داعش ينشّط خلاياه في وادي النيل

رصد تدفق مالي لتمويل عمليات خارج «المثلث الساخن» بشبه جزيرة بسيناء

رجل أمن مصري يعاين آثار الدمار الذي خلفه تفجير طال كنيسة للأقباط الارثودوكس بالقاهرة في ديسمبر الماضي (أ ف ب)
رجل أمن مصري يعاين آثار الدمار الذي خلفه تفجير طال كنيسة للأقباط الارثودوكس بالقاهرة في ديسمبر الماضي (أ ف ب)
TT

داعش ينشّط خلاياه في وادي النيل

رجل أمن مصري يعاين آثار الدمار الذي خلفه تفجير طال كنيسة للأقباط الارثودوكس بالقاهرة في ديسمبر الماضي (أ ف ب)
رجل أمن مصري يعاين آثار الدمار الذي خلفه تفجير طال كنيسة للأقباط الارثودوكس بالقاهرة في ديسمبر الماضي (أ ف ب)

حذّر خبراء مصريون من أن تنظيم داعش الإرهابي ينشّط خلاياه في وادي النيل بمصر بعيدا عن «المثلث الساخن» في شبه جزيرة سيناء، الذي يشهد عمليات عنيفة للتنظيم ضد الجيش والشرطة منذ 3 سنوات. وتزامنت هذه التحذيرات مع صدور دراسة مصرية تحدثت عن رصد تدفق مالي كبير أخيرًا لتمويل عمليات إرهابية في مصر، وهو الأمر الذي تقول: إنه كان له عظيم الأثر في عودة التيارات التكفيرية للساحة من جديد. ويأتي هذا وسط إجراءات كبيرة تقوم بها السلطات المصرية لضبط أي عناصر لـ«داعش» في المحافظات قبل تنفيذ أي عمليات أو تجنيد أتباع جدد.
رصد مراقبون مصريون مضاعفة تنظيم داعش الإرهابي المتطرف هجماته في العاصمة المصرية القاهرة وما حولها خلال عام 2016 مقارنة بعام 2015، الذي شهد تركيزا شبه حصري على شبه جزيرة سيناء. ورأوا أن هذا يُنذر بأن التنظيم يسعى لتوسيع نطاق إرهابه بعيدًا عن سيناء، حيث يشن عمليات يومية ضد الجيش والشرطة منذ 2013.
وكالة الأنباء «حق» التابعة لـ«داعش» نشرت عناوين 5 آلاف ضابط شرطة في مصر بعيدا عن سيناء، بجانب أنواع وألوان سياراتهم، وعناوين الكثير من ممتلكاتهم، مذيلة بعبارة: «سنستفيد من هذه العناوين في القريب العاجل إن شاء الله». كذلك نشر التنظيم على نظام للرسائل الفورية المشفرة يستخدمه في الاتصال بأتباعه، صورًا وعناوين لضباط في الجيش والشرطة. ودعا عناصره إلى ملاحقتهم وقتلهم تحت عبارة «مطلوب للدولة»، وقال محللون إن «هؤلاء الضباط لا يخدمون في محافظة شمال سيناء التي ينشط فيها التنظيم والتي تتاخم إسرائيل وغزة، إنما يخدمون في أنحاء أخرى من البلاد في الوادي والدلتا».
ويذكر أن «داعش» أعلن مسؤوليته عن أكبر وأخطر عملية إرهابية خارج سيناء استهدفت الكنيسة البطرسية، الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في ضاحية العباسية بالقاهرة خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأوقعت العملية 28 قتيلا وأحدثت دويًا دوليًا وعربيًا ومصريًا كبيرًا. ويرى المتابعون أن «استهداف الكنيسة البطرسية يؤكد مد التنظيم لعملياته إلى أنحاء أخرى من البلاد، وبخاصة العاصمة القاهرة».

