بقي الإنتاج المحلي من النفط، في الولايات المتحدة الأميركية، في ركود عميق عبر العامين الماضيين، ولكن هناك سلسلة من الصفقات بمليارات الدولارات تبعث بوميض من الأمل والانتعاش في حقول الصخر الزيتي في حوض بيرميان الرسوبي الذي يمتد أسفل ولايتي تكساس ونيومكسيكو.
وأعلنت شركة إكسون موبيل يوم الثلاثاء الماضي عن استحواذها على 275 ألف فدان في ولاية نيومكسيكو من عائلة «باس» في «فورت وورث» لقاء 6.6 مليار دولار من الأسهم والأوراق النقدية. وأبرمت تلك الصفقة بعد يوم واحد من موافقة إحدى شركات إنتاج النفط الأخرى، شركة نوبل للطاقة، على سداد مبلغ 2.7 مليار دولار لشراء شركة «كلايتون ويليامز» للطاقة، مما يمنح شركة نوبل مساحة تقدر بـ120 ألف فدان غنية بالنفط في منطقة غرب تكساس القريبة.
وتلك الصفقات هي من بين أكبر الصفقات المعلن عنها بقيمة تقدر بأكثر من 25 مليار دولار من عمليات الدمج والاستحواذ الكبرى في حوض بيرميان منذ يونيو (حزيران) الماضي، مما يشكل تقريبًا ربع إجمالي ما أنفقته صناعة النفط والغاز الطبيعي على مثل تلك المعاملات في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي وحده. وتعمل شركات مثل «أناداركو للبترول»، و«إس إم للطاقة»، و«إيوغ للموارد» على بيع الأصول المملوكة لها في حقول محلية أخرى لاقتناص ما يمكنها من أجزاء متاحة في الحقول المتعددة التي تشكل مجموع مساحة حوض بيرميان الرسوبي، والذي تقارب مساحته حجم ولاية ساوث داكوتا.
يقول سكوت شيفلد، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة «بايونير للموارد الطبيعية»، وهي من أكبر الشركات المنتجة للنفط في المنطقة: «أصبح حوض بيرميان الرسوبي في الآونة الأخيرة كمثل جوهرة التاج لصناعة النفط والغاز الطبيعي على مستوى العالم».
كنز لا ينضب
وحوض بيرميان، الذي استمر إنتاجه من النفط قرابة المائة عام، هو من الأحواض النفطية السخية للغاية، حتى إنه كان مصدر الوقود المستمر لقوات الحلفاء التي تقاتل ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي السنوات الأخيرة، رغم ذلك، كان إنتاج النفط في ذلك الحوض يشهد تراجعًا ملحوظًا، وكانت كبريات الشركات النفطية، مثل «إكسون موبيل»، تبيع أصولها إلى الشركات المستقلة الصغيرة، والتي كانت على استعداد لاستخراج ما تبقى من براميل النفط في الحقول القديمة من خلال إغراقها بالماء وثاني أكسيد الكربون.
ولكن حياة جديدة يشهدها حوض بيرميان الرسوبي قبل نحو عشر سنوات مضت، عندما بدأت شركات الحفر في إجراء الاختبارات بمعدات التكسير الهيدروليكي لاختراق حقول الصخر الزيتي التي تمتد في مختلف أنحاء المنطقة.
وجاءت نتائج الاكتشافات التي أجرتها شركة «بايونير للموارد الطبيعية» وبعض من الشركات القليلة الأخرى مبشرة، بالعثور على الكثير من طبقات الصخر الزيتي - ستة إلى ثمانية طبقات غنية بالنفط، إحداها فوق الأخرى، كمثل الكعكة متعددة الطبقات - مما يتيح للشركات الفرصة الذهبية للتنقيب عن طريق الحفر بحثًا عن المستودعات النفطية المتعددة في نفس المنطقة.
وكانت المزايا الجيولوجية لحوض بيرميان، إلى جانب الشبكة القوية الحالية من خطوط الأنابيب، قد جعلت من الحوض أرخص المواقع لتطوير أي حقل للصخر الزيتي في البلاد. ويبلغ السعر المتعادل لأفضل مساحة في الحوض نحو 40 دولارًا للبرميل، بينما يبلغ السعر نفسه في غيره من حقول الصخر الزيتي الأخرى نحو 10 إلى 20 دولارا للبرميل أو ربما أعلى. ومع سعر التعادل للحقول النفطية الذي يتضاعف 10 مرات أو أكثر منذ عام 2012، فإن المديرين التنفيذيين قد بدأوا الحديث مرة أخرى عن حوض بيرميان الرسوبي الكبير.
