الخيون يبحث {أثر السود في الحضارة الإسلامية}

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

الخيون يبحث {أثر السود في الحضارة الإسلامية}

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

عن مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض، صدر للباحث د. رشيد خيون كتاب «أثر السُّود في الحضارةِ الإسلامية».
واحتوى الكتاب على بابين اشتملا عشرة فصول: الباب الأول، بحث في فصله الأول المصادر التي تناولت السُّود، منها المختص بهم فقط، والمصادر العامة.
وجاء الفصل الثَّاني، مِن الباب الأول، في دراسة وضع السُّود والعبودية قبل الإسلام، بداية مِن عهد بابل (قبل الميلاد) مرورًا بالرُّومان واليونان، ثم تسليط الضَّوء على ما جاء به النَّص التَّوراتي مِن معاملة العبيد، إلى العهود الأوروبية المتأخرة.
وجاء الفصل الثَّالث، مِن الباب الأول، مركزًا على العبودية ومعاملة السُّود والعِتق في الإسلام.
وتناولت فصول الباب الثَّاني السِّتة، وما اعتبره المؤلف مادة الكتاب الأساسية، سير وترجمات أعلام السُّود المسلمين. اختص الفصل الثَّاني، مِن الباب الثَّاني، بشخصيات أو أعلام السُّود في العهد الأموي، وظهر فيه الفقهاء والشُّعراء. أما الفصل الثَّالث فتناول السُّود في العهد العباسي.
ووجد المؤلف للنِّساء السَّوداوات أدوارًا مختلفة، ومنهنَّ صحابيات وشاعرات ومربيات، فأفرد لهنَّ فصلاً خاصًا، وهو الفصل الرَّابع مِن الباب الثَّاني.
ثم أفرد للشُّعراء السُّود، على مختلف أزمانهم، الفصل الخامس مِن الباب الثَّاني، وجاء أوسع الفصول، وذلك لكثرة الشُّعراء.
أما آخر فصول الكتاب، وهو الفصل السَّادس مِن الباب الثَّاني، فكان مختصًا بأبناء الحبشيات أو السَّوداوات على العموم، مِن آباء مِن غير السُّود.
ومما جاء في المقدمة: «درسنا أمر السُّود في الإسلام، كعبيد وعتقاء، ووجدنا إمكانية التمييز بين زمنين: صدر الإسلام، والعهود التي تلته. ففي صدر الإسلام أصبح العبد واحدًا مِن جماعة المسلمين بمجرد أن يشهر إسلامه، له ما لهم وعليه ما عليهم، حتى كُلف رجال مِن السُّود كثيرون بقيادة الجيش، ووردت آيات قرآنية وأحاديث نبويَّة توصي بهم خيرًا، تُرَغب بالعِتق للمملوكين منهم، مقابل الكفارة عن الذَّنب، وليس أسهل مِن العِتق في الفقه الإسلامي.
جاءت وصايا بواجب المؤاخاة بين المالكين أو الأسياد وعبيدهم، حتى فُهم مِن هذه المعاملة أنها بداية التحرير الكامل، أو مثلما عبر عنه الشَّيخ عبد الرَّحمن الكواكبي (ت 1902) بالإلغاء التَّدريجي للعبودية وعَصر الرِّق، مثلما سيأتي ذِكره في محله مِن الكتاب. لكنَّ بعد هذا العصر، وبالتَّدريج، تغيرت المعاملة بعض الشَّيء، والسَّبب أنه صارت حاجة للعبيد في زراعة الأرض والخدمة المنزلية الخاصة، وكان مصدرهم الرَّئيس مِن الحبشة وغرب أفريقيا.
وجدنا بين السُّود شعراءَ كبارًا، تركوا بصماتهم في الأدب العربي، واقتربوا مِن مجالس الخلفاء والأمراء وتقدموا فيها، حتى صار لا يُستغنى عنهم، بل إن بعضهم قُدم على شعراء كبار سارت الرّكبان بقصائدهم كهمام بن غالب الفرزدق وجرير الخطفي (توفيا 110هـ). كان الفصل الخاص بالشُّعراء السُّود مِن أوسع فصول الكتاب، وذاك لكثرتهم ووفرة المصادر في ترجماتهم وسيرهم ورواية شعرهم، وما ارتبط منهم بالحوادث السِّياسية والاجتماعية، كبيعة أبي جعفر المنصور (ت 158هـ) لابنه محمد المهدي (ت 169هـ)، وما حصل مِن انتقام ضد الأمويين بسبب قصائد أحدهم، وهو سُديف بن ميمون (قُتل 146هـ) مثلاً.
لكنَّ تلك الفترة التي تلت صدر الإسلام، واختلفت فيها معاملة السُّود على ما كانت عليه، دفعت كُتابًا ومؤرخين مسلمين مشهورين إلى التَّذكير بفضائل هؤلاء البشر، كصحابة وفقهاء وشُعراء ومتصوفة. كان مِن أهم وأول ما صُنف فيهم الرِّسالة الموسومة بـ«فخر السودان على البيضان» لأديب عصره عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255هـ)، ثم رسالة في «تفضيل السُّود على البيض» لأبي العباس عبد الله بن محمد النَّاشئ الأكبر (293هـ)، وكتاب أبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان (ت 309هـ)، الموسوم بـ«السودان وفضلهم على البيضان». ثم تلتهما كتب ورسائل أُخر، والأبرز بينها كان كتاب أبي الفرج عبد الرَّحمن بن الجوزي (ت 597هـ) الموسوم بـ«تنوير الغبش في فضل السودان والحبش»، وما صنف مِن بعد الكتب والرَّسائل في هذا الشَّأن.
اشتمل كتابنا هذا على ترجمات السُّود المسلمين، في مختلف عهود الإسلام، منذ فترة النَّبوة والخلافة الرَّاشدية، مرورًا بالعهد الأموي فالعباسي، حتى سقوط الخلافة العباسية ببغداد (656هـ، 1258م). فحسب تصورنا أن ما بعد هذا التَّاريخ يحتاج إلى رصد آخر، إضافة إلى صعوبة التمييز فيمن هم مِن السُّود، فإن أبناء السُّود الأوائل قد اختلطوا مع بقية المسلمين، بسبب الزَّواج المختلط، الذي لم يكن يمنعه الإسلام في حالٍ مِن الأحوال، بقدر ما ظلت تمنعه التَّقاليد والأعراف الاجتماعية القبلية، إضافة إلى كثرتهم بما قد يصعب رصدهم.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.