البشير: ثمة من سهَّل سيطرة «داعش» على المدن السنّية لتبرير قصفها وتهجير أهلها

قال لـ «الشرق الأوسط» إن العلاقات مع السعودية ممتازة... واعترف بأن الترابي كان «الرجل الأصعب»

الرئيس البشير يتحدث إلى الزميلين غسان شربل وناصر الحقباني (تصوير: علي العريفي)
الرئيس البشير يتحدث إلى الزميلين غسان شربل وناصر الحقباني (تصوير: علي العريفي)
TT

البشير: ثمة من سهَّل سيطرة «داعش» على المدن السنّية لتبرير قصفها وتهجير أهلها

الرئيس البشير يتحدث إلى الزميلين غسان شربل وناصر الحقباني (تصوير: علي العريفي)
الرئيس البشير يتحدث إلى الزميلين غسان شربل وناصر الحقباني (تصوير: علي العريفي)

مستفز كلام الرئيس عمر حسن البشير. لم يكتف بالقول إنه لن يترشح مجددًا بعد انتهاء ولايته الحالية، بل اعتبر لقب الرئيس السابق «ممتعًا»، فهو معجب بظاهرة «الرئيس السابق» في لبنان.
ولأن التجارب العربية تعلم غير ذلك، رويت له واحدة من القصص قبل اندلاع «الربيع» في اليمن؛ حين قال لي الرئيس علي عبد الله صالح إن حكم اليمن يشبه «الرقص على رؤوس الأفاعي»، وأكد أنه يتطلع إلى لقب الرئيس السابق ليتفرغ لملاعبة أحفاده. عندما اندلعت الأحداث في اليمن تبين أن أولويات صالح لا تبدأ بملاعبة أحفاده... امتنع البشير عن التعليق، مكتفيًا بالقول إن لكل حالة خصوصيتها، وإنه مصرّ على احترام إرادة الدستور.
لم تكن رحلة البشير سهلة منذ يونيو (حزيران) 1989 وحتى الآن. حروب في الداخل وعلى الأطراف. والقارة السودانية غنية أصلا بكوكتيل من الإثنيات والقوميات والميول الجهوية مما يجعل النزاعات احتمالا يوميًا.
لم تكن رحلة «سودان البشير» سهلة عربيًا ودوليًا، وحفلت بأزمات ووساطات ومصالحات، وكان لافتًا أن «الربيع العربي»، الذي أطاح عددًا من الحكام العرب لم يعبّر عن نفسه في السودان رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية وحصول الطلاق مع الجنوب وفرض العقوبات الأميركية على الخرطوم، فضلا عن قصة المحكمة الجنائية التي تبدو اليوم من الماضي، بعد انتهاء تأهيل النظام عربيًا وإسلاميًا ودوليًا. يتوقف الرئيس السوداني طويلا عند خطورة الوضع العربي الحالي؛ إذ يعتبر أن العرب هم الآن ضحية خطة غربية فارسية صهيونية. ويتهم البشير إيران بتنفيذ برنامج للسيطرة على دول عربية، ويستشهد بتصريحات لمسؤولين فيها. ويذهب أبعد؛ مؤكدًا أن البرنامج الإيراني يستهدف العرب السنّة، ويجدد القول إن بلاده تملك ملفًا كاملا حول نشاطات التشييع التي كانت إيران تمارسها في السودان، وتواصلها في أنحاء أخرى من أفريقيا. أكد البشير أن السودان سيشهد قيام حكومة وفاق استنادا إلى مخرجات الحوار الوطني، وأن ذلك سيترافق مع استحداث منصب رئيس الوزراء. سألته «الشرق الأوسط» عمن كان الرجل الأصعب في التعامل معه في السنوات الماضية، فأجاب أنه الدكتور حسن الترابي.
