بروز «هيئة تحرير الشام» في الشمال السوري يهدد الهدنة

بوادر ظهور كيانين عسكريين أحدهما للمعتدلين والآخر للمتطرفين

طفل سوري يبيع وقودًا في شارع بمدينة حلب أمس (رويترز)
طفل سوري يبيع وقودًا في شارع بمدينة حلب أمس (رويترز)
TT

بروز «هيئة تحرير الشام» في الشمال السوري يهدد الهدنة

طفل سوري يبيع وقودًا في شارع بمدينة حلب أمس (رويترز)
طفل سوري يبيع وقودًا في شارع بمدينة حلب أمس (رويترز)

خلط الإعلان عن تأسيس «هيئة تحرير الشام» التي تضم متشددين وفصائل أخرى في الشمال السوري، الأوراق الميدانية في المنطقة؛ كونه وفّر حماية لـ«جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا) التي دخلت في عزلة عقب اجتماع آستانة، بالنظر إلى تعقيد جهود فصل المتشددين عن المعتدلين في الشمال، كما شرّع الانشقاقات والتحالفات في الشمال؛ ما يشير إلى ظهور كيانين عسكريين موازيين، يتفاوتان بالقوة والعتاد والعتيد.
ويهدد هذا الاندماج اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، وسط معلومات عن اجتماعات تتحضر في الشمال لاتخاذ القرار حول الهدنة التي يُستثنى منها المتشددون في «داعش» و«النصرة». وفيما قالت مصادر عسكرية في الشمال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك توجهًا لدى الكيان الجديد الذي يحكمه المتشددون لنكث اتفاق الهدنة، قال القيادي العسكري المعارض محمد الشامي، الذي انضم إلى تشكيل «هيئة تحرير الشام»، أن رئيس الهيئة أبو جابر الشيخ «لا يملك صلاحيات لاتخاذ قرار بإلغاء الهدنة، من غير موافقة مجلس شورى الهيئة»، موضحًا أن هناك اجتماعًا كان من المقرر عقده مساء الأحد في إدلب؛ بهدف الاتفاق على أمور تنظيمية مرتبطة بالهيئة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأمور الإدارية والتنظيمية في الهيئة تقيّد القائد العام وتمنعه من اتخاذ قرارات مصيرية مثل اتفاق الهدنة، بمعزل عن مجلس الشورى».
ويعيد تشكيل «هيئة تحرير الشام» التي يتولى زعيم «فتح الشام» أبو محمد الجولاني منصب القيادي العسكرية فيه، إحياء جهود التوحد المتعثرة ضمن فصيل عسكري لصالح المتشددين منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسط صدمة تحيط بهذا الإعلان في أوساط المعارضة السياسية. وبدلاً من أن يكون تقويضًا لحرب «النصرة» ضد الفصائل المعتدلة في الشمال التي انطلقت الأسبوع الماضي، وأسفرت عن سيطرة التنظيم المتطرف على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في ريفي حلب الغربي وإدلب، هددت «النصرة» فصيل «أحرار الشام»، أبرز الفصائل المعارضة في الشمال التي انشقت منها قياديون وعناصر لصالح التشكيل الجديد، بتجديد الهجوم عليها «إن لم تسلم (النصرة) السلاح الثقيل العائد لتنظيم (صقور الشام) المنضم إلى (حركة أحرار الشام) إثر هجوم (النصرة) عليه»، كما أعلن معارضون سوريون أمس.
ويرتبط نجاح «هيئة تحرير الشام» بالسيطرة على مفاصل الشمال، بقدرة «أحرار الشام» على الصمود قبالها، وهي «مهمة صعبة»، بحسب ما يقول مصدر عسكري معارض بالشمال لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن الحركة التي كانت تعتبر أكبر الفصائل العسكرية في الشمال «تعرضت لاهتزازات في داخلها على ضوء انشقاقات حصلت في صفوفها لصالح الهيئة الجديدة»، استنادًا إلى أن القائد العام للهيئة الجديدة أبو جابر الشيخ، كان قائد الحركة في وقت سابق قبل أن يستلم قيادتها علي العمر (أبو عمار التفتنازي) التي أدت إلى استقالة الشيخ من صفوف الحركة أول من أمس (السبت).
