الحرس الثوري الإيراني في حالة تأهب استعدادا لزيادة أسعار البنزين

تسجيل 73 مليون شخص في قوائم الحصول على المساعدات المالية الحكومية

طوابير الإيرانيين أمام محطات الوقود ({الشرق الأوسط})
طوابير الإيرانيين أمام محطات الوقود ({الشرق الأوسط})
TT

الحرس الثوري الإيراني في حالة تأهب استعدادا لزيادة أسعار البنزين

طوابير الإيرانيين أمام محطات الوقود ({الشرق الأوسط})
طوابير الإيرانيين أمام محطات الوقود ({الشرق الأوسط})

دفعت حالة القلق الشعبي من ارتفاع أسعار البنزين، والشعور بالترقب الناتج عن تنفيذ المرحلة الثانية من إصلاح دعم السلع، قوات الحرس الثوري والتعبئة إلى وضع قواتها في أهبة الاستعداد بطهران، والمدن الكبرى في إيران.
وأعلنت الحكومة الإيرانية خططا لزيادة أسعار مصادر الطاقة وخاصة البنزين، مما أدى إلى ردود فعل واسعة في المجتمع. ودخلت المرحلة الثانية من إصلاح دعم السلع حيز التنفيذ منذ أقل من أسبوعين.
وبينما انتهت ساعات الترقب للإعلان عن الأسعار الجديدة لمصادر الطاقة، شهدت البلاد خلال الأيام الأخيرة إقبالا شديدا من قبل المواطنين على محطات الوقود للقيام بشراء البنزين وتخزينه. واضطر المواطنون إلى الانتظار لساعات في طوابير طويلة، مما أدى إلى زيادة استهلاك البنزين بنسبة 25 إلى 30 مليون لتر خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، وحقق معدل استهلاك البنزين في إيران قفزة وصلت إلى 100 مليون لتر يوميا. وبلغ معدل استهلاك البنزين لأول مرة أعلى مستوياته من ثلاثة أرقام في اليوم الأخير من العام الإيراني الماضي (21 مارس «آذار») من أجل تلبية حاجات المسافرين الذين قاموا برحلات نوروزية خلال عطلة العيد في إيران. وأشار مدير نقابة أصحاب محطات الوقود في إيران، بيجن حاج محمد رضا، إلى ارتفاع حجم بيع البنزين وتكديسه خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، وقال: «توجه الناس إلى محطات الوقود لعدة مرات بهدف شراء البنزين من خلال القيام بنقل البنزين إلى البراميل وحتى علب الماء، والعلب الأخرى. وأدت عملية تخرين البنزين في المنازل إلى انتشار طوابير طويلة أمام محطات الوقود الواقعة في أطراف المدن الكبرى».
وقدم وزير الاقتصاد الإيراني، علي طيب نيا، خلال حوار مع التلفزيون الرسمي الإيراني الأسبوع الماضي، إيضاحات من أجل تحضير الرأي العام بشأن ارتفاع أسعار البنزين. وأشار طيب نيا إلى الاختلاف الشاسع بين أسعار مصادر الطاقة في إيران والدول الأخرى. كما أن هناك اختلافا بين أسعار مصادر الطاقة وسائر السلع في إيران. وقال طيب نيا إن «أسعار البنزين بلغت زيادة بنسبة 120 في المائة للأسعار العالمية في 1971 أي قبل قيام الثورة، غير أن هذه النسبة انخفضت إلى 90 في المائة في 1976. وواصلت أسعار البنزين انخفاضها خلال السنوات التي تلت قيام الثورة، ووصلت إلى 27 في المائة في 2002. بينما انخفضت إلى 16 في المائة مقارنة مع الأسعار العالمية في 2003».
وحققت أسعار البنزين خلال ولاية محمود أحمدي نجاد طفرة، وذلك على خلفية برنامج الدعم الحكومي للسلع الأساسية. وبلغ سعر البنزين في 2005 ثمانية سنتات، وبالتزامن مع وصول أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة وصل سعر البنزين إلى 26 سنتا. وارتفع سعر البنزين بعد إلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية في 2010 بنسبة 50 سنتا، وبلغ سعر البنزين بالسعر غير الحكومي 700 تومان، والسعر الحكومي 400 تومان. وتشير التقديرات إلى أن السعر غير الحكومي للبنزين سيبلغ 1000 تومان، أي 83 سنتا.
وكانت أسعار مصادر الطاقة، وخاصة البنزين، تشكل جزءا بسيطا من نفقات العائلات في إيران، ولكن إلغاء الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وجه صدمة كبيرة للأسواق الإيرانية. وقدمت الحكومة مشروع إلغاء الدعم الحكومي عن السلع الأساسية إلى البرلمان في 2008، ودخلت هذه الخطة حيز التنفيذ في 2010. وألغت الحكومة الدعم عن السلع الأساسية ومصادر الطاقة، وقامت في 2011 بتوزيع نحو 60 في المائة من الدعم على هيئة مبالغ مالية على المواطنين، في حين جرى إنفاق المبلغ المتبقي في المشاريع العمرانية.