* فخامتكم، انتهى عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بانفراج فيما يتعلق بالعقوبات... هل تتوقعون في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب استمرار هذا الاتجاه الإيجابي؟
- رفع العقوبات الأميركية عن السودان كان وعدًا قديمًا، حيث بدأت المحادثات بشأنه قبل عام 2000، بدأ بشرط واحد ولكن تلته شروط أخرى، فبدأت الطلبات بتوقيع اتفاقية سلام في جنوب السودان، فوقّعنا الاتفاقية، غير أن واشنطن طالبت باتفاقية أخرى في دارفور، والكلام نفسه تكرر بأنه في حالة وقعنا الاتفاقية في دارفور سترفع كل العقوبات، وبالفعل عملنا اتفاقية في دارفور، وجاء وعدهم الثاني أننا لو نفذنا اتفاقية السلام في جنوب السودان، أيضًا، سترفع العقوبات، وهكذا دواليك، وبالتالي إن رفع العقوبات كان وعدًا قديمًا يؤجل كل مرة، عمومًا كانت هناك جهود مستمرة لدعم موقف السودان، من أجل رفع العقوبات عنه، وبدأنا حوارًا جادًّا مع الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وهنا لا بد من القول إنه كان هناك دعم للحوار السوداني من عدد من الدول الصديقة والشقيقة على رأسها السعودية، والإمارات، وسلطنة عمان، وغيرها من الدول الصديقة والشقيقة في أفريقيا وخارجها، وأخيرًا تم ذلك، حيث أصدر الرئيس الأميركي السابق أوباما قرارًا بإلغاء العقوبات جزئيًا عن السودان، علمًا أنها مُررت في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وقناعتنا أنه أزيلت عقبة مهمة جدًا أمام العلاقات السودانية – الأميركية، وهي إزالة العقوبات من قبل رؤساء أميركا السابقين، ولكن ما زالت لدينا ملفات مفتوحة مع أميركا، مثل ملف الإرهاب، وهو ملف مهم جدًا تأكدت من خلاله أن السودان لا يؤوي الإرهاب ولا يغذيه ولا يموّله، بل إن السودان متعاون جدًا في مكافحة الإرهاب، وهناك توقعات بأن الأمور ستمضي نحو الأفضل، في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.
* هناك 5 مطالب كشروط لرفع العقوبات، منها ما يتعلق بجنوب السودان ومنها ما يتعلق بجيش الرب..
- بالفعل كانت هناك 5 محاور لرفع العقوبات، والسودان أوفى بذلك، منها توقيع اتفاقية السلام في جنوب السودان وكنّا قد أوفينا بها، وكل العالم والدول المجاورة تعلم أن لدينا جهودًا كبيرة جدًا ومحاولة للعمل على استقرار جنوب السودان، العامل الثاني هو أننا أكدنا أنه ليست لدينا علاقة بجيش الرب بل حتى الأوغنديون أنفسهم أكدوا ذلك، فلا وجود لجيش الرب في السودان ولا ندعمه بأي شكل. على صعيد العامل الثالث المعني بقضية السلام في السودان، كنا قد نفذنا الاتفاقيات كاملة، فيما يتعلق بالمنطقتين في جنوب كردفان وفي منطقة النيل الأزرق، وكنا قد عملنا خطة وقبلنا بأن تصل الإغاثة إلى مناطق يسيطر عليها المتمردون شريطة أن تأتي عبر السودان، ولكن الطرف الآخر رفض دخول الإغاثة عبر السودان، لأنهم كانوا يريدون أن تدخل دون أن تعبر بالسودان، وبالتالي تبقى كل الملفات أمام الإدارة الأميركية مستوفية الشروط، بما فيها ملف الإرهاب مع تأكيدها على أن هذا الملف لم يكن به مشكلة أصلا.
* متى بدأت الاتصالات السودانية – الأميركية بهذا الشأن وأين؟
- بدأت هذه الاتصالات منذ أن توسطت أميركا لاتفاقية السلام في جنوب السودان، وكان مبعوث الرئيس الأميركي وقتها السيناتور جون دانفورث، وهو الذي تابع معنا كل الاتصالات والمقابلات في ذلك الوقت والتي توصلنا بموجبها إلى التعاون مع دول «إيقاد» (منظمة من 7 دول في القرن الأفريقي تعنى بالسلام) وآخرين إلى اتفاقية السلام الشامل، فكانت هذه الاتصالات الأولى والتي بموجبها أعطونا أول وعد، بـ«روشتة» محددة جدًا، وبعد أن وقعنا هذه الاتفاقية، وعدونا بإزالة جميع العقبات أمام العلاقات الثنائية. وبعد المبعوث الأميركي جون دانفورث جاء روبرت زوليك الذي كان رئيس البنك الدولي ونائبًا لوزير الخارجية، وجاء بعده آخرون وواصلوا معنا لفترة في الاتجاه نفسه، من بينهم الجنرال اسكوت غرايشون، وبرنستون ليمان، وأخيرًا دونالد بوث.
