالسياسة».
لكن تدخل مارتينز لم ينته هنا، فقد انتقل إلى الكونغو مع عائلته، ومن خلال المؤسسة التي أنشأها تحت اسم «معهد النشاطات الإنسانية»، بدأ في العمل مع بعض الفنانين بالعاصمة كينشاسا لتنمية فكرة تشجيع عمال المزارع على تعلم الفنون وتكوين رابطة خاصة بهم. وعلق مارتينز في مقابلة صحافية أجريت معه مؤخرا، بقوله: «يتهمني الناس بأنني استعماري جديد، لكن العالم كله كيان استعماري جديد، ولكي ينهي هذا الحال علينا أن نخترع أدوات جديدة. أشعر أن هناك كثيرا من الظلم في هذا العالم، فأنا لا أستطيع عرض أعمال تحمل نقدا سياسيا في بلدان تمثل القوة نفسها. والسبب في ذلك هو أنني رجل أبيض وفنان من الطبقة المتوسطة، وكيف لي أن أفعل ذلك».
وبعد عدة محاولات نجحت خطته وبدأت تتشكل في لوسانغا التي يعيش فيها كثيرون مثل كاسيما ممن عملوا في تلك المزارع وطلب منهم اختيار زملاء للانضمام للرابطة. الفنان الفرنسي والمدرس ألينوار هيليو الذي عاش بالعاصمة كينشاسا لسنوات طويلة وانضم للمشروع بعد أن خالجه بعض الشك في البداية، قال: «أطلقنا نداء عاما أعلنا فيها عن إقامة ورشة عمل للنحت، وبالفعل انضم إلينا كثيرون. حاولنا اختيار أصحاب التصورات القوية لعالمهم ولأحوالهم المعيشية؛ أي كل من كان لديه ما يقوله. لكن لم يكن الأمر يشبه الاختيار بمدرسة فنية عندما تجتاز اختبارا في القدرات الفنية. لكن كان الهدف هو تكوين مجموعة نشطة، وبالفعل كان بعضهم يعمل في قطع ونحت الأخشاب لبيعها للسياح».
ويؤكد الأوروبيون والفنانون من كينشاسا الذين ساعدوا في تأسيس الرابطة على أنهم لم يقوموا بتدريب الفنانين على موضوعات معينة أو على عناوين يعملون بناء عليها ولم يملوا عليهم ما يفعلون.
تراوحت أعمار أعضاء المجموعة بين 20 - 85 عاما، ويبلغ عدد المجموعة الحالية تسعة رجال وامرأتين. وبعد مناقشات، اختيرت الشوكولاته كمادة خام للاستخدام في صنع المنحوتات، ليس فقط لأن بعض المحليين يزرعون نبات الكاكو ويبيعونه للشركات مقابل أجر زهيد فحسب، لكن أيضا لأن الشوكولاته تحمل معنى عميقا لطبيعة العلاقة المتكدرة بين أفريقيا والغرب.
ويستخدم الفنانون في ورشات العمل الجماعية التي يقيمونها في أماكن مغلقة خارج مدينة لوسانغا الوسائل نفسها التي اعتادها كثير من الفنانين الذين يعتمدون في فنهم على التعاون مع الصناع. فمثلا بعض التماثيل تصنع من الطين المستخرج من نهر الكونغو، وبعدما تجف يجرى تصوير التماثيل والقطع المشكلة باستخدام تقنية البعد الثلاثي وترسل الصور إلى أمستردام. ثم يتم كساء القطع المختارة بالشوكولاته غير المحلاة من إنتاج شركة فرنسية بلجيكية مستخدمة حبوب الشوكولاته الأفريقية.
فبعد تأسيس الرابطة، وجدت منتجاتها طريقها لمعارض ألمانيا، وإنجلترا وهولندا، وذهبت الأرباح للفنانين فقط. وللمحافظة على المنتج المحلي، يوجه جزء من الربح لزراعة النخيل ومزارع الكاكاو بلوسانغا في مشروع عرف باسم «ما بعد الزراعة».

*خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».