العودة إلى التكفير
من ناحية ثانية، تحدثت دراسة مصرية حديثة التي أعدتها دار الإفتاء المصريةن عن أن مصر شهدت في الفترة الماضية تدفقا تمويليا للجماعات الإرهابية بصورة كبيرة، ما كان له عظيم الأثر في عودة التيارات التكفيرية إلى الساحة من جديد أشد صلابة وقوة عن ذي قبل. بل إن بعض التيارات التي كانت في وقت سابق قد أعلنت أنها نبذت العنف مثل تنظيم «الجهاد»، و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، وأنها تفرغت للعمل الدعوي؛ استأنفت العنف، وأصبح لديها معسكراتها التي تدرب فيها أعضاءها على أعمال القتال. وعادت من جديد لغة التكفير تطغى على خطابها، سواء كان موجها لأعضائها أو كان موجها للآخر.. وبعض عناصر هذه التيارات بايعوا «داعش» ويسيرون على نهج التنظيم في القتل والعنف. ووفق الدراسة، استطاعت مصر تجفيف منابع التطرف والإرهاب في السابق من خلال القضاء على جذور رؤوس التيارات المتطرفة من ناحية. ومن ناحية أخرى من خلال المراجعات الفكرية التي تمت داخل السجون المصرية خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، التي استمرت لمدة 15 عاما انتهت بمبادرة وقف العنف في عام 1997. وبالتالي، شهدت بداية الألفية الجديدة هدوءا نسبيا على الساحة واختفاء لغة التكفير، حتى ولو بشكل ظاهري، بجانب رغبة جماعات ما يسمى الإسلام السياسي في الانخراط في الحياة السياسية والبرلمانية. إلا أن هذا الهدوء وهذا التحول لم يلبسا أن تبخرا في عام 2013 (عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي) وعاد الخطاب التكفيري أشد ضراوة ومصحوبا بالقتال والاصطدام مع الدولة من جديد، وتبنت معظم هذه العمليات «داعش مصر». من جهته، قال الخبير الأمني والاستراتيجي المصري، العميد السيد عبد المحسن: إن «عمليات (داعش) في الدلتا تعتمد على مجموعات صغيرة من العناصر تنشط في سرية تامة، وتتصل ببعضها بعضا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر) لتنفيذ أي عملية إرهابية جديدة، بعد ذلك يعلن التنظيم الرئيسي- أي (داعش)- مسؤوليته عن العملية». مضيفًا أن «(داعش) يعتمد في ذلك على استراتيجية (الذئاب المنفردة) ويمارس جذب وتجنيد عناصر (الذئاب المنفردة) من خلال شبكة الإنترنت. ويجري من خلال الإنترنت التعرف إلى استراتيجيات التنظيم والأهداف التي يضعها بهدف شن هجمات إرهابية. ولفت إلى أن توافر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت يكمل مهمة تدريب أفراد (الذئاب المنفردة) من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل اليدوية الناسفة واستخدام السلاح وغيره من التدريبات العسكرية التي تحول هؤلاء الأشخاص لمنفذين ماهرين».

نجاح «داعش»... اقتصاديًا
عودة إلى دراسة دار الإفتاء المصرية، فإنها تشير إلى أن اقتصاد «داعش» هو أحد أهم أسباب بقائه إلى الآن على الساحتين العربية والدولية، رغم الضربات الشديدة التي توجه له عبر الكثير من الأنظمة في الدول والتحالفات، لافتة إلى أن «هذا الاقتصاد أصبح جزءا من الاقتصاد العالمي». وزعمت مجلة «أعماق» الشهرية التي يصدرها التنظيم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن عدد العمليات الانتحارية التي قام بها عناصر من التنظيم تراوحت بين 50 و60 عملية شهريا حتى نوفمبر عام 2015؛ لكنها ارتفعت في الشهور التالية، ووصلت إلى ما بين 80 و100 عملية شهريا، بمعدل عمليتين أو ثلاث يوميا.. وهو ما يكلف التنظيم أموالا كثيرة. وحسب الدراسة، فإن «تكلفة اليوم الواحد لـ(داعش) للقيام بعمليات إرهابية على الدول، تصل إلى ما يقرب من 15 مليون دولار». وهنا، يوضح متابعون مطلعون أن «اقتصاد الإرهاب يمنح الجماعات المتطرفة الحياة والبقاء أمام الضربات المتتالية التي تُمنى بها من الدول والأنظمة»... و«هذا الاقتصاد الكبير يقدم تفسيرا لكثرة العمليات الإرهابية المتتالية التي تشهدها مصر وغيرها من الدول التي تواجه الإرهاب». كذلك، كشفت الدراسة عن أن «اقتصاد (داعش) ليس اقتصادا عشوائيا كما يظن البعض، أو قائم على الجباية وتحصيل أموال الزكاة أو الجزية من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، بجانب تجارة الآثار والمخدرات؛ بل على العكس. فـ(داعش) مثلا يعلم جيدا أنه يحتاج إلى نفقات كبيرة جدا لكي يواصل حروبه ضد الدول التي يتواجد بها، وأن ما يجنيه من المصادر السابقة (أي الجزية والزكاة والتهريب) ليس بمقدورها وحدها أن تضمن له البقاء فترة طويلة. وبالتالي، فهو يبحث دائما عن مصادر دخل أخرى تضمن له البقاء، وتعود عليه بالأموال التي تعينه على الحرب؛ لأن تكلفة الحرب كبيرة للغاية».