* ما الهدف من زيارتك للسعودية؟
- تأتي الزيارة كالعادة، في إطار التشاور والتنسيق المستمرين مع السعودية، لأن كل المنطقة تمر بظروف صعبة، فالمنطقة العربية تمرّ بأسوأ ظروفها، فما يدور في العراق وفي اليمن وفي سوريا وفي ليبيا وفي غيرها من البلاد المضطربة يتطلب منا في السودان والسعودية استمرارية التشاور والتنسيق، خاصة وأن هناك تعاونًا كبيرًا جدًا في المجال العسكري كما هو واضح في «عاصفة الحزم»، و«إعادة الأمل»، في اليمن والتي نأمل أن تصل إلى نتائجها من حيث السلام والأمن للشعب اليمني، أيضًا هناك تعاون ثنائي في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، حيث إنها كلها قضايا ملحة جدًا في منطقتنا العربية تحتّم علينا أن نتشاور بشكل مستمر.
* هل تعتقد أن العرب يتعرضون لأخطر تهديد في تاريخهم الحديث؟
- بكل أسف هذا هو الحاصل، وما نخشاه هو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث إننا نتعرض حاليًا إلى ما تعرضت له المنطقة في الحرب التي قادها الغرب في العهد الفائت، في ظل الخلافات العربية التي مكّنت الغرب من السيطرة على المنطقة وتحقيق أهدافه، وهو ما يحدث الآن تمامًا، حيث نجد هناك تحالفات خارجية، ونحن ضد بعضنا البعض في وجود مشكلات داخلية تتحول إلى ثغرات للتدخلات الخارجية، وهناك دول مهمة جدًا في المنظومة العربية ضاعت حاليًا، مثل العراق وسوريا، ودول تتعرض للضياع مثل اليمن وليبيا والصومال التي سبقتهم، ويبرز إلى السطح السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الحالة هي النهاية أم ما زال هناك سيناريو لسقوط المزيد من الدول؟ من الواضح أن التآمر مستمر حتى الآن.
* هل مشكلة هذه الدول مع قوى دولية أم إقليمية؟
- للأسف، الأمور تداخلت فيها العوامل الإقليمية والدولية، وإننا نرى حلفًا صهيونيًا فارسيًا غربيًا، فالظاهر للناس أن العداء قائم بين إيران والغرب، ونرى أن ذلك غير حقيقي، فهذا شيء مظهري، إذ إن الشعارات المرفوعة في إيران «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل» هي مجرد شعارات، وشهدنا كيف ولمن سلّم الأميركان العراق؟ إذ كانت العملية، مجرد عملية تسليم وتسلم للجهات الموالية لإيران، ويقيننا أن ذلك لم يكن بمحض الصدفة، فالأميركان سلموا العراق بالكامل لأولئك الموالين، ومن ثم خرجوا منه، أما فيما يتعلق بسوريا فهناك تآمر واضح من الحلف الصهيوني الغربي الفارسي، والواضح أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر مما يحدث لأن قوة إسرائيل ليست في قوتها الذاتية وإنما في ضعف الأمة العربية.
* ألا تعتقد أن لدى إيران برنامجًا ضد إسرائيل؟
- قناعتنا أن المنطقة مقسمة بين «دولة إسرائيل الكبرى» و«الدولة الصفوية»، وهذا الأمر يمضي على هذا النسق، فهناك علامة استفهام في تسليم أميركا العراق إلى جهات تدين بالولاء لإيران، وهذا يؤكد أن هناك برنامجًا لمخطط واضح.
