ترمب يبدأ تطبيق شعار «أميركا أولاً» ويسحب بلاده من {الشراكة مع الهادئ}

وقع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب صباح أمس ثلاثة أوامر تنفيذية تجارية يقضي أحدها بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي «تي بي بي»، فيما يقضي القرار الثاني بتجميد المساعدات الأميركية المقدمة للمنظمات الحكومية التي تسمح بالإجهاض، ويقضي القرار الثالث بتجميد تعيين موظفين اتحاديين باستثناء وظائف الجيش.
ويعد قرار الانسحاب الأميركي من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي خطوة في طريق تنفيذ جدول أعمال ترمب الذي يهدف إلى إعادة النظر في الكثير من الاتفاقات التجارية الأميركية ورفعه شعار «أميركا أولاً» من جانب، وإلغاء الكثير من القرارات التي اتخذها سلفه الرئيس أوباما، في ما يتعلق ببرنامج الرعاية الصحية أو الاتفاقات التجارية.
يذكر أن «اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي» كان قد وقعه الرئيس السابق باراك أوباما في فبراير (شباط) 2016 بعد مفاوضات استمرت عامين. ويشمل الاتفاق 12 دولة (الولايات المتحدة واليابان وماليزيا وفيتنام وسنغافورة وبروناي وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والمكسيك وتشيلي وبيرو)، وهو يهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية وخفض الرسوم الجمركية. وكان أوباما قد وقع على ذلك الاتفاق لكن لم يتم التصديق عليه من قبل الكونغرس. وقد أثار الاتفاق انتقادات الكثير من المشرعين من أبرزهم السيناتور راند بول. وأشار ترمب خلال حملته الانتخابية إلى أن الاتفاقية تعد كارثية، معتبرًا أنها تضر العمال الأميركيين والصناعات التحويلية.
ويرسل ترمب، بتوقعيه على القرار التنفيذي بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، رسالة إلى الديمقراطيين في الكونغرس وقادة العالم في العواصم الأجنبية في جميع أنحاء العالم، مفاده أن خطابه ووعوده خلال حملته الانتخابية لم تكن مجرد وعود وإنما تتحول مع الأيام الأولى لولايته إلى أفعال. وستضع هذه الخطوة الكثير من الديمقراطيين خاصة الذين عارضوا الاتفاقية في موقف حرج في وقت يحاول فيه الديمقراطيون التوحد في المعارضة ضد إدارة ترمب الجمهورية.
وسيتطلب الأمر من الديمقراطيين تأييد خطوات ترمب التجارية والظهور بمظهر المساند لحقوق الصناعات والعمال الأميركيين، خاصة في دوائرهم الانتخابية أو المخاطرة بفقدان الأصوات عند إعادة انتخابهم.
ولا يتوقع المحللون أن يكون للانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ تأثير كبير، حيث لم تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، ولم تحصل على تصديق الكونغرس، ولذا فإن الانسحاب منها لن يكون له تأثير فوري وحقيقي على السياسات الاقتصادية الأميركية، لكن القرار في حد ذاته يؤكد توجهات الرئيس الجديد نحو إعادة تشكيل جذري للسياسات التجارية الأميركية مغايرة لما أقدمت عليه إدارة أوباما. ويؤكد محللون أن إدارة ترمب ستجعل الملف الاقتصادي والتجاري في قلب وعلى صدارة أولويات الملفات المطروحة على مكتب الرئيس. ويرى هؤلاء المحللون أن قرار الانسحاب من الاتفاقية يرسل رسالة صادمة إلى العواصم الآسيوية الموقعة على الاتفاقية والتي علقت عليها آمالاً اقتصادية واسعة.
من جانب آخر، تعهد الرئيس الأميركي الجديد بإعادة التفاوض حول اتفاقية «نافتا» وهي اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها الولايات المتحدة مع كل من كندا والمكسيك في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1994. وتلغي هذه الاتفاقية أغلب التعريفات الجمركية وجعلت متطلبات الاستيراد والتصدير بين البلدان الثلاثة أكثر مرونة وأقل تكلفة، وهو ما صنع أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. وكان الهدف منها بشكل أساسي مساعدة أصحاب الأعمال والمشاريع الصغيرة في هذه البلدان، ومحاولة الحد من الاحتكار التجاري وبيروقراطية الشركات الكبرى في سوق التجارة الدولية. ولكن الكثير من المحللين الاقتصاديين يرون أن «نافتا» لم تؤد دورها المطلوب بل ساعدت في رحيل الكثير من المصانع والوظائف من الولايات المتحدة إلى المكسيك وهو ما تكلم عنه الرئيس ترمب كثيرًا خلال حملته الانتخابية. في المقابل يقول مناصرو هذه الاتفاقية إنها لم تؤثر سلبًا على الاقتصاد الأميركي بل بالعكس طورت منه وجعلت من الحركة التجارية في المنطقة أكثر نفعًا.
وكان ترمب قد هاجم خلال حملته الانتخابية بقوة اتفاقية «نافتا»، وقال إنها اتفاقية غير عادلة للولايات المتحدة وتخدم مصالح كندا والمكسيك بشكل أكبر، وأعلن نيته في تغيير الاتفاقية لتكون أكثر عدلاً.
وخلال مراسم أداء القسم لموظفي البيت الأبيض الجدد أول من أمس، تحدث ترمب عن نيته الاجتماع برئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس المكسيكي أنريكي بينا نيتو لإعادة مناقشة وإعادة صياغة اتفاقية «نافتا»، وقال: «سنقوم ببعض المناقشات حول (نافتا). المكسيك تقوم بدور رائع، ورئيس المكسيك يعمل بشكل مبهر، وأتوقع أن نأتي بنتائج جيدة للمكسيك وأميركا والكل».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مسؤول في إدارة ترمب قوله إن مستشارًا في الإدارة الأميركية الجديدة سيجتمع مع مستشارين من حكومة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال الأسبوع الحالي لبدء المناقشات في هذا الموضوع. ومن المتوقع أن يشارك جاريد كوشنر زوج ابنة ترمب إيفانكا ضمن الوفد المسافر إلى ألبيرتا في كندا للسبب نفسه.
وذكر الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض أن الرئيس ترمب ملتزم بوعده بجعل هذه الاتفاقية أكثر عدلاً، وأنه في حال لم يستجب الطرفان الآخران لمطالب الرئيس ترمب فإن الأخير سيقوم بإشعار البلدين بانسحاب الولايات الأميركية من هذه الاتفاقية التجارية.
من جانب آخر، ذكر «مركز وودرو ويلسون» أن الانسحاب من الاتفاقية قد يكلف الولايات المتحدة أكثر من خمسة ملايين وظيفة، حيث تعتمد هذه الوظائف مباشرة على التجارة الحرة مع المكسيك. غير أن الكثير من الشركات الأميركية والمكسيكية استثمرت مئات الملايين من الدولارات وطورت هذه الشركات خطط عملها اعتمادًا على ما تقدمه «نافتا» من تسهيلات.
ويخطط الرئيس الأميركي الجديد للمضي قدمًا في طريق دفع الكونغرس لتأكيد تعيين مرشحه ويلبر ورس وزيرًا للتجارة، وتعيين روبرت لايتثيزر في منصب الممثل التجاري الأميركي ورئيس مجلس التجارة الذي شكله ترمب لأول مرة في البيت الأبيض، لتحقيق شعار «أميركا أولاً» في اتفاقات التجارة الجديدة.