غسل الأموال
وتحدثت الدراسة المصرية عن أن «التنظيمات الإرهابية التي منها (داعش) تعتمد في اقتصادها على رجال أعمال وشركات تجارية بجانب جماعات فاسدة في بعض الدول لتخفي اقتصادها المشبوه خلفهم، في عمليات غسل للأموال؛ وذلك لأمرين، أولهما: 1 - استثمار هذه الأموال وضمان زيادتها بالصورة التي تغطي كلفة الحرب. و2 - إخفاء هذا الاقتصاد من خلال تغلغله عبر شبكات كثيرة في الاقتصاد العالمي بشكل يجعل عملية الكشف عنه في غاية الصعوبة.
ومن ثم أشارت إلى أن نمو اقتصاديات الجماعات المتطرفة يعتمد على ضعف وإنهاك اقتصاد الدول التي تحارب الإرهاب؛ لأنه يعتمد بالأساس على إنهاك هذه الدول من خلال رفع فاتورة الحرب ضدها، بتلونه ومواصلة ضرباته وعملياته ضد الدول، وضرب مصادر الدخل القومي من جهة أخرى كالسياحة والبترول وما شابه ذلك من مصادر دخل أساسية للدول. ثم أوضحت أن وجهة النظر تلك تؤكد ضخامة حجم اقتصاد التنظيمات المتطرفة، وهذا ما يعطيها قبلة الحياة، أو يضمن لها سريان الدم في عروقها طيلة الوقت. ومن شأن هذا تصعيب فرص القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية أمام الدول التي تحاربها مثل مصر وغيرها؛ لأنها ما إن تقضي على نقطة إرهابية في مكان إلا ويظهر تنظيم في مكان آخر بكامل عتاده وعدته وفي وقت قصير للغاية.

بيانات الداخلية المصرية
وبما يخص مصر بالذات، تحدثت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط أكثر من خلية تنتمي إلى «داعش» وبحوزة أفرادها أوراق مالية ومخططات للقيام بعمليات تخريبية. ويقول بعض المحللين الأمنيين إنه مع فقدان «داعش» معاقله في سوريا والعراق وليبيا.. من المنطقي أن يتحول اهتمامه صوب مصر، أكبر الدول العربية سكانا.
ويؤكد خبراء أمنيون، أن «داعش» يحاول خلط الأوراق في مصر بالضرب في الوادي والدلتا، في محاولة لإرباك الأجهزة اﻷمنية لصعوبة تعقب عناصره، تحديدا تلك التي تعمل في إطار محافظتي القاهرة والجيزة. وبالفعل، أعلن التنظيم في هذا الصدد، وجود مجموعة عاملة في محيط القاهرة والجيزة.. وبلغ عدد العمليات التي نفذها ما يقرب من 11 عملية مسلحة في القاهرة وحدها. وهنا علّق العميد السيد عبد المحسن قائلاً إن تعمد «داعش» تشكيل خلايا له في الوادي والدلتا، جاء نتيجة التشديدات اﻷمنية في سيناء؛ لذلك هناك حاجة للتنظيم إلى تعديل استراتيجيته في اختيار اﻷهداف. مضيفًا أن عناصر «داعش سيناء» تمد الخلايا العاملة في الوادي والدلتا بالدعم المادي واللوجيستي وتدريب المقاتلين والإمداد بالسلاح والمتفجرات.
وحقًا، تشدد الأجهزة الأمنية من إجراءاتها لكل من يخرج من سيناء في اتجاه الوادي والدلتا، وقالت مصادر أمنية إن «هذه الإجراءات لمنع تسلل شباب ينضمون إلى المسلحين في سيناء أو عودة بعضهم للوادي والدلتا بعد تلقي تدريبات لتنفيذ عمليات إرهابية»، لافتة إلى أنه «يجري الكشف عن هوية أي شخص قبل أن يدخل القاهرة أو أي محافظة من سيناء». ولكن تشير المصادر إلى أنه رغم ذلك تتسلل عناصر للوادي والدلتا؛ نظرا لوجود ممرات وطرق جبلية وصحراوية، يستغلها التنظيم في الخروج والدخول إلى سيناء، بعيدا عن أعين الأجهزة المعنية التي تهتم بمكافحة الإرهاب.
ومن ثم، يركز متابعون مطلعون على «ضرورة زيادة النشاط الاستخباراتي للأجهزة الأمنية وجمع المعلومات بالتعاون مع أهالي سيناء، لرصد تحركات وخبايا التنظيم المسلح؛ وذلك من أجل إحكام السيطرة على منافذ الأموال والسلاح إليه، وتسلل عناصره من وإلى سيناء». كذلك يطالب خبراء بمراقبة تحركات كل خلايا «داعش» المحتملة في القاهرة والجيزة والقضاء عليها تماما في أقرب وقت؛ وإلا فإن موجة تفجيرات متوقعة ستشهدها الكثير من المحافظات المصرية في المستقبل القريب.

محاكمات المتهمين الدواعش
في سياق متصل، حددت هيئة القضاء العسكري المصري جلسة 14 فبراير (شباط) المقبل لأولى جلسات محاكمة 176 متهما في قضية «ولاية سيناء»، أو «داعش مصر»، أمام المحكمة العسكرية، بتهم الانضمام إلى جماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور، الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة، ومنعها من ممارسة عملها، والتخابر مع تنظيم أجنبي يقع مقره خارج مصر.
وقالت أوراق القضية، إن «المتهمين اعتنقوا فكر (داعش) من خلال عدد من الكتب التكفيرية، على رأسها (مسائل في فكر الجهاد) لأبي عمر المهاجر، الذي يروج لأفكار الحرق والذبح، وكتاب (إدارة التوحش) لأبي بكر ناجي، الذي يوضح فيه كيفية استغلال فترة الفوضى التي من الممكن أن تحدث في بلاد الإسلام من أجل الوصول للحكم».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.