* لتدهور الذي شهدته العلاقات السودانية - الإيرانية هل هو نتيجة مواقف إيران من هذه الدول؟
- هذه قناعتنا، ونذكر هنا أن مسؤولا إيرانيًا، قال ذات مرة، «نحن سيطرنا على أربع عواصم عربية»، والسؤال: هل هذه هي النهاية، أم أن هناك برنامجًا لاستكمال السيطرة على المنطقة العربية؟!
* هل تعتقد بوجود برنامج إيراني للسيطرة على المنطقة العربية؟
- نعم هناك برنامج إيراني للسيطرة على المنطقة العربية، وهو قيام «الدولة الصفوية الكبرى».
* اتهمتم إيران في مرحلة من المراحل أنها كانت تقوم بالتشييع لكنها أنكرت... هل لديكم دليل على ذلك؟
- من المؤكد، هناك دلائل على المحاولة الإيرانية للتشييع في السودان، لدينا دراسة كاملة عن كل نشاطات التشييع في السودان بل في أفريقيا بأسرها، هناك عملية تستهدف تشييع أفريقيا بالكامل، هناك حوزات وحسينيات ونشاطات للمركز الثقافي الإيراني في شكل ندوات ومحاضرات وكنا في البداية نعتبر أن نشاطها في إطار ثقافي، غير أننا وجدناه عملية تشييع، ومحاولات لجذب بعض الشباب وبعض الفئات الأخرى.
* هناك من يتهم إيران بإحداث تغييرات ديموغرافية في العراق وسوريا وتغيير هويّات بعض الدول وإحداث توازنات فيها... كيف تنظرون إلى ذلك؟
- بملاحظة ما حدث في العراق، نستطيع القول إن «داعش»، صُنعت صناعةً، حيث بدأ ذلك بقانون «اجتثاث البعث»، غير أن هذه كانت سياسة لتغطية إبعاد وتهجير أي مسلم سنّي من أي موقع حكومي، وبالتالي عزلوا السنّة تمامًا من الحكومة بمن فيهم الموظفون غير العسكريين، أضف إلى ذلك أن عددًا كبيرًا تعرض للاعتقالات والسجون والتعذيب، الأمر الذي خلق حالة من التشدد، ولذلك عندما بدأت «داعش»، بدأت مثلها مثل أي مجموعة من المجموعات، غير أنه كان واضحًا أن هناك محاولة أو برنامجًا لتقوية «داعش»، فمثلا إذا أخذنا الموصل كأنموذج، نلاحظ أن عدد أفراد «داعش» الذين دخلوا الموصل لا يتجاوزن 1500 عنصر، بينما عدد الجيش العراقي الذي انسحب من الموصل يبلغ 30 ألف فرد بكل مقوماته ومعداته، فالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ينسحب هذا العدد الكبير من المقاتلين العراقيين أمام فقط 1500 «داعشي» في الموصل؟
* هل تعتقد أن سقوط الموصل في يد «داعش» كان أمرًا مقصودًا؟
- قناعتنا أن هناك برنامجًا لتقوية «داعش» وتمكينها من احتلال المدن السنّية، لتبرير قصفها وتهجيرها، فكان من الطبيعي أن يخرج المدنيون لحماية أنفسهم من الضربات الصاروخية، ثم يتعرضون، حول المدينة، للتقتيل والتشريد والتصفية بشكل واضح، والشيء نفسه يحصل في سوريا، حيث إن مدينة مثل حلب تعرّض سكانها من أهل السنّة لتهجير قسري بشكل كبير إلى الخارج.
* هل تعتقد أنه برنامج ضد السنّة؟
- نعم إنه بالفعل برنامج ضد السنّة من خلفه الحلف الفارسي الإسرائيلي الغربي، لأنه لو نظرنا بعمق نجد أن كل الذين ينتظمون في مقاومة حقيقية ضد الاحتلال الإسرائيلي هم من أهل السنّة.
* هل جرت محاولة إصلاح العلاقات بين إيران والسودان؟
- محاولات لكنها محدودة من بعض السفراء في بعض الدول، يلتقون مع سفرائنا ويتحدثون عن إمكانية تقوية العلاقات بين البلدين، لكن ليس هناك أي اتصال رسمي مع القيادة الإيرانية.
* حتى ترجع العلاقات بين السودان وإيران، ما المطلوب؟
- مطلوب من إيران عدم التدخل في المنطقة العربية، والتوقّف عن استهداف السنّة العرب، وعدم محاولة ممارسة برامج التشييع، نحن في السودان تحديدًا لدينا ما يكفينا من مشاكل كثيرة، قبلية وجهوية وتمرد، لا نستطيع أن نضيف إليها مشاكل أخرى جديدة.
* هل هذه المرحلة في العلاقات السعودية - السودانية هي الأكثر قوة؟
- العلاقات بين البلدين تمرّ بأفضل حالاتها، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الخارجية، وهناك تعاون وتنسيق كاملان على الصعد كافة، بما فيها العسكرية.
* كيف كانت محادثاتكم مع خادم الحرمين؟
- كالعادة، كانت محادثات ناجحة جدًا، ونحن خرجنا جميعًا متفقين على كل شي، وليس هناك أي خلاف.
* هل هناك اهتمام سعودي بتنمية الجيش السوداني؟
- هناك اهتمام بالتنمية في كل المناحي في السودان عمومًا، في ظل وجود العلاقات العسكرية والاقتصادية، والجميع يشاهد توقيع اتفاقيات في كل مرة، وفي هذه الزيارة وقعنا أيضًا اتفاقيات مع الجانب السعودي تعنى بمياه الشرب في الريف.
* ما حجم الاستثمارات السعودية والخليجية في السودان؟
- لا أستطيع أن أعطيك الرقم الحقيقي الآن، ولكن لا تقل عن 6 مليارات دولار.
* كيف نجا السودان من الربيع العربي؟
- قناعتنا أنه كان هناك إحساس لدى القاعدة الجماهيرية بالأمل في وجود أمن وتنمية وتحسن نحو التقدم والتقنية، وهو الذي جعل الناس تقبل الوضع على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرّت بها البلاد سابقًا.
* اتخذتم في الآونة الأخيرة إجراءات اقتصادية قاسية... ألم تتخوفوا من أن تكون هناك ردة فعل من المجتمع، خصوصًا مع ظهور دعوات للعصيان المدني؟
- قطعا نمرّ بظروف اقتصادية صعبة، وليست هناك حلول أيضًا سهلة، فالوضوح مع الناس هو شرح الأوضاع لهم، وشرح أسباب اتخاذ هذه الإجراءات، وبالتالي يبقى هناك خياران، إما اتخاذ إجراءات إصلاحية اقتصادية صعبة للوفاء بالالتزامات نحو إدارة شؤون البلاد وتوفير الخدمات الضرورية، وإما التفرّج على مسار انهيار الاقتصاد أو عجز الدولة من توفير الخدمات والسلع الضرورية للمواطن، دون اتخاذ العلاج أو الإجراءات اللازمة. هذان خياران، ولكن الأفضل الأخذ بالخيار الأقل ضررًا وهو تحمّل الإجراءات الإصلاحية، بينما الخيار الثاني هو الأكثر ضررًا لأنه يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي، وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطن والبلد وأمنه، ولذلك العصيان المدني فشل وبالتالي الدعوة لتظاهر الناس في الشارع أيضا فشلت لأن الشعب تفهّم ذلك القرار وحيثياته.
* في ضوء الحوار الوطني الذي حدث، طرح موضوع حكومة وطنية ورئيس وزراء...
- نعم لأن أحد مخرجات الحوار الوطني وتوصياته بأن تكون هناك حكومة وحدة وفاق وطني، يعني أن تتوسع قواعدها، بمعنى عندنا حكومة وحدة وطنية حاليًا يشارك فيها عدد من الأحزاب وبالتالي ستتوسع الحكومة، وستضاف الأحزاب الأخرى التي شاركت في الحوار، بالإضافة إلى استحداث منصب رئيس وزراء.
* هل سنشاهد الصادق المهدي رئيسًا للوزراء؟
- طبعًا ليس واردًا في الأصل، لأن الصادق المهدي حتى الآن لم يوقع على الوثيقة، وبالتالي لن يكون طرفًا في الحكومة ولكن يمكن أن يحدث ذلك في حالة مشاركته في الانتخابات القادمة.
* ومتى ستكون الحكومة المقبلة؟
- لا يزال التشاور مستمرًا.
* يبدو أن العلاقات السودانية المصرية تشكو من سدّ النهضة ومن حلايب؟
- العلاقات تشكو من الإعلام المصري، فهو مرض العلاقات بين البلدين، لأنه يتعامل بصورة غير موفقة، ولكننا تعودنا عليه. بالنسبة لسد النهضة، قناعتنا أن سد النهضة له إيجابيات كبيرة على تنمية السودان، فإذا كانت المشكلة في حصة مصر في مياه النيل أقول إنها مؤمّنة تمامًا، لأن سد النهضة، هو سد لتوليد الكهرباء فقط، أي ليس هناك أي استغلال لمياه السد للري، حيث إن المنطقة التي يوجد فيها السد على بعد 20 كيلومترًا من الحدود السودانية، وهي منطقة جبلية لا توجد فيها أراض صالحة للزراعة أو الري، وبالتالي لن يؤثر السدّ على حصة السودان ومصر في مياه النيل، إذ لدينا اتفاقية مياه النيل بين السودان ومصر أنشئت عام 1959، وقسمت مياه النيل في السد العالي بين السودان ومصر، وأعطت مصر نحو 52 مليار متر مكعب، وأعطت السودان 18.5 مليار متر مكعب، وبالتالي هذا هو الوضع حتى الآن، ونحن على قناعة بأن السدّ لن يؤثر على حصة مصر، بقدر ما يمكننا ذلك من الاستفادة من حصتنا في اتفاقية مياه النيل مستقبلا، لأن قدرات التخزين بالسودان في المياه، لا تمكننا من فعل ذلك.
وبالعودة لموقف الإعلام المصري تجاه هذا السدّ، فهو موقف غير مبرر، ولذلك حصلت تعبئة للمواطن المصري، بأن إثيوبيا ستتحكم في مياه النيل، غير أننا لم نشاهد تحكمًا قد حصل ولم يتغير مجرى النيل، ولا حتى تستغل مياه النيل إلا في الطاقة الكهربائية.
* كيف استطعت البقاء في الحكم في بلد مجاور لثماني دول، وتركيبته معقدة. ما هو هذا السر هل هو التنظيم الحزبي المحكم أم عوامل أخرى؟
- هي إرادة الله، فهو يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ولكن المعروف أن حكم السودان، ليس بالشيء المرغوب، لما فيه من مشاكل تتعلق بتركيبة السودان، وما يواجهه من مؤامرات.
* قرأت أنه بعد انتهاء ولايتك، لن تترشح في 2020. هل هذا الكلام دقيق؟
- الدستور الحاكم الآن، هو دستور 2005، وبالتالي فإنه بنصّ هذا الدستور أكون قد أنهيت المدة، ولن أستطيع أن أترشح مجددًا.
* هل سهل على من يحكم مدة طويلة أن يتعايش مستقبلا مع لقب الرئيس السابق؟
- ليس سهلا فقط، إنه متعة، لأن الكل سيحترمك كرئيس سابق وينادونك في الشارع يا فخامة الرئيس دون أدنى مسؤوليات.
* دون تشبيه، في 2010 كنت عند الرئيس علي عبد الله صالح، وقال لي إنه تعب من الحكم، ويعجبه أن يلقب بالرئيس السابق ويلاعب أحفاده...
- لكل حالة خصوصيتها، الوضع في السودان يختلف، وأقرب مثال هو جعفر النميري (رحمه الله)، حيث إنه بعد أن رجع للسودان عومل بوصفه الرئيس السابق، ظل يعيش بين الناس كشخصية محترمة جدًا، وأذكر بهذه المناسبة موقفًا حدث بينه وبيني إذ كنت عادةً أمارس تحركاتي بعد الساعات الرسمية دون مرافقة موكب، بينما هو له موكب مرافق على الرغم من أنه رئيس سابق حيث كانت له سريّة ولديه دراجات وسيارات سوداء، صادفته ذات مرة في أحد الطرقات، وطبعًا رجال الشرطة لا شعوريًا أوقفوا حركة السير حتى يمر موكب الرئيس السابق النميري، بينما أنا كنت ضمن الناس الواقفة التي تنتظر موكب الرئيس النميري يمرّ، وبالتالي ليس لدينا أي حساسية من ذلك. والمثال ينطبق كذلك على الرئيس السابق المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وحتى الصادق المهدي هو رئيس وزراء سابق، وكذلك أحمد الميرغني كان رئيسًا سابقًا حتى رحيله رحمه الله.