وقال المصدر: «خسرت الحركة الآن جزءًا كبيرًا من قوتها بفعل الانشقاقات، ولم يبق من الحركة إلا 5 ألوية و20 كتيبة، لا يزيد تعدادها على 3000 مقاتل». وقال المصدر: «الحركة الآن أمام سيناريوهين، الأول يتمثل في الالتحاق بالهيئة لضمان بقائه، وهو أمر مستبعد بالنظر إلى رفض أبو عمار التفتنازي هذا الخيار، والآخر هو الإعلان عن تأسيس (جبهة تحرير سوريا) التي ستكون الكيان العسكري الموازي لـ(هيئة تحرير الشام)، وسيضم فصائل معتدلة لم تنضوِ ضمن الهيئة مثل تجمع (فاستقم كما أمرت) و(الجبهة الشامية) و(جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن) و(فيلق الشام) و(صقور الشام)».
في المقابل، بات عدد «الهيئة» يقارب الـ31 ألف مقاتل، بعد انضمام 18 ألف مقاتل من «النصرة» و7 آلاف من حركة «نور الدين الزنكي» و1700 من «جبهة أنصار الدين» و1900 من «لواء الحق» و2000 من «جيش السنة»، كما انضم آخرون مثل «كتائب الصحابة» و«كتيبة صقور العزة» وغيرهما.
ولم تأخذ الهيئة الجديدة امتيازا في الشمال، لولا انضمام جزء أساسي من «أحرار الشام» إليها، هو عبارة عن 17 لواء عسكريا، إضافة إلى ألوية ثورية وفصائل أخرى وشرعيين، فضلاً عن عناصر انشقوا بشكل فردي من «جيش الإسلام» وتجمع «فاستقم». وعلى الرغم من إجماع المعارضة السياسية على أن تجربة «خطيرة»، ستضع الشمال أمام خياري «الاستهداف الدولي، أو تحويله إلى كيان متشدد مواز لكيان (داعش) في الشرق»، فإن أتباع «الهيئة» يدافعون عنها. وقال الشامي: «هذه الخطوة ستحمي الجميع، وتمنع ضرب الشمال بعدما انفصلت (فتح الشام) عن (تنظيم القاعدة)، فضلاً عن أن الثوار يشعرون بالغبن من المشاركة في مؤتمر آستانة الذي لم يمنع النظام من التقدم في ريف دمشق والسيطرة على وادي بردى»، زاعمًا أن هذا الاندماج هو «مبرر لإنقاذ الثورة».
لكن الإعلان الجديد عن «هيئة تحرير الشام» يشكل في الواقع رافعة للمتشددين في الشمال. ويقول معارضوه إن تجربة مشابهة «من شأنها أن تستدرج قوات التحالف الدولي لضرب الشمال برمته، إثر صعوبة الفصل بين متشددين (مدرجين على قوائم الإرهاب الدولية) ومعتدلين»، كما أنه «سيعطي المبرر لـ(النصرة) لاستكمال مخططها بضرب التنظيمات المعتدلة».
وإثر الإعلان عن الاندماج، هدأ الاقتتال بين «النصرة» والفصائل المعتدلة إلى حد ما، حيث أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الهدوء الحذر مستمر منذ السبت في ريف إدلب بعد اقتتال لأيام بين «جبهة فتح الشام» من جهة، والفصائل الإسلامية المنضمة إلى «حركة أحرار الشام» من جهة أخرى.
وكانت مصادر مقربة من الهيئة المشكلة حديثًا أبلغت المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن هذه الفصائل شكلت باتحادها التجمع الأقوى، لكونه تشكَل من الفصائل الأقوى العاملة في ريفي حلب وإدلب وريف حماه الشمالي، وهو - أي التجمع الجديد - بقيادة القائد العام السابق لـ«حركة أحرار الشام» الإسلامية، سيضع «حركة أحرار الشام» بالانضمامات الجديدة معه من بقية الفصائل، في مأزق ومواجهة مع «هيئة تحرير الشام» المؤسسة حديثًا من «فتح الشام» وفصائل مندمجة معها.



إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
TT

إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)
اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)

شنَّت الجماعة الحوثية أخيراً حملات ضد مُلاك مَحال وشبكات الإنترنت في العاصمة المختطفة صنعاء، بغية ابتزازهم مالياً، وإجبارهم على الترويج لأفكار الجماعة، والمساهمة في التعبئة العسكرية.

وأكدت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحملة التي تنفِّذها عناصر تابعة لما تُسمَّى دائرة «التعبئة والتحشيد» الحوثية، ومكتب الاتصالات الخاضع للجماعة، أغلقت محال الإنترنت في مديريتي الوحدة ومعين، بذريعة مخالفة التعليمات ونشر محتوى برامج وتطبيقات علمية ورياضية وترفيهية، مخالفة لما تسميه الجماعة «الهوية الإيمانية».

مقر شركة «تيليمن» المزودة الرئيسية لخدمة الاتصالات الخاضع للحوثيين في اليمن (إكس)

واشترطت الجماعة الحوثية لإعادة فتح المحال، أن يقوم مُلاكها بدفع غرامات تأديبية، وتقديم محتوى يركز على نشر «الملازم الخمينية» وخطب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

واشتكى مُلاك محال إنترنت في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات ابتزاز تستهدفهم ومصادر عيشهم على أيدي مشرفين ومسلحين، يجبرونهم على نشر محتوى أُحادي يُحرِّض الشبان والمراهقين من مرتادي محال الإنترنت على الانضمام للجبهات.

ووفقاً لبعض السكان، فإن مسلحي الجماعة لم يتركوا المجال لأي مالك محل وشبكة إنترنت دون أن يستهدفوه، إما بالابتزاز والإغلاق، وإما بالإرغام على المشاركة في الترويج لأفكار الجماعة ذات المنحى الطائفي، وبث الأهازيج الحماسية بغية حشد المقاتلين.

وتتحكم الجماعة الانقلابية في اليمن بخدمة الإنترنت من خلال سيطرتها على شركة «تيليمن» المزودة الوحيدة للخدمة، وتحصل جميع شركات الهاتف الجوال -خصوصاً بمناطق سيطرتها- على الخدمة من الشركة.

استغلال عسكري

ويأتي التعسف الحوثي ضد محال الإنترنت متوازياً مع تقرير حديث صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة، اتهم الجماعة باستغلال إيرادات قطاع الاتصالات في الجانب العسكري، وشراء معدات الاتصال ذات الاستخدام المزدوج.

وأوضح التقرير أن جماعة الحوثي استغلت وسائل التواصل في حربها ضد اليمنيين، واستخدموا وجنَّدوا كثيراً من المشاهير في الشبكات الاجتماعية، للحديث باسم الجماعة، وتمرير أي رسائل وأجندة.

الجماعة الحوثية تستغل الاتصالات للتجسس على السكان (إعلام حوثي)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى سكان في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين، من استمرار تردي خدمة الإنترنت بصورة غير مسبوقة، لافتين إلى أن ذلك البطء تصاعد أكثر خلال الأيام القليلة الماضية.

ولفت السكان إلى وجود مساعٍ حوثية لعزلهم عن العالم، عبر التدابير المتعاقبة التي تقوم بها الجماعة، والمتصلة بخدمة الإنترنت، سواءً من حيث إضعاف الخدمة إلى درجة كبيرة، أو رفع أسعارها بصورة متكررة.

ولا يُعد هذا الاستهداف الأول لملاك محال وشبكات الإنترنت، فقد سبق للجماعة أن استهدفت أكثر من 50 ألف شبكة إنترنت محلية في مناطق سيطرتها.