قرار وشيك بحظر مسجد في برلين ومصادرة أمواله بتهمة دعم الإرهاب

ارتفاع عدد «الخطرين» في ألمانيا إلى 570 متطرفًا

جنود مكافحة الإرهاب خلال مداهمة لمسجد في مدينة فرانكفورت بألمانيا أمس (أ.ب)
جنود مكافحة الإرهاب خلال مداهمة لمسجد في مدينة فرانكفورت بألمانيا أمس (أ.ب)
TT

قرار وشيك بحظر مسجد في برلين ومصادرة أمواله بتهمة دعم الإرهاب

جنود مكافحة الإرهاب خلال مداهمة لمسجد في مدينة فرانكفورت بألمانيا أمس (أ.ب)
جنود مكافحة الإرهاب خلال مداهمة لمسجد في مدينة فرانكفورت بألمانيا أمس (أ.ب)

تعمل محكمة برلين على إصدار قرار بحظر مسجد «فُصّلت 33» ببرلين بتهمة العلاقة بالإرهاب والتحريض على الكراهية. وأكد تورستن أكمان، وزير الداخلية بالولاية يوم أمس، أمام برلمان ولاية برلين، أن القرار سيصدر في نهاية الشهر الحالي على أقصى تقدير.
وأضاف أكمان أن صدور مثل هذا القرار يعني مصادرة أموال المسجد وملاحقة داعميه، بحسب القوانين، فيما أكدت مصادر شرطة الجنايات الاتحادية تصنيف 570 متشددًا من المقيمين في ألمانيا في لائحة «الخطرين».
وأيد بوركهارد دريغر، النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي ببرلين، قرار حظر المسجد المذكور، وقال إن السند القانوني أهم من موعد الحظر. وأكد دريغر على ضرورة أن يتم التحضير لقرار الحظر جيدًا من الناحية القانونية، لأن إثارة جدل حول «قانونية» الحظر سيضر بسمعة دولة القانون.
وعبر النائب توماس تايلمان، من الاتحاد الاجتماعي المسيحي، عن استغرابه لتأخر صدور قرار الحظر حتى الآن. وأشار إلى أنه يجري في دروس تعليم الدين الإسلامي في المسجد حض الشباب، ومعظمهم من الأتراك والشيشان، على التطرف وتمجيد نشاطات «داعش». كما تجري دعوة الشباب إلى القتال في العراق وسوريا، وهناك أدلة على ذلك، بحسب تايلمان.
وتحدث جو غول، خبير شؤون الإرهاب ببرلين، لمحطة «ب. ب. ر» عن تجنيد كثير من المتطوعين للقتال إلى جانب «داعش» في سوريا والعراق من قبل «أئمة» هذا المسجد. وقال إن المدعو «خليفة فيدينغ» نسبة إلى حي فيدينغ البرليني، أسهم في تهريب ومرافقة بعض المتطوعين إلى سوريا. ويجري في هذا المسجد عرض أفلام «داعش» التي تمجد انتحارييه ومقاتليه، كما تم جمع التبرعات للتنظيم وشراء معدات عسكرية تم تهريبها سرًا إلى التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق. ولاحظ أن كثيرًا من مرتادي المسجد المذكور، من أصول شيشانية، هم من ذوي السوابق لدى شرطة الجنايات ببرلين.
قبل ذلك، وصف مارتن شتيلتنر المتحدث الصحافي باسم النيابة العامة ببرلين، الموقف من مسجد «فصلت 33» بأنها حالة إنذار قصوى. وقال إن أحد المعتقلين الثلاثة، ويقصد «خليفة فيدينغ». ببرلين ليس المسؤول الرسمي عن المسجد، لكنه «عمليًا» يقرر كل شيء فيه. وأضاف أن الاعتقالات يوم الثلاثاء الماضي شملت المسجد المذكور وشقة سكنية في حي فيدينغ. ومعروف أن المسجد المذكور في حي فيدينغ البرليني يخضع إلى مراقبة الشرطة منذ فترة طويلة، وتعرض إلى مداهمة الشرطة مرتين في الأشهر الماضية، كما تعرض المشرف عليه عصمت د. مرتين إلى الاعتقال والتحقيق. وعرضت شرطة برلين لقطات من كاميرا تراقب المسجد ظهر فيها التونسي أنيس العامري (24 سنة) يغادر المسجد بعد تنفيذه عملية الدهس الإرهابية ببرلين، التي أودت بحياة 12 شخصًا في سوق لأعياد الميلاد يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وداهمت قوة كبيرة من الشرطة المسجد، مساء الثلاثاء الماضي، واعتقلت ثلاثة أشخاص بتهمة دعم الإرهاب والتحضير لتنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا. وكان «خليفة فيدينغ» أحد المعتقلين، وأصدر قاضي محكمة برلين أمرًا بحبسه. وفي ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، مثل أمس وزير داخلية الولاية رالف ييغر للمرة الثالثة أمام لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان، للدفاع ضد نواب المعارضة الذين يشككون بأخطاء كان من الممكن تجنُّبها في قضية التونسي أنيس العامري. ودافع الوزير مجددًا عن إطلاق سراح العامري، وقال إن الاحتفاظ به في السجن، بحسب دولة القانون، كان متعذرًا. وتأتي جلسة الاستماع إلى الوزير ييغر، بعد أن وجه وزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير نقدًا مباشرًا إلى القوى الأمنية في ولاية الراين الشمالي، بسبب قضية العامري.
وقال الوزير إن حبس العامري في مركز للتسفيرات «لم يكن تعذرًا». كما شاركت نقابة القضاة في انتقاد ييغر، وقالت إن الحواجز التي وضعت أمام اعتقال العامري «كانت عالية جدًا». ويريد المعارضون في برلمان الولاية، من الحزب الديمقراطي المسيحي، معرفة ما إذا كانت وزارة الداخلية قد أصدرت أمرًا بإطلاق سراح العامري إلى سلطات مدينة كليفة التي كان معتقلاً فيها بتهمة تزوير الوثائق وحيازة المخدرات.
كما يود نواب الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) معرفة ما إذا كانت سلطات تونس قد وفرت الوثائق اللازمة لتسفير العامري للسلطات الألمانية قبل أو بعد تنفيذ العامري عمليته الإرهابية ببرلين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