«قضاة طوارئ» يفككون الإرث البيروقراطي لـ«داعش» في الموصل

النازحون يواجهون مشكلة عدم اعتراف السلطات بوثائق التنظيم المتطرف

«قضاة طوارئ» يفككون الإرث البيروقراطي لـ«داعش» في الموصل
TT

«قضاة طوارئ» يفككون الإرث البيروقراطي لـ«داعش» في الموصل

«قضاة طوارئ» يفككون الإرث البيروقراطي لـ«داعش» في الموصل

تزوجت بشرى محمد قبل عامين في الموصل مسقط رأسها وحملت بطفل في الربيع الماضي، ولكنها بالنسبة للدولة العراقية عزباء وابنها ليس له وجود.
وبشرى واحدة من آلاف العراقيين الذين تحرروا من حكم تنظيم داعش والذين رزحوا تحت وطأته لأكثر من عامين ليجدوا أنفسهم في مأزق قانوني، فالحكومة العراقية لا تعترف بوثيقة زواجها ولا بشهادة ميلاد ابنها اللتين أصدرهما المتشددون.
وتعمل الدولة – حسب وكالة «رويترز» - بعد أن استعادت القوات العراقية أراضي من المتشددين، على إنهاء الإرث البيروقراطي لـ«داعش» الذي أخضع الملايين لحكمه بعد سيطرته على أجزاء كبيرة من العراق خلال صيف 2014.
وفي محكمة مؤقتة أقيمت داخل مجموعة من الكبائن المتنقلة في مخيم للنازحين في الخازر قرب الموصل ينهمك موظفو الحكومة في تحويل الشهادات التي أصدرتها ما أطلقت على نفسها «دولة الخلافة» إلى وثائق حكومية رسمية.
وقالت بشرى (20 عامًا): «نحن نغيرها (الشهادات) حتى يتسنى لنا أن نشعر مجددًا بأننا مواطنون».
ورغم العنف والحرمان الذي رافق حكم «داعش» فقد استمرت الحياة في الموصل والمناطق الأخرى التي سيطر عليها المتشددون بشكل طبيعي من زواج وإنجاب وطلاق وموت.
وخارج المحكمة وقف النازحون العراقيون يمسكون بوثائق «داعش» كدليل ليس فقط على تغيير وضعهم ولكن أيضًا كدليل على البيروقراطية المعقدة التي طبقها المتشددون في إطار طموحهم لإقامة «دولة».
وقال القاضي خالد الشمري، التي كانت حلته ورابطة عنقه تتناقض مع الكابينة المتواضعة التي يجلس فيها: «نحن لا نعترف بإجراءات (داعش)... نحن قضاة طوارئ على غرار أطباء الطوارئ. هذه ظروف استثنائية».
ويبرهن تفكيك الإرث البيروقراطي لـ«داعش» على مدى صعوبة المهمة. وحتى إثبات الهوية تتخلله صعوبات تتمثل في أن معظم الأشخاص الذين نزحوا جراء القتال ليست لديهم بطاقات هوية لأن السلطات في المنطقة الكردية التي يوجد فيها المخيم سحبتها منهم لأسباب أمنية. وتمثل حالات الطلاق تحديا خاصا حيث إن القانون العراقي يقتضي وجود الزوجة والزوج لإنهاء زواجهما. لكن كثيرا من الأزواج الذين انفصلوا أثناء حكم «داعش» غالبا ما فر كل منهم في اتجاه مختلف مع دخول القوات العراقية.
وقال القاضي الشمري: «أحيانا يتم تحرير واحد بينما يظل الآخر في منطقة يسيطر عليها (داعش)».
وأوضح القاضي أن إجراءات تسجيل الوفيات صارمة بشكل خاص لمنع الناس من استغلال حالة الفوضى وتزوير شهادات وفياتهم للفرار من العدالة أو المطالبة بمواريث قبل وقت استحقاقها.
وتواجه مروة سالم تلك العقبات حيث تحاول تسجيل وفاة والدها الذي تقول إنه قتل على يد تنظيم داعش لتعاونه مع قوات الأمن الكردية.
وألقى المسلحون بجثته على مشارف القرية التي كانوا يقيمون بها بالقرب من الموصل وأعطوا عائلته وثيقة تفيد بوفاته. وقبل أن تعترف السلطات العراقية بوفاته عليها أن تنقل قضيتها إلى محكمة أخرى تتعامل مع قضايا الإرهاب في مدينة أخرى لكن الأشخاص الذين يعيشون داخل المخيم لا يسمح لهم الآن بمغادرته.
وفي بادئ الأمر حاول بعض الأشخاص، الذين يحولون وثائقهم في المحكمة المؤقتة، الالتفاف على بيروقراطية «داعش» لكن انتهى بهم المطاف إلى ضرورة الامتثال لها.
وتزوج أبو العباس (22 عاما) بعد مرور فترة صغيرة على سيطرة «داعش» على الموصل. وبدلا من أن يتوجه إلى محكمة تابعة للتنظيم المتشدد طلب من رجل دين الإشراف على مراسم الزواج.
كما تحايل جاره على إجراءات «داعش» لكن تم اكتشاف ذلك من قبل المتشددين الذين جلدوه عقابا له على ذلك. وخوفا من افتضاح أمره قال أبو العباس إنه ذهب إلى محكمة تابعة لتنظيم داعش حيث اختبر قاض معرفته بالإسلام قبل أن يوقع على وثيقة الزواج.
وأضاف عباس: «كانت هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة». وتابع أنه كان ينبغي الاصطفاف أمام إحدى الكبائن لإعادة تسجيل الزواج.
وهذه العملية أساسية ويستخدم فيها رجال الدين الأقلام والأوراق بدلا من وجود قواعد بيانات رقمية. وفي إحدى الكبائن يدخل أحد العاملين البيانات في سجل ورقي مكتوب على غلافه كلمة «كومبيوتر».
ويأمل القضاة ومن يعملون معهم في أن تكون لديهم القدرة على العودة إلى الموصل خلال وقت قصير مع التقدم الذي تحرزه القوات العراقية. وقال أحد معاوني القضاة إن كل شيء متاح لديهم في الموصل بعكس الوضع داخل الكبائن المؤقتة.
ويعاون القضاة في هذه العملية منظمتان غير حكوميتين هما منظمة «قنديل» السويدية التي تعمل في إقليم كردستان والمجلس النرويجي للاجئين.
وبالنسبة للأزواج الذين يسجلون زواجهم للمرة الأولى تؤخذ بصماتهم ثم يتم استدعاؤهم في غرفة أخرى بالكابينة يجلس فيها قاض خلف مكتب مصنوع من البلاستيك ومعه شاهدان. ويسأل القاضي عن تاريخ ميلادهما وزواجهما وقيمة المهر المدفوع للزوجة. ثم يتجه الزوجان إلى المخيم حيث ينتظران استكمال وثائقهما العراقية التي تعني إلغاء وثائق «داعش» وبدء حياة جديدة.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».