وإجمالاً للقول، فإن الجانب الأكبر من الصناعة النفطية الأميركية لا يزال في حالة ركود منذ هبوط أسعار البرميل على مستوى العالم من 110 دولارات للبرميل في عام 2014 إلى أقل من نصف هذا الرقم في الوقت الراهن. وفي ولاية تكساس وحدها، فإن واحدًا من أصل كل ثلاثة عمال في صناعة النفط - البالغ إجمالي عددهم نحو 100 ألف عامل - قد فقد وظيفته في السنوات الأخيرة. ويبلغ عدد منصات النفطية العاملة نحو 522 منصة فقط في طول الولايات المتحدة وعرضها، مقارنة بـ1609 منصات نفطية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014، ثم انخفض الرقم الأول مرة أخرى بمعدل 7 منصات نفطية متوقفة عن العمل اعتبارا من الأسبوع الماضي.
وفي تلك الأثناء، واجهت الاستثمارات في مجال إنتاج النفط وبناء خطوط الأنابيب معارضة متنامية من جانب جماعات حماية البيئة في بعض أجزاء البلاد بسبب التغيرات المناخية.
ولكن عدد المنصات النفطية في حوض بيرميان الرسوبي هي في ارتفاع مطرد. ومنذ مايو (أيار) الماضي، كانت 105 من منصات الحفر الأفقية، البالغ عددها 179 منصة التي أضافتها الشركات للعمل في حقول الصخر الزيتي في جميع أنحاء البلاد، تعمل في حوض بيرميان الرسوبي وحده.
سباق على الكعكة
وتعتبر شركة «شيفرون»، ثاني أكبر الشركات النفطية العاملة في الولايات المتحدة بعد «إكسون موبيل»، من بين الشركات التي تضخ المزيد من الأموال والاستثمارات في الحفر للتنقيب عن النفط في حوض بيرميان.
وكانت شركة «إكسون موبيل» بطيئة في الانضمام إلى طفرة البحث عن النفط الصخري منذ أن استحوذت على شركة «إكس تي أو للطاقة»، وهي من الشركات العاملة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي، بقيمة تزيد على 30 مليار دولار في عام 2009، أي بعد فترة وجيزة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.
وكان الكثير من المحللين النفطيين قد توقعوا أن تتخذ شركة «إكسون موبيل» خطوة كبيرة بالشراء أثناء انخفاض أسعار النفط عالميًا خلال العام الماضي لأقل من 30 دولارا للبرميل الواحد. ولقد ارتفع سعر البرميل إلى نحو 52 دولارا في الأسابيع الأخيرة، محققًا نوعًا من الثبات مع قرار منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بخفض الإنتاج.
حاولت عائلة «باس» بيع شركاتها النفطية في حوض بيرميان خلال الشهور الأخيرة، وقال المحللون النفطيون إن شركة «إكسون موبيل» تحركت أخيرًا قبل ارتفاع الأسعار النفطية على مستوى العالم مرة أخرى. وقالت الشركة إنها استحوذت على احتياطي نفطي يقترب من 3.4 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج والممزوج بالغاز الطبيعي، وهو ما يقدر بضعف الاحتياطي المملوك لدى الشركة في الحوض بأكمله، والذي ارتفع خلال السنوات الثلاث الأخيرة عبر عمليات الشراء الصغيرة بعد اندلاع طفرة الصخر الزيتي الأخيرة.
وتنتج المساحة الجديدة أقل من 19 ألف برميل في اليوم، ولكن شركة «إكسون موبيل» قالت إنها قادرة على زيادة هذا الإنتاج بشكل كبير في حقول «باس» السابقة، والتي تقع في قطاع ديلاوير شبه الدائري من حوض بيرميان الرسوبي القريب من آبار الإنتاج النشطة التي تتبع شركة «أوكسيدنتال بتروليوم» الأميركية.
مضاعفة الإنتاج
يقول دارين دبليو. وودز، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة «إكسون موبيل» العالمية في بيان أخير: «تعزز عمليات الاستحواذ من وجود إكسون موبيل الكبير في محيط الإنتاج النفطي البري داخل الولايات المتحدة». وأضاف أن الشركة، وباستخدام قدراتها التكنولوجية الكبيرة، سوف تكون قادرة على حفر الآبار الأفقية العميقة في حوض بيرميان الرسوبي، وصولاً إلى المنطقة النفطية الغنية عبر الوريد الصخري في الحوض.
من شأن صفقة شركة «نوبل للطاقة» المبرمة خلال هذا الأسبوع، وهي تتعلق بقطاع ديلاوير شبه الدائري من حوض بيرميان أيضًا، أن تضاعف بمقدار ثلاث مرات وجودها الراسخ في الحوض. وتخطط الشركة إلى زيادة عدد منصات الحفر النفطية التابعة لها إلى ستة منصات؛ بعدما كانوا أربع منصات فقط، في قطاع ديلاوير، بحلول نهاية العام الحالي.
وفي بيان صادر عن الشركة، وصف ديفيد إل. ستوفر، الرئيس التنفيذي للشركة قطاع ديلاوير بقوله: «إنه من القيم ممتدة الأجل... ومحرك من محركات النمو الكبيرة».
* خدمة «نيويورك تايمز»