في أميركا... وتيرة بناء عالية وانخفاض بمبيعات المنازل في ديسمبر

حركة الاستثمارا تتشهد نموا وسوقا واعدة

مبيعات المنازل في الولايات المتحدة هبطت الشهر الماضي بعد أداء قوي لثلاثة أشهر (رويترز)
مبيعات المنازل في الولايات المتحدة هبطت الشهر الماضي بعد أداء قوي لثلاثة أشهر (رويترز)
TT

في أميركا... وتيرة بناء عالية وانخفاض بمبيعات المنازل في ديسمبر

مبيعات المنازل في الولايات المتحدة هبطت الشهر الماضي بعد أداء قوي لثلاثة أشهر (رويترز)
مبيعات المنازل في الولايات المتحدة هبطت الشهر الماضي بعد أداء قوي لثلاثة أشهر (رويترز)

رغم ارتفاع وتيرة البناء بشكل كبير، هبطت مبيعات المنازل الجديدة التي تتسع لأسرة واحدة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها في 10 أشهر، وذلك في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد تحقيق مكاسب قوية على مدى 3 أشهر متتالية.
وقالت وزارة التجارة الأميركية نهاية الأسبوع الماضي، إن مبيعات المنازل الجديدة هبطت بنسبة 10.4 في المائة، إلى وتيرة سنوية معدلة في ضوء العوامل الموسمية بلغت 536 ألف وحدة الشهر الماضي. وجرى تعديل وتيرة المبيعات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بالارتفاع إلى 598 ألف وحدة، من 592 ألف وحدة في القراءة السابقة.
وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا انخفاض مبيعات منازل الأسرة الواحدة، التي تشكل نحو 8.9 في المائة من إجمالي مبيعات المنازل، بنسبة واحد في المائة، إلى 588 ألف وحدة الشهر الماضي.
وبحسب التقرير، بلغ متوسط سعر البيع من المنازل الجديدة في ديسمبر الماضي 322.5 ألف دولار، مقارنة بمتوسط سعر البيع 384 ألف دولار في ديسمبر عام 2015.
وكانت رابطة الوسطاء العقاريين الأميركية أشارت في بيان لها بنهاية ديسمبر الماضي، إلى تراجع مؤشر أسعار المنازل خلال شهر نوفمبر، لأدنى مستوى له منذ عام.
ومبيعات المنازل الجديدة المستقاة من تصاريح البناء، متقلبة على أساس شهري وعرضة لتعديلات كبيرة في قراءاتها. وانخفضت المبيعات بنسبة 0.4 في المائة مقارنة مع ديسمبر عام 2015. وزادت المبيعات بنسبة 12.2 في المائة، إلى 563 ألف وحدة في عام 2016، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2007. وتلقى الطلب على المساكن دعمًا من سوق عمل ينظر إليها على أنها تقترب من حد التوظيف الكامل. وعلى صعيد متصل، أوضحت بيانات اقتصادية منتصف الشهر الحالي، أن بناء المنازل الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية ارتفع بنسبة 11.3 في المائة في ديسمبر، على أساس شهري. وقال بيان صادر عن مكتب الإحصاء الأميركي إن بناء المنازل الجديدة ارتفع في ديسمبر، مسجلاً 1.226 مليون وحدة، بأكثر من المتوقع عند 1.2 مليون وحدة، مقابل بناء 1.120 مليون وحدة بالشهر السابق له.
وارتفعت تصاريح البناء في شهر ديسمبر لتسجل 1.210 مليون طلب، بأقل من المتوقع لها البالغ 1.225 مليون طلب، ومقابل 1.201 مليون طلب في نوفمبر الماضي، وفقًا لبيان وزارة التجارة ومكتب الإحصاء الأميركي. وارتفاع تصريحات البناء يعني نمو حركة استثمارات الشركات في الولايات المتحدة، واستمرار التنمية الاقتصادية.
من جهة أخرى، أظهرت البيانات الرسمية الأسبوع الماضي ارتفاع مؤشر أسعار المنازل الأميركية بأكثر من التوقعات في الشهر الماضي.
وفي تقرير أصدرته مؤسسة مراقبة مؤسسات الإسكان، قالت إن مؤشر أسعار المنازل الأميركية ارتفع بنسبة 0.5 في المائة على أساس معدل موسميًا، لتخالف بذلك قراءة الشهر الأسبق التي سجلت 0.3 في المائة، والتي تمت مراجعة قراءتها لتتراجع من 0.4 في المائة.
ويذكر أن توقعات السوق كانت قد تنبأت بارتفاع مؤشر أسعار المنازل الأميركية بنسبة 0.4 في المائة في الشهر الماضي. وتتزامن تلك المؤشرات مع تقارير تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي سجل نموًا في الربع الرابع من العام الماضي على أساس سنوي بنسبة 1.9 في المائة، حيث عانى من «تباطؤ حاد»، مقارنة بالربع الثالث. ويعود ذلك بصورة جزئية إلى تراجع الصادرات وزيادة الواردات، حسبما أعلنت وزارة التجارة الأميركية مطلع الأسبوع.
وبعد نمو ضعيف خلال النصف الأول من العام الماضي، ارتفع معدل النمو خلال الربع الثالث من العام الماضي بنسبة 3.5 في المائة، وهو أسرع معدل نمو ربع سنوي منذ عامين.
وخلال الربع الأخير من العام الماضي، أدت زيادة الإنفاق الاستثماري، والمخزون لدى الشركات، وتشييد المساكن، والإنفاق الحكومي على مستوى الولايات والمدن، إلى نمو الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، فإن تراجع الصادرات وارتفاع الواردات وتباطؤ الإنفاق الاتحادي أدى إلى الحد من النمو. ويذكر أن إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة يقدر بنحو 18.86 تريليون دولار، وهو أكبر اقتصاد في العالم.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»