وتزامن تنفيذ خطة إلغاء الدعم عن السلع الأساسية، وهي برنامج محفوف بالمخاطر، مع العقوبات المالية والنفطية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد إيران، مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بوتيرة متسارعة في الأسواق الإيرانية. وكشف ارتفاع سعر العملة، والتضخم الناتج عن قيام الحكومة بإدخال السيولة النقدية إلى الأسواق، عن عجز الحكومة عن الوفاء بتعهداتها، والسعي لتسديد عجز الميزانية لدفع المساعدات المالية للناس. أدى هذا العجز في الميزانية إلى ضرورة ارتفاع أسعار البنزين مرة أخرى، وانخفاض نسبة الدعم الحكومي من أجل الحؤول دون تحقيق طفرة في أسعار البنزين مقارنة مع الأسعار العالمية وحتى الإقليمية. وبالنتيجة، فإن الحكومة الإيرانية لن تتمكن من الوفاء بوعودها بتقديم مبالغ مالية بقيمة 20 دولارا شهريا لكل مواطن في إيران. وناشدت الحكومة الإيرانية، بالتزامن مع تنفيذ المرحلة الثانية من إصلاح دعم السلع، منذ أسبوعين، المواطنين الذين ليسوا بحاجة ماسة للحصول على المساعدات المالية عدم التسجيل للحصول عليها. وحض وزير الرفاه الإيراني المواطنين على الانصراف عن تلقي المساعدات، وأطلق وعودا لهم بتوفير خدمة تأمين مجانية لهم. ولكن وفقا لإحصاءات قدمها المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، فإن 73 مليون شخص سجلوا للحصول على المساعدات المالية، في حين انصرف مليونان و400 ألف مواطن عن تلقي المساعدات المالية. بالطبع، فإن هذه النتائج لم تعجب المسؤولين الإيرانيين، وأدت إلى تعميق الشرخ وأجواء عدم الثقة بين الحكومة والمواطنين المستاءين من التداعيات السلبية للسياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومات المختلفة في إيران. وأثارت مناشدة الحكومة الإيرانية المواطنين للانصراف عن تلقي المساعدات المالية هوامش كثيرة، وانتشرت تعليقات في الشبكات الاجتماعية تحض المواطنين على عدم التوجه لتلقي المساعدات المالية. وطرحت مبادرات كثيرة بهذا الشأن مثل أن الأشخاص الذين لا يحتاجون المساعدات المالية يقومون بالتبرع بها للمؤسسات الخيرية والفقراء بعد الحصول عليها. وقامت مجموعة بإنشاء صفحة على «الفيسبوك» تحت عنوان «نطالب بشار الأسد بالانصراف عن تلقي المساعدات المالية»، وذلك في إشارة إلى سياسات الحكومة بالاستثمار في سوريا في الوقت الذي يجري حرمان الشعب الإيراني من التمتع بهذه المصادر. وانتقد المواطنون التصريحات التي أدلى بها وزير الاقتصاد الذي قارن سعر البنزين في إيران بالأسعار العالمية، مشيرين إلى تدني نسبة الدخل السنوي للفرد في إيران قياسا مع المعايير الدولية. وتدل بعض التصريحات الصادرة عن المسؤولين على أن الحكومة تعتزم التدقيق في الحسابات المصرفية للمواطنين من أجل الاطمئنان إلى عدم تلقي الأثرياء مساعدات حكومية. وأثارت هذه القضية انتقادات وقلقا بشأن انتهاك حقوق المواطنين، وزعزعة الثقة بين الحكومة والمواطنين.
ومن المتوقع أن تترافق عملية الإعلان عن أسعار البنزين الجديدة مع وقوع قلاقل في المجتمع، وذلك بالنظر إلى الاستياء الشعبي الواسع من خطة إلغاء الدعم عن السلع الأساسية، وعدم التعاون الشعبي في الانصراف عن تلقي المساعدات المالية.
هذا وأعلن مقر محمد رسول الله، التابع للحرس الثوري في طهران، القيام بـ«مناورة تضم عشرة آلاف شخص» بهدف مواجهة التهديدات الداخلية في مدينة طهران خلال اليومين المقبلين. ونفت قيادات الحرس الثوري أي صلة بين الإعلان عن سعر البنزين الجديد مع مناورة القوات العسكرية، وعدوا هذه المناورات في طهران تأتي في إطار «عملية روتينية» لهذه القوات.
ولا تعد حالة تأهب القوات العسكرية قبل الإعلان عن أسعار البنزين الجديدة في إيران ظاهرة جديدة؛ ففي 18 ديسمبر (كانون الأول) 2010 انتشرت القوات الأمنية والعسكرية في محطات الوقود في أرجاء البلاد لمواجهة الاحتجاجات المحتملة، وذلك بعد أن أعلن محمود أحمدي نجاد في التلفزيون الإيراني تنفيذ المرحلة الأولى من خطة إلغاء الدعم الحكومي عن السلع الأساسية. وأشعل المواطنون في بعض المناطق النيران في عدد من محطات الوقود احتجاجا على الخطة الحكومية.
ويبدو واضحا أن حكومة روحاني تترقب بقلق الردود الشعبية والأسواق على ارتفاع أسعار الطاقة، بل إن كل أركان النظام، منها مرشد الجمهورية الإسلامية والقوات العسكرية، يشعرون بالقلق من تداعيات هذه الخطة، وتتأهب لاحتواء الأوضاع الأمنية في حال وقوع احتجاجات شعبية.



