الرئيس الغامبي يحيى جامع وافق على التخلي عن السلطة

أعلن الرئيس الغامبي يحيى جامع المنتهية ولايته أنه سيتخلى عن السلطة، وذلك بعد نجاح الوساطة التي قادها الرئيسان الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والغيني ألفا كوندي، وتعهد بأنه سيغادر غامبيا، مما أدى بحكم الأمر الواقع إلى تعليق العملية العسكرية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لكن تواصلت المفاوضات أمس حول شروط رحيله.
العملية العسكرية علقت ليتاح التقدم بـ«الوساطة الأخيرة» التي يقوم بها الرئيسان الغيني والموريتاني. وكانت مجموعة دول غرب أفريقيا حددت ظهر أول من أمس الجمعة موعدًا لإنذار.
وليل الجمعة - السبت ظهر جامع على التلفزيون الحكومي الغامبي، وقال: «قررت اليوم بما يمليه علي ضميري، أن أترك قيادة هذه الأمة العظيمة، مع امتناني الفائق لجميع الغامبيين». وأكد جامع أنه اتخذ بنفسه قرار مغادرته السلطة بعد أزمة استمرت أسابيع، على الرغم من الضغوط القوية التي مارسها قادة دول غرب أفريقيا لدفعه إلى الانسحاب، من خلال حملة عسكرية لهذه المجموعة داخل الأراضي الغامبية. وقال: «لم يمل علي أحد قراري الذي اتخذته اليوم من أجل مصلحتكم العليا، أنتم الشعب الغامبي وبلدنا العزيز».
وكان الرئيس الغامبي المنتخب أداما قد أدى مساء الخميس الماضي اليمين الدستورية داخل مباني السفارة الغامبية بالعاصمة السنغالية دكار، وذلك بعد تعذر إقناع جامع بالتنحي عن الحكم مع انتهاء مأموريته منتصف ليل الأربعاء الماضي، رغم الوساطة التي قادها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في اللحظات الأخيرة.
وهي المرة الثانية التي يزور فيها الرئيس الموريتاني بانجول لمحاولة تسوية الأزمة. وقال قبل أن يغادر نواكشوط إنه خلال الزيارة السابقة «وافق الرئيس جامع على التخلي عن السلطة لمصلحة بلده والشعب الغامبي، وتسارعت الأمور بعد ذلك». وقالت مصادر دبلوماسية إن المبعوث الخاص للأمم المتحدة لغرب أفريقيا محمد ابن شمباس موجود أيضًا في بانجول لدعم جهود الوساطة.
حفل تنصيب الرئيس الجديد بارو جرى بحضور دبلوماسيين أفارقة، وممثلين عن الأمم المتحدة، وتحت إشراف أحد القضاة الفارين من حكم الرئيس المنتهية ولايته، وأكد المتحدث باسم الرئيس الجديد أن حفل التنصيب كان موافقًا لما ينص عليه الدستور الغامبي، إذ تم فوق أراضٍ غامبية وبحضور قضاة دستوريين غامبيين.
وأشارت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن ولد عبد العزيز تمكن من إقناع جامع بإلغاء حالة الطوارئ وسحب الطعن في نتائج الانتخابات المقدم للمحكمة العليا. الرئيس الموريتاني في تصريحات صحافية أدلى بها بعيد خروجه من لقاء جامع يوم الخميس، أكد أن «هنالك أملاً» في حل الأزمة سلميًا، ولكنه لم يفصح عن طبيعة الشروط التي قدمها له جامع مقابل التنحي عن الحكم ولا تفاصيل الحل المقترح من طرفه.
وبخصوص مصير جامع فسبق وأن عرضت عليه نيجيريا، التي تقود الوساطة الأفريقية، منحه اللجوء السياسي مقابل حمايته، ولكن جامع رفض العرض النيجيري، في ظل الحديث عن عروض أخرى مقدمة من موريتانيا والمغرب. كما تذكر موريتانيا وقطر وغينيا الاستوائية بين دول الاستقبال الممكنة.
