الأزمة العميقة لدى تنظيمات التطرف العنيف

بين «لا تاريخية» التطرف و«أصالة» العلم الشرعي

أسامة ابن لادن زعيم «القاعدة» السابق (وسط) وإلى يمينه أيمن الظواهري الزعيم الحالي للتنظيم الإرهابي ومحمد عاطف (أبو حفص) المسؤول العسكري السابق الذي قتل نهاية عام 2001، في مؤتمر صحافي عقدوه في قندهار وأعلنوا فيه الحرب على الغرب عام 1998 (غيتي)
أسامة ابن لادن زعيم «القاعدة» السابق (وسط) وإلى يمينه أيمن الظواهري الزعيم الحالي للتنظيم الإرهابي ومحمد عاطف (أبو حفص) المسؤول العسكري السابق الذي قتل نهاية عام 2001، في مؤتمر صحافي عقدوه في قندهار وأعلنوا فيه الحرب على الغرب عام 1998 (غيتي)
TT

الأزمة العميقة لدى تنظيمات التطرف العنيف

أسامة ابن لادن زعيم «القاعدة» السابق (وسط) وإلى يمينه أيمن الظواهري الزعيم الحالي للتنظيم الإرهابي ومحمد عاطف (أبو حفص) المسؤول العسكري السابق الذي قتل نهاية عام 2001، في مؤتمر صحافي عقدوه في قندهار وأعلنوا فيه الحرب على الغرب عام 1998 (غيتي)
أسامة ابن لادن زعيم «القاعدة» السابق (وسط) وإلى يمينه أيمن الظواهري الزعيم الحالي للتنظيم الإرهابي ومحمد عاطف (أبو حفص) المسؤول العسكري السابق الذي قتل نهاية عام 2001، في مؤتمر صحافي عقدوه في قندهار وأعلنوا فيه الحرب على الغرب عام 1998 (غيتي)

في تقرير حديث لمركز مكافحة الإرهاب الأميركي، صدر في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نجد أن المرتبطين بالعلم الشرعي في صفوف مقاتلي تنظيم داعش - حسب عينة بلغت أكثر من 4 آلاف مقاتل - كانت أقل من 17.6 في المائة فقط، وهو ما يؤكد هشاشة هذه العلاقة بين تنظيمات التطرف ومسألة العلم الشرعي، والتمكن فيه. كذلك أثبتت تقارير أخرى، نشرت خلال الشهور الماضية، أن ما يقرب من 25 في المائة من المقاتلين الأجانب في «داعش» هم من المتحوّلين الجدد للإسلام الذين لم يتعرفوا على تراثات العلم الشرعي بشكل دقيق وعميق وتراكمي. ومن ثم، فإن حركات التطرّف العنيف ليست بحاجة إلى العلم الشرعي، بل كل ما تحتاجه حداثة الالتزام وجهالات العاطفة واللاتاريخية، وغياب الرسوخ في الفقه وأصوله والتاريخ وتحولاته. لكن رغم ذلك، تحاول حركات التطرّف دائمًا صناعة رموز لها، ووصف أمرائها وقادتها بـ«العلم» و«المشيخة» والمعرفة بالتراث، وهو ما تحتاجه فعليًا، كون التطرّف صراعًا في فضاء وحضور العلم الديني، وحفاظًا على عصب الولاء للتنظيم وأميره، مع أسئلة الأتباع دائمًا الذين يهجرونه إن لم يجدوا الإجابات.
يوظف التطرّف - المصروع بالواقع وأهدافه اللاتاريخية - العلم والتراث الشرعي، ولا ينطلق منهما، فالأول حالة غضب مستمر تبحث عن تبرير يناسبها، بينما العلم الشرعي حالة فهم وفق قواعد منضبطة. ولقد نشأت مختلف حركات التطرّف كخطابات أزمة، منفعلة ومتفاعلة دينيًا مع أزمات ليس غير، كما نوضح في المحطات الخمس التالية، مثالاً لا حصرًا:
1 - بعد سقوط الخلافة العثمانية، نشأت حركات الإسلام السياسي، مثل حركة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا (توفي عام 1949).