طهران تعقد اجتماعاً يناقش تطورات أفغانستان بغياب كابل

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
TT

طهران تعقد اجتماعاً يناقش تطورات أفغانستان بغياب كابل

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن الاستقرار في أفغانستان لن يتحقق عبر «وصفات مستوردة» أو «قرارات عابرة للأقاليم»، مشدداً على أن «الجيران الحل الأمثل والأكثر موثوقية».

وعقدت وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، اجتماعاً بعنوان «مراجعة التطورات بأفغانستان» بمشاركة دبلوماسيين من جيران أفغانستان وروسيا، في ظل غياب ممثلين عن الجانب الأفغاني. وقالت الخارجية الإيرانية إن كابل دُعيت لكنها لم تحضر، مشيرة إلى مشاركة روسيا والصين وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان وتركمانستان في الاجتماع.

وقال عراقجي: «لا يمكن لأي وصفة عابرة للأقاليم أن تحل المشاكل والأزمات الإقليمية»، مضيفاً أن التجارب السابقة أظهرت أن «المقاربات الخارجية والوصفات المفروضة لا تؤدي إلى الاستقرار ولا تضمن التنمية المستدامة»، في إشارة إلى «تجربة التدخل العسكري ووجود حلف الناتو في أفغانستان على مدى عقدين»، وما أعقب ذلك من «انسحاب متسرع في عام 2021»، حسب وكالة «إرنا» الرسمية.