* ما أصعب لحظة عشتها خلال فترة الحكم الطويلة؟
- اللحظات الصعبة كانت كثيرة جدًا، فنحن كنا نحارب لفترة طويلة ومرت بنا ظروف عصيبة ونحن في وضع عسكري يعجّ بالمشاكل، وحدث أن سقطت أكثر من مدينة رئيسية في يد التمرد، وتدري أن كل الجبهات على الحدود مع السودان كانت مشتعلة، وبالتالي كانت اللحظات صعبة جدًا، لأنه ترتب على ذلك مشكلات كثيرة معقدة. ومن ثم مررنا بمرحلة انفصال جنوب السودان، ونحن كنا قد عقدنا اتفاقية، تضمنت الاتفاق بأن يعمل طرفا الاتفاقية على أن تكون الوحدة هي الخيار الجاذب للمواطنين، ولكن للأسف عمل الطرف الآخر في اتجاه آخر، وحصل الانفصال، فكون الدولة تنقسم إلى قسمين كانت عملية مؤلمة وليست سهلة، إضافة إلى ذلك فقدنا جزءًا من أرضنا وجزءًا من شعبنا، وكذلك المورد الأساسي للسودان، وهو البترول، ذلك أن 80 في المائة كان بجنوب السودان.
* من هو أصعب رجل تعاملت معه في السودان؟
- هو حسن عبد الله الترابي (رحمه الله).
* هذه العلاقة غريبة؟
- هو شخصية تتمتع بكاريزما قوية جدًا، وظل مسيطرًا على الحركة الإسلامية لفترة طويلة. عاش صراعات كثيرة داخل الحركة قبل أن يتصادم معنّا، وكان دائمًا هو الكاسب في صراعاته في القيادة داخل الحركة، غير أنه خسر لأول مرة في صراعاته معنا.
* ما أهمية التحالف الإسلامي ضد الإرهاب؟ هل هو لإعادة التوازن مع إيران؟
- هو يعيد التوازن مع إيران، وأيضًا لمواجهة الحركات المتطرفة، هناك بعض من الشباب المتطرف، والدول تحتاج للتعاون بعضها مع بعض لأنه بسبب تفشي التطرف انتشر تنظيم القاعدة و«داعش» و«جبهة النصرة»، وفي أفريقيا «بوكو حرام». فالإرهاب أشكاله متعددة ونحتاج إلى التعاون في جميع المجالات، وليس في المجال العسكري فقط، ولدينا تجربة في السودان في التعامل مع هؤلاء الشباب الذين غسلت أدمغتهم، لأنه فكر، ووجدنا أنه من المهم أن نحارب الفكر بالفكر، فأعددنا مجموعة من الشباب المتفقهين المتنورين، ودمجناهم في المجتمع من خلال الحوار الطويل، وتعاملنا مع بعض من تم اعتقالهم واسترجعنا عددًا كبيرًا منهم إلى طريق الصواب بل استخدمنا بعضهم في إقناع الآخرين، واستطعنا أن نجد عملية توازن. نحن على قناعة أن خلف المجموعات الإرهابية، جهات تعمل لزعزعة الأوضاع في الدول العربية والإسلامية.
* هل أنت مرتاح لمسار الحرب في اليمن؟
- نتمنى أن تحسم الحرب في اليمن، بسرعة، واستمرار الحرب فيه مزيد من التدمير والقتل والتشريد، كنا نتمنى أن تحسم في وقت أقل من هذا، ولا زلنا نتمنى.
* المشاركة السودانية فاعلة في حرب اليمن؟
- مشاركتنا رمزية وليست بالقوة الكبيرة، لدينا قوات على الأرض، وكذلك قوات جوية.
* هل تشارك في القمة العربية المقبلة في الأردن؟
- قطعًا، إن شاء الله.



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.