2 - نشأت التنظيمات الراديكالية في مصر وبعض بلدان المنطقة تأثرًا بثورة إيران الخمينية عام 1979، وانفعالاً غاضبًا بتوقيع معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل عام 1978.
3 - ظهرت «القاعدة» بعد احتلال العراق للكويت عام 1990، بعدما وجدت زخمها ورافدها الأول من تجربة «الجهاد» الأفغاني، ومواجهة شيوعية الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي.
4 - ظهرت فروع «القاعدة» بقوة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وكذلك بعد حرب العراق عام 2003، وسقوط نظام صدام حسين، والاحتلال الأميركي للعراق.
5 - صعدت حركات التطرف العنيف وصولاً إلى «الحالة الداعشية» الراهنة بعد الانتفاضات العربية عام 2011، واتخذت زخمها خاصة من الأزمة والثورة السورية المستمرة.
* انتقاء للتراث يفتقد الضبط المنهجي
بعيدا عن آليات الانتقاء والاقتطاع - وأحيانًا التدليس - في اقتباس النصوص تنزيلاً على الأحكام، وقصدية وغائية النقل عند الإسلامويين المتطرفين، ليخدم منظومتهم الفكرية في صلابتها وصراعها مع خصومها، نظن أن الأزمة أعمق من هذه الآليات الوظيفية. إنها أزمة نشأة ومرجعية، فهي جماعات مأزومة نشأت من مخاضات الواقع وأزماته أولاً، ورد فعل عليه التقط إجابة شاردة هنا أو هناك، أكثر منها حركة علمية أو تعليمية أو توعوية يبدو العلم وخدمته أو تدوينه غايتها، كما كان شأن بعض مدارس التراث.
من هنا، يبدو التراث مباحًا عندهم للالتقاط والانتقاء بلا ضبط منهجي، وليس عجيبًا أن يكون استلهام كثير من هؤلاء لتصوراتهم حول «الخلافة» من عهد الملك الفارسي أردشير، ومقولته الأشهر «الدين أس الملك»، أو من مقولات المتكلمين عن الخلافة والإمامة. ولا يحرجهم التقاؤهم مع ما سبق أن طرحه بعض الغلاة من الخوارج في تكفير المخالف والمعين، أو قتال الطائفة الممتنعة، رغم أن أحدهم يحسم مثلاً بأن محمد الفاتح ليس القائد المقصود بفتح القسطنطينية، لا لشيء غير لأنه أشعري وحنفي ليس على مذهبهم، لكن يستلهمه آخر حين يريد تنشيط الذاكرة. وليس غريبًا أن يكون الكاتب اليساري المعروف الدكتور رفعت السعيد مصدرًا رئيسًا عند أيمن الظواهري في كتابه «الحصاد المر» الذي في طبعته الأخيرة، بغية التقارب والاحتواء بعد وصولها للسلطة، وتعاطفًا معها بعد سقوطها.
* هالة الرمز الشرعي وغيابه عند «داعش»
أقر تنظيم «القاعدة في العراق» عام 2010، في وثيقة حملت عنوان «الاستراتيجية الثانية لاستعادة دولة العراق الإسلامية»، ما كان واضحًا في كتاب «التبرئة» لأيمن الظواهري، زعيم «القاعدة». ووردت أسماء كثيرة... من الباكستاني نظام الدين شامري حتى الشيخ أحمد محمد شاكر، رغم أن ما استلهمه منه مخصوص بحرب الإنجليز في القناة حينها، وصولاً لأمثال أبي عبيدة وأبي منذر الشنقيطي وعبد الآخر حماد وغيرهم من كتاب الراديكاليين. وانتقد الظواهري شخصيًا في أمور كثيرة وصلت لحد التزوير والتزييف لكتابه «الجامع» عام 1993.
على النسق نفسه (صناعة الرمز وهالته)، حاول منظرو «داعش» تسويق «أبو بكر البغدادي»، عامي 2014 و2015، على أنه عالم وفقيه، ويحمل درجة العالمية أو الدكتوراه في الفقه، رغم أنه حصل عليها في مجال آخر غير الفقه واستنباط الأحكام. ذلك أنه حسب بيانات الجامعة المستنصرية في العراق، حصل «أبو بكر البغدادي» (اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري السامرائي) على درجة الدكتوراه عن أطروحة بعنوان «اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة الشاطبية بتصنيف الشيخ العالم العلامة أبي عبد الله جمال الدين» من كلية اللغة العربية بالجامعة المستنصرية في العراق عام 2007. وكان قد تخرج في جامعة صدام للعلوم الإسلامية عام 1999، لكن أكبر شرعيي «داعش» السابق تركي البنعلي - الذي أقصي في يونيو (حزيران) الماضي - في ترجمته لخليفته أراد أن يجعل دكتوراه البغدادي في الفقه حتى يروّج لنا جواز الفتيا والحكم له، وليست في العلوم القرآنية، وهو صاحب أول كتاب في الدعوة لبيعته، وهي رسالته «مد الأيادي لبيعة البغدادي» التي صدرت قبل إعلان الخلافة نفسها في 29 يونيو 2014.
ولقد كرّر البنعلي مثل هذا التهويل والتدليس في ترجمة الدواعش للراحل «أبو محمد العدناني»، المقتول في أغسطس (آب) 2016، حين وصفه بالعلم الشرعي والفقه والموسوعية، وأنه درس حتى على «أبو بكر البغدادي» نفسه! لكن دون علامة واحدة تبعث لك من كلامهم يقينًا يفسد الثابت من أن الرجل لم يتلق أي تعليم شرعي أو غير شرعي في مكان، حيث لم يكمل تعليمه ابتداء.
* خطباء لا يتحملون العلماء
ضجت هذه الجماعات دائمًا بعلماء ومفكرين انضموا لها في البداية، ثم غادروها بلا رجعة أو بنقد ظاهر أو مبطن، كون التنظيم لا يعادي التجديد والتفكير العلمي والتأصيل الشرعي فحسب، ولكنه يقوم بالأساس على مبدأ «السمع والطاعة»، والاعتقاد في «كاريزمية» الأمير والإمام المرشد للجماعة والمجتمع. ويتحد الكل في واحد والكثرة في الفرد استبدادًا لا صوت يعلو فيه على صوت الصراع والهدف.
ونذكر في سياق جماعة الإخوان من هؤلاء المنشقين المبكرين الشيخ الراحل المعروف طنطاوي جوهري والشيخ البهي الخولي ومحمد الغزالي والسيد سابق والباقوري وعبد الحليم أبو شقة وغيرهم. كما نذكر في سياقات جماعات ما يسمى بـ«الجهاد القطري والمعولم» الاسم الأكبر بينها، عبد القادر بن عبد العزيز، الذي انتهى به الحال للعزلة والنقد لها والاعتراض على أمرائها صمتًا وكمدًا، وهو أول من وضع أدبيات لتنظيمات التطرف العنيف القطري والمعولم، وآخر من وضع مؤلفات ذات اعتبار وجهد يمكن رصده في هذا الاتجاه.
وإن نُسب آخرون، شأن الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، للعلم والأزهر، فإنه اشتهر خطيبًا، وكانت كتيباته خطبًا كتلك التي كانت تفرغ من شرائط الكاسيت وخطب الجمعة لعدد من الخطباء المشهورين، بما فيها شهادته المشهورة في مقتل الرئيس السادات التي عرفت بـ«كلمة حق». وقبلها كانت رسالة «الفريضة الغائبة» للمهندس عبد السلام فرج الذي كانت هامشًا شارحًا مغلوطًا لنص مصحف وفتوى مقتبسة خطأ لفتوى التتار المعروفة لابن تيمية، ليس غير.
وفي سبيل تجاوز أزمة غياب الرمز المنتمي، وسلب شرعية الآخر غير المنتمي، توظف حركات وجماعات التطرف آليتين رئيستين:
الأولى، حصر مريديها في شيوخها: من نماذج هذه الدعوة للحصر كان كتاب الظواهري «الحصاد المر للإخوان المسلمين»، في طبعته الأولى. وكذلك كتاب «التبرئة» الذي كان أكثر وضوحًا وحسمًا في حصر مرجعيات «الجهاد» في شيوخه الموجودين بميدانه والمنتمين لتنظيماته، دون البعيدين عنه من أصحاب المراجعات أو غير أصحاب المراجعات في السجون أو غيرها، حصرًا للرفد الفكري والمعنوي فيه وفيمن يتبعه فقط. واتساقًا مع هذه الدعوة للحصر والتشويه للآخرين، كتاب المدعو الراحل «أبو بكر ناجي» بعنوان «الخونة»... وهو نفسه صاحب كتاب «إدارة التوحش» الذي يصف كل مخالفيه من الإسلاميين ومن غير التنظيمات بالخيانة، والذي يقول في مقدمته مبررًا مدخل الخيانة والتخوين الذي استخدمه «الخيانة ظاهرة كونية موجودة في كل التجمعات البشرية، حتى الفئة المؤمنة المجاهدة على مر العصور وُجِدَ بها دائمًا فريقٌ من الخونة يضمحل أثرهم كلما كانت هذه الفئة على بينةٍ من أمرها، متيقظة متوكلة على ربها، آخذة بالأسباب المشروعة لمواجهة هؤلاء الخونة، فهم من أقدار ولوازم الطريق إلى الله». ثم يضيف عن الخيانة داخل هذه الجماعات «إن مواجهة المجموعات الصغيرة وأفراد الخونة داخل الفئة المجاهدة بما يناسب الوضع والحال، فيجب كذلك مواجهة التجمعات الكبيرة داخل إطار الأمة، فإن خطرها لا يقل عن خطر الأفراد داخل الفئة المؤمنة، لا سيما إذا كانت تجمعات الخونة محسوبةً هذه المرة على رافدٍ نظيفِ الفكرِ في الأمة، وهو: الرافد السني، بل الحركة الإسلامية داخل الجانب السني من الأمة، فالخطر هنا متضاعف». هكذا، كانت الخيانة عنوان كل من يختلف مع صاحب «إدارة التوحش».
الثانية، تخوين وترهيب المختلفين معها: أما الآلية الثانية، فهي نزع الشرعية وتشويه العلماء المخالفين، وباستثناء الراحل حمود العقلاء الشعيبي الذي أيد تفجيرات «الحادي عشر من سبتمبر» في أميركا، لم يثن زعيم «القاعدة» ومؤسسها الراحل أسامة بن لادن على أي من علماء السعودية المعاصرين له.
ولقد وقفت «القاعدة» وحركات التطرف العنيف عشرات الكتب على نقد خصومها من العلماء الكبار والمفكرين المعترضين على نهجها، إذ كتب «أبو محمد المقدسي» في عقد التسعينات من القرن الماضي رسالة انتقد فيها مرجعيات دينية معروفة، ووصف «أبو قتادة الفلسطيني» أمثال الشيخ الألباني بـ«مرجئة العصر» في رسالة له تحمل هذا العنوان، وغير هذا كثير من السباب والشتائم التي نزلت بشيوخ «القاعدة» من «أبنائهم» في «داعش» فيما بعد، إذ وصفوهم بـ«أبناء إيران»، ورموهم بـ«الردة» والكذب، وغيرها من أوصاف سبق أن وصفوا بها المؤسسات الدينية ورجالات العلم الشرعي في السابق... استخفافًا واستهزاءً.
إنها آيديولوجيا زائفة شأن كل آيديولوجيا في كل علم تصنع وعيًا زائفًا به لكنها ليست هو، وإن التمست لغته وقاموسه أحيانًا.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».