وبعد محاولات كثيرة لإقناعه، توجه الرئيسان الغيني ألفا كوندي والموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى بانجول الجمعة في وساطة أخيرة. وقال مصدر موريتاني قريب من الملف لوكالة الصحافة الفرنسية مساء الجمعة «على ما يبدو تمت تسوية المشكلة. وافق جامع على ترك السلطة. المفاوضات تدور حول (...) منفاه والشروط التي يجب أن ترافق ذلك».
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد قاد وساطة في اللحظات الأخيرة من مأمورية جامع، التقى فيها بالأخير في محادثات استمرت لعدة ساعات في القصر الرئاسي بعاصمة غامبيا بانجول، ولكن مصادر موريتانية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن جامع قدم «شروطًا تعجيزية» مقابل تنحيه عن الحكم، وهي الشروط التي نقلها ولد عبد العزيز إلى الرئيس المنتخب أداما بارو والرئيس السنغالي ماكي صال، خلال محادثات جمعت الثلاثة في مطار دكار، استمرت لعدة ساعات من ليل الأربعاء - الخميس.
وبسبب الأزمة بدأت موجة نزوح واسعة من المدن الغامبية الكبيرة في اتجاه الأراضي السنغالية، وحتى الآن تتحدث منظمات الهجرة والسلطات السنغالية عن استقبالها لأكثر من 45 ألف لاجئ. وعندما طرح الخيار العسكري لحل الأزمة في غامبيا، أعلن قائد أركان الجيش الغامبي مساء الأربعاء أن جنوده لن يقاتلوا أي قوة عسكرية أفريقية تتدخل في الأزمة السياسية التي تعيشها بلاده، وقال: «لن نتورط عسكريًا في هذه الأزمة السياسية، إنها معركة حمقاء بين السياسيين». وأكد المتحدث باسم الجيش السنغالي الكولونيل عبدو ندياي أن الجيش السنغالي مستنفر وقواته مستعدة للتدخل في غامبيا المجاورة؛ وقال ندياي: «قواتنا مستنفرة وتتدرب منذ بداية الأزمة. إذا فشل الحل السياسي فسنبدأ العمليات في غامبيا». وأضاف ندياي أن «مجموعة غرب أفريقيا هي التي يعود إليها أمر اتخاذ قرار» حول استئناف محتمل للعمليات العسكرية. وذكر مصدر دبلوماسي أن قوات دول غرب أفريقيا ستبقى في المكان حتى رحيل يحيى جامع.
وخلافًا لموريتانيا وهي جمهورية إسلامية على غرار غامبيا منذ إعلان جامع فجأة ذلك في 2015، تنتمي غينيا إلى مجموعة غرب أفريقيا التي أرسل عدد من بلدانها قوات الخميس الماضي إلى الأراضي الغامبية لإجبار جامع على الرحيل. وأطلق على هذه العملية اسم «إعادة الديمقراطية». وقد بدأت بعدما أدى بارو القسم في العاصمة السنغالية دكار التي تستضيفه منذ 15 يناير (كانون الثاني) بطلب من دول غرب أفريقيا.
وتشهد غامبيا البلد الصغير الناطق باللغة الإنجليزية وتحده السنغال من ثلاث جهات باستثناء شريط حدودي صغير يشكل وجهة مفضلة للسياح، أزمة منذ أن أعلن يحيى جامع في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) رفضه تسليم السلطة إلى أداما بارو الفائز في الانتخابات التي جرت في الأول من ديسمبر . ويشكك جامع في نتائج هذا الاقتراع.
وصل جامع إلى الحكم في 1994 على إثر انقلاب من دون إراقة الدماء، ويحكم البلاد منذ ذلك الحين بقبضة من حديد. وعلى الرغم من الضغوط الدولية، وتخلي نائبته وعدد من وزرائه عنه، أصر على التمسك بكرسي الرئاسة ما لم يبت القضاء بالشكاوى الانتخابية.