واعتبر عراقجي أن استقرار أفغانستان وتنميتها «ضرورة استراتيجية للمنطقة بأسرها»، مشيراً إلى أن موقعها «في قلب شبكات الاتصال في آسيا الوسطى وغرب آسيا وجنوب آسيا» يمنحها إمكانيات اقتصادية ولوجيستية، وتحدث عن أهمية «دمج أفغانستان في العمليات السياسية والاقتصادية للمنطقة» وبناء الثقة بين دولها عبر «الحوار البناء» و«الآليات المحلية» والتعاون المستدام.

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)

كما أعلن استعداد بلاده «لتوسيع تعاونها مع جميع الدول المجاورة لأفغانستان» في مجالات من بينها النقل والتجارة والطاقة والخدمات القنصلية، ودعا إلى «آليات حوار منتظمة» بين دول الجوار لتنسيق السياسات والبرامج الاقتصادية والحدودية والإنسانية وخفض التوترات، معتبراً أن المنطقة «على أعتاب تطورات اقتصادية مهمة» قد تفتح «مرحلة جديدة في التعاون الإقليمي».

وبعد الاجتماع، قال عراقجي للتلفزيون الرسمي إن طهران ترى أن «الحل الإقليمي فقط يمكن أن يساعد»، ولفت إلى أن إدراج أفغانستان في «مسار تقارب مع المنطقة» يصب في مصلحة كابل ودول الجوار، مضيفاً أن اجتماع طهران عقد لهذا الهدف بهدف «تقريب وجهات نظر» دول الجوار تمهيداً لبحث توسيع التعاون عبر «تفاعل منتظم» مع الحكومة الأفغانية، معرباً عن تفاؤله بنتائج «إيجابية»، ونقل مخرجات الاجتماع إلى كابل.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن إيران «وجهت الدعوة إلى جميع الدول المعنية للمشاركة في هذا الاجتماع، بما في ذلك أفغانستان». وأضاف: «كنا نرغب في مشاركة أفغانستان في الاجتماع... غير أننا نحترم قرارها بعدم المشاركة».

وأوضح أن الاجتماع جاء نتيجة «مشاورات جرت خلال الأسابيع الماضية» بين إيران ودول الجوار الأفغاني، وأنه يأتي بصيغة مشابهة لاجتماعات سابقة لمتابعة التطورات المرتبطة بأفغانستان، مشيراً إلى مرور نحو عامين من دون عقد اجتماع مماثل على مستوى وزراء الخارجية.

وقال إن الهدف هو «الحوار وتبادل وجهات النظر حول تطورات أفغانستان»، وإن «جميع القضايا والأحداث المرتبطة بهذا البلد ستناقش بطبيعة الحال». وأشار إلى أن «بيئة الجوار» تحظى بأهمية خاصة لإيران، لافتاً إلى أن الأمن والاستقرار في شرق البلاد «مسألة محورية»، وأن إيران تشترك بنحو ألفي كيلومتر من الحدود مع أفغانستان وباكستان، وأن أي توتر بين البلدين «ينعكس بالضرورة» على إيران ويثير مخاوف لدى دول أخرى في المنطقة.

وتطرق بقائي إلى اجتماع عُقد الأسبوع الماضي بين مجموعات المعارضة الأفغانية، قائلاً إن إيران ترى أن حل القضايا المتعلقة بأفغانستان يمر عبر «الحوار والتفاعل بين مختلف الأطراف»، وأن الحل في أفغانستان يكمن في «حوار أفغاني - أفغاني».

وأضاف أن عقد اجتماع جيران أفغانستان في طهران يعكس قناعة بلاده بضرورة «تعزيز التفاهم وبناء الثقة» بما يساعد على ترسيخ الاستقرار والأمن.


طهران: قواتنا المسلحة في حالة جاهزية كاملة لأي طارئ

بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
TT

طهران: قواتنا المسلحة في حالة جاهزية كاملة لأي طارئ

بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)

قالت إيران إن قواتها المسلحة في حالة جاهزية كاملة للتعامل مع أي طارئ، في وقت أكدت فيه استمرار اتصالاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشددة على أن الدبلوماسية ما زالت إحدى أدواتