روسيا... العقوبات الاقتصادية ليست شرًا كاملاً

انخفاض الروبل يفيد الصناعة المحلية

عاملات روسيات في مصنع انتاج وتغليف الأسماك في مدينة ميرمنسك بروسيا (غيتي)
عاملات روسيات في مصنع انتاج وتغليف الأسماك في مدينة ميرمنسك بروسيا (غيتي)
TT

روسيا... العقوبات الاقتصادية ليست شرًا كاملاً

عاملات روسيات في مصنع انتاج وتغليف الأسماك في مدينة ميرمنسك بروسيا (غيتي)
عاملات روسيات في مصنع انتاج وتغليف الأسماك في مدينة ميرمنسك بروسيا (غيتي)

فاجأ الاقتصاد الروسي المراقبين بعدما سجل الناتج انكماشا بنسبة 0.2 في المائة فقط في 2016 مقابل انكماش بلغ 3.75 في المائة في 2015، والخبر المفاجئ الآخر أعلنته وكالة الإحصاءات «روس ستات» هذا الأسبوع عن ارتفاع نسبته 3.2 في المائة في الإنتاج الصناعي.
هذه المؤشرات المشجعة الآتية بعد سنتين من الانكماش تضع الخبراء والسياسيين أمام معضلة؛ لأن الأرقام الإيجابية الخجولة، تحتاج في رأيهم إلى منشطات لن تأتي إلا من خلال استمرار العقوبات المفروضة على روسيا والعودة إلى الروبل الضعيف الذي انتعش بعد ارتفاع أسعار النفط.
فمن الآلات الزراعية إلى التجهيزات الجراحية مرورا بقطاعات أخرى... هناك نمو لافت فرضه تحدي زيادة الإنتاج والإنتاجية في ظل العقوبات؛ لذا فآخر شيء يرغب فيه المصنعون الآن هو رفع العقوبات وتقوية العملة. فمع الروبل الضعيف تتضاعف صادرات الكثير من القطاعات، كما يشير خبراء صندوق النقد الدولي إلى أن الروبل الفاقد 50 في المائة من قيمته في سنتين مقابل الدولار واليورو، ليس ضعيفا، بل واقعيا ومفيدا للاقتصاد عموما، والصادرات خصوصا. ما سبق يضاف إلى نقاط قوة اقتصادية ومالية أخرى مثل الدين العام القليل وغير المتجاوز لنسبة 20 في المائة من الناتج، إلى جانب صندوق سيادي يدير 100 مليار دولار واحتياطيات من العملات الأجنبية يساوي ما يكفي 11 شهرا من الاستيراد.
إلى ذلك، تتماسك بعض الصناعات المحلية، مثل الغذاء والكيماويات والدواء بفضل الطلب الداخلي المدفوع برفع سن التقاعد ونمو الأجور ولو بنسب طفيفة، أما ضبط الميزانية فلم يقطع من الرواتب والمساعدات الاجتماعية، وكسب الدخل قدرة شرائية مع تراجع التضخم من 15.5 في المائة في 2015 إلى 7.6 في المائة في 2016. ويُفترض بقطاع الإنشاءات أن ينتعش تحضيرا لاستقبال كأس العالم لكرة القدم العام المقبل.
ومن نقاط القوة أيضا، ما تحظى به قطاعات الدفاع والسلاح والطيران والذرّة من دعم واهتمام كبيرين و«مثمرين» جدا في تطور هذه القطاعات الاستراتيجية التي تسمح للرئيس بوتين بالعودة إلى المشهد الجيوسياسي العالمي بقوة افتقدتها روسيا منذ عام 1991.
لا يمكن تفسير التحسن النسبي بتوقعات مفرطة في التفاؤل لعام 2017، فعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط، لا يسع الاقتصاد التوسع كثيرا لأن اختلالاته الهيكلية متجذرة على نحو محبط في قطاعات واسعة.
«الأخطر» يكمن فيما أشار إليه تقرير صادر عن البنك الدولي لجهة العجز في رأس المال البشري وغياب الكفاءات المهنية اللازمة لتحديث البلاد واقتصادها. يقول التقرير: «صحيح أن روسيا زاخرة بحملة الشهادات، إلا أن جامعاتها تفتقر إلى الأدوات التقنية والمهارات المتخصصة اللازمة لاقتصاد حديث، وشركات قادرة على الابتكار».
ويؤكد مؤشر بلومبيرغ العالمي للدول الأكثر ابتكارا، أن روسيا متراجعة في هذا المجال إلى المرتبة الـ26، خلف كل الدول الصناعية المتقدمة ومعظم الاقتصادات الناشئة، فشركات التكنولوجيا المتقدمة لا تشكل إلا 8 في المائة من إجمالي الشركات المدرجة في أسواق المال الروسية، وهي بين أدنى النسب بين الدول الصناعية.
وعلى صعيد رأس المال البشري أيضا، هناك معاناة مع ارتفاع معدلات أمراض القلب والأوعية الدموية، وتزايد حالات الموت المبكر في العمل حتى بات متوسط عمر الرجل الروسي أقصر من نظيره الصيني وأقل من كل الدول الصناعية المتقدمة الأخرى، ذلك ليس لأن لا إنفاق كافيا على القطاعات الاجتماعية والصحية، فهذا الإنفاق يساوي 2.5 في المائة من إجمالي الناتج (معدل مرتفع نسبيا)، لكنه غير موزع بكفاءة، كما هناك تباطؤ شديد في نسب الولادات الجديدة، حتى باتت شيخوخة المجتمع سمة روسية أيضا. وتؤكد التقارير الدولية في هذا الصدد، أن أي إصلاح اقتصادي ومؤسسي يفقد معناه إذا أهمل التركيز على رأس المال البشري في قطاعات التعليم والصحة العامة والإنتاجية. يُذكر أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الطويلة السابقة لعام 2014 غطت بعض «الفجوات» الاقتصادية، ثم بدأ الانكشاف مع هبوط النفط، وزادت حدته بعد الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى فرض عقوبات على موسكو، وحلّ الركود مترافقا مع صعود الأسعار، فارتفع التضخم من 7.8 في المائة في 2014 إلى 15.5 في المائة في 2015. هذه المعدلات ضربت القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الروس، ولا سيما أصحاب المداخيل المتواضعة فاتسعت الهوة بينهم وبين الأكثر ثراء وساءت عدالة توزيع الثروة أكثر، وتفاقم الأمر مع تأثر قطاعات أساسية بالعقوبات، مثل المصارف والبترول والدفاع التي عانت وتعاني صعوبات في الحصول على التمويل.
إلى ذلك، تدهور مناخ الاستثمار متأثرا باستشراء الفساد حتى وصل ترتيب روسيا إلى المركز الـ131 من أصل 176 دولة في تقرير منظمة الشفافية الدولية. مصرفيا، تعاظمت المخاطر فبقيت الفوائد باهظة عند 10 - 11 في المائة، وساءت معايير السيولة والملاءة، وتعاني بنوك روسية من ارتفاع نسبة القروض المتعثرة البالغة 10 في المائة من إجمالي الائتمان. وتراجعت تنافسية الصادرات غير النفطية في الأسواق الخارجية، ولا سيما المنتجات غير المتمتعة بقيمة صناعية مضافة عالية، أما الشركات الصغيرة والمتوسطة فتوارى حضورها تحت وطأة الشركات الكبيرة، ولا سيما الحكومية والعامة منها والمتهمة عادة بقلة شفافيتها والسيطرة السياسية عليها.
نفطيا، يبلغ الإنتاج 11.2 مليون برميل يوميا، لكن نقص الاستثمارات وشيخوخة الحقول من العوامل اللاجمة لتطلعات زيادة الإنتاج، علما بأن ثلثي إجمالي الصادرات الروسية تأتي من قطاع البترول والغاز. السلطات تعترف وتقر بوجوب تحرير الاقتصاد وتنويعه؛ بحثا عن نمو يعوّل عليه لتحديث الاقتصاد وتعزيز المساعدات الاجتماعية المتزايدة، ودفع تكاليف الدفاع والجيش.
وشرعت السلطات العام الماضي في إجراءات حسنت ترتيب روسيا في مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، مثل رفع سن التقاعد الذي بقي ثابتا منذ 1932، وزيادة الضرائب على الشركات لتعظيم الإيراد غير النفطي وخصخصة المصارف، مع الإبقاء على بعض السياسات المالية التوسعية رغم عجز الموازنة، وتقوية الروبل والحد من التضخم المستورد. هذه الإصلاحات لم تُقنع المستثمرين، ولا سيما الأجانب بما يكفي بعد، الذين يفضلون الانتظار بعض الوقت، هذا بالإضافة إلى حالة عدم اليقين السياسي وانتشار الفساد وتراجع مؤشرات الحكم الرشيد، كما أن كثيرا من الاستثمارات المحلية تتصرف بحذر في هذا المناخ أيضا بانتظار العام المقبل، وتحديدا الانتخابات الرئاسية لمعرفة القوة التي سيعود بوتين بها رئيسا في ظل الغزل الخجول الآن بينه وبين الرئاسة الأميركية الجديدة، النازعة إلى الحمائية اقتصاديا والتصعيد سياسيا.



«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

علَّق البنك المركزي الصيني شراء سندات الخزانة يوم الجمعة، مما رفع العائدات لفترة وجيزة وأثار تكهنات بأنه يكثف دفاعه عن عملة اليوان التي تتراجع منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وتقطع هذه الخطوة خمسة أشهر من الشراء، وتتزامن مع موجة بيع شرسة في أسواق السندات العالمية، مما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني يحاول أيضاً ضمان ارتفاع العائدات في الداخل بالتوازي، أو على الأقل وقف الانخفاض، كما يقول المحللون.

وعقب الإعلان عن الخطوة، ارتفعت العائدات التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، رغم أن أسعار الفائدة القياسية لأجل عشر سنوات كانت أقل قليلاً بحلول المساء.

ويشير التحول في السياسة واستجابة السوق الحذرة، إلى محاولة بنك الشعب الصيني إحياء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على ظروف نقدية ميسرة في حين يحاول أيضاً إخماد ارتفاع السندات الجامح، وفي الوقت نفسه استقرار العملة وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وقال محللون في «كومرتس بنك» في مذكرة: «لقد أشار البنك إلى استعداده لتخفيف السياسة بشكل أكبر... ومع ذلك، فإن ضعف اليوان بسبب الدولار القوي واتساع الفارق مع أسعار الفائدة الأميركية من شأنه أن يعقد موقف بنك الشعب الصيني».

واستشهد بنك الشعب الصيني بنقص السندات في السوق كسبب لوقف عمليات الشراء، والتي كانت جزءاً من عملياته لتخفيف الأوضاع النقدية وتعزيز النشاط الاقتصادي.

وكان عائد سندات الخزانة الصينية لأجل عشر سنوات قد ارتفع في البداية أربع نقاط أساس، لكنه انخفض في أحدث تداولات بأكثر من نصف نقطة أساس إلى 1.619 في المائة. وارتفع اليوان قليلاً رغم أنه كان يتداول عند مستوى ثابت حول 7.3326 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 16 شهراً.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي النقد الأجنبي الآسيوي في بنك «ميزوهو»: «أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة اليوان هو اتساع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة، لذا فإن البنك المركزي يرسل إشارة إلى السوق بأن معدل العائد من غير المرجح أن ينخفض ​​أكثر».

وقال البنك المركزي الصيني في بيان إنه سيستأنف شراء السندات عبر عمليات السوق المفتوحة «في الوقت المناسب حسب العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وكانت أسعار السندات في الصين في ارتفاع مستمر منذ عقد من الزمان - وهو الارتفاع الذي بدأ في الزيادة منذ ما يقرب من عامين حيث تسببت مشكلات قطاع العقارات وضعف سوق الأسهم في تدفق الأموال إلى الودائع المصرفية وسوق الديون.

وهذا الأسبوع شهدت السوق موجة بيع عالمية، والتي زادت بفضل الطلب الذي لا يقاوم على الأصول الآمنة ومراهنات المستثمرين على المزيد من خفض أسعار الفائدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وحذر بنك الشعب الصيني لشهور من مخاطر الفقاعة مع انخفاض العائدات طويلة الأجل إلى مستويات قياسية متتالية، على الرغم من أن السلطات في الوقت نفسه توقعت المزيد من التيسير. وهبطت العملة بنحو 5 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المخاوف من أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات تجارية جديدة ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال هوانغ شيويفينغ، مدير الأبحاث في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند كو» في شنغهاي، إنه يتوقع استمرار الاتجاه الهبوطي في عائدات السندات مع «استمرار السوق في التعامل مع وضع التكالب على الأصول»، حيث يوجد نقص في فرص الاستثمار الجيدة... ويوم الجمعة، نقلت «فاينانشيال نيوز»، وهي مطبوعة تابعة لبنك الشعب الصيني، عن أحد خبراء الاقتصاد قوله إن السوق يجب أن تتجنب التوقعات المفرطة بشأن تخفيف السياسة النقدية.

وفي الأسواق، أنهت أسهم الصين وهونغ كونغ الأسبوع على انخفاض مع امتناع المتداولين عن زيادة استثماراتهم في السوق وانتظار تدابير تحفيزية جديدة من بكين.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» الصيني ومؤشر «شنغهاي المركب» على انخفاض بنحو 1.3 في المائة يوم الجمعة. وانخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ 0.9 في المائة. وعلى مستوى الأسبوع، انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 1.1 في المائة، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 3.5 في المائة.

وقال محللون بقيادة لاري هو، من مؤسسة «ماكواري» في مذكرة: «السؤال الرئيسي في عام 2025 هو مقدار التحفيز الذي سيقدمه صناع السياسات. سيعتمد ذلك إلى حد كبير على تأثير التعريفات الجمركية، حيث سيفعل صناع السياسات ما يكفي فقط لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي. ويشعر عدد قليل من المستثمرين أن السوق صاعدة، حيث تظل أرباح الشركات ضعيفة وسط ضعف الطلب المحلي. والرأي السائد هو أن السيولة ستصبح أكثر مرونة في عام 2025 ولكن النمو الاسمي سيظل بطيئاً».