«داعش» يهاجم «المناطق الرخوة» في جنوب سوريا ووسطها تعويضًا عن انتكاساته شمالاً

يهدد مطار «السين» العسكري بالقلمون الشرقي... وتقدم ضد الفصائل بريف درعا

طفلة سورية تلهو وسط خراب منازل مهدمة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة درعا في أقصى جنوب سوريا (أ.ف.ب)
طفلة سورية تلهو وسط خراب منازل مهدمة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة درعا في أقصى جنوب سوريا (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يهاجم «المناطق الرخوة» في جنوب سوريا ووسطها تعويضًا عن انتكاساته شمالاً

طفلة سورية تلهو وسط خراب منازل مهدمة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة درعا في أقصى جنوب سوريا (أ.ف.ب)
طفلة سورية تلهو وسط خراب منازل مهدمة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة درعا في أقصى جنوب سوريا (أ.ف.ب)

تحرك تنظيم داعش الإرهابي المتطرف جنوبًا ووسطًا، بعد سلسلة الانتكاسات التي تعرض لها في شمال سوريا وشرقها. وحاول زيادة رقعة سيطرته المحدودة في ريف محافظة درعا الغربي، بموازاة إطلاقه جبهة جديدة في القلمون الشرقي قرب منطقة الضمير، حيث بات يهدد أبرز المطارات العسكرية لقوات النظام الواقعة في البادية بين محافظة ريف دمشق وريف محافظة حمص.
مصدر سوري معارض قال لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه بموازاة انحسار رقعة انتشار «داعش» في الشمال على ضوء هجمات شنتها قوات النظام وحلفائه وكذلك الجيش السوري الحر المنخرط بعملية «درع الفرات» والميليشيات الكردية ضده في ريف محافظة حلب، حاول التنظيم «البحث عن مناطق رخوة يحقق فيها انتصارات». وأردف أن منطقة القلمون الشرقي في أرياف شمال العاصمة السورية دمشق «باتت نقطة ضعيفة بعد سحب قوات النظام تعزيزات منها إلى محيط تدمر» في وسط سوريا، بينما «استفاد من حالة الهدوء في ريف درعا الغربي (قرب خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل في الجولان) للتقدم على مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في المنطقة»، وهي المنطقة التي شهدت اشتباكات بين الطرفين في الصيف الماضي حين منعت الفصائل المعارضة التنظيم المتطرف من التقدم إليها، بالتزامن مع محاولات منع التنظيم من الزحف إلى درعا، عبر منطقة اللجاة في شرق المحافظة.
وليل الاثنين - الثلاثاء اندلعت اشتباكات عنيفة في ريف درعا الغربي بين الفصائل الإسلامية والمعارضة من طرف و«جيش خالد بن الوليد» المبايع لتنظيم داعش من طرف آخر، علما بأن «لواء شهداء اليرموك» يشكل مع «حركة المثنى» الإسلامية العماد الرئيسي لـ«جيش خالد بن الوليد». ولقد بدأت المعارك حين شنت الكتائب المبايعة لـ«داعش» هجومًا موسعًا تركز في محاور محيط منطقة العلان وسد سحم الجولان ومحور تسيل - عين ذكر بالريف الغربي لدرعا. وحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فإن «جيش خالد بن الوليد» تقدم في منطقة عبدلي الواقعة بالقرب من عين ذكر، كما قضى وقتل أكثر من 20 مقاتلاً من الطرفين.
يشكل هذا الاستهداف، الخرق الأكبر لهدوء تواصل منذ الصيف الماضي، رغم أن المنطقة شهدت موجة اغتيالات واستهدافات محدودة بين الطرفين. ويعد هذا الهجوم الأعنف منذ فترة على نقاط سيطرة فصائل المعارضة في منطقة حوض اليرموك بالريف الغربي لدرعا. وللعلم، تشهد مناطق حوض اليرموك اشتباكات متقطعة تشتد تارة وتخف تارة أخرى بين فصائل الجيش الحر وتنظيم داعش، منذ أكثر من سنتين، يُشار إلى أنه أعلن عن تأسيس «الجيش» في مايو (أيار) الماضي، إثر اندماج تشكيلات ناشطة ضمن حوض اليرموك، بأقصى جنوب غربي سوريا، يعد «لواء شهداء اليرموك» عمادها الحقيقي. ونص الاندماج مع «حركة المثنى» آنذاك على إعادة هيكلة التشكيلات الموجودة ضمن حوض اليرموك تحت مسمى «جيش خالد بن الوليد».
في غضون ذلك، واصل «داعش» تحركاته من ريف محافظة حمص الشرقي باتجاه منطقة القلمون الشرقي في شمال محافظة ريف دمشق، وتواصلت الاشتباكات التي أسفرت عن مقتل 16 شخصًا بينهم 4 ضباط في صفوف قوات النظام خلال يومين. وواصل «داعش» قصف مطار «السين» العسكري الواقع قرب مدينة الضمير عند أطراف القلمون الشرقي، بالتزامن مع المعارك إثر هجوم نفذه التنظيم على المنطقة. ويعتبر هذا الهجوم الثاني لـ«داعش» خلال 4 أشهر، حين هاجم قوات المعارضة السورية في المنطقة، وتدخل النظام بتقديم الدعم لها عبر غطاء جوي، منعًا لدخول مسلحي التنظيم إلى مدينة الضمير التي تشهد اتفاقًا موضعيًا مع قوات النظام. وبادر التنظيم لهذا الهجوم، على ضوء التقدم العسكري الذي حققته قوات النظام في محيط مطار التي فور العسكري قرب تدمر في بادية حمص.
ولقد تواصلت المعارك العنيفة أمس بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، ومسلحي «داعش» من جهة أخرى في محيط المحطة (محطة الضخ) الرابعة ومطار التي فور العسكري وسلسلة جبال التياس في ريف حمص الشرقي، وترافقت مع تنفيذ طائرات حربية عدة غارات على مناطق الاشتباك ومناطق أخرى في محيط مدينة تدمر والمحطة الرابعة وتلة الصوانة في المنطقة ذاتها، وسط تقدم جديد في محور التياس لقوات النظام، كما قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في حين استهدف التنظيم بصاروخ موجه دبابة لقوات النظام في محيط الكتيبة المهجورة شمال شرقي مطار التي فور العسكري، ما أدى لإعطابها.
أما في جبهات الشمال، فسيطرت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية المدعومة بغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي على مزرعة الرشيد بريف محافظة الرقة الشمالي الغربي، عقب اشتباكات عنيفة مع مسلحي «داعش» في المنطقة، ترافقت مع قصف عنيف ومتبادل بين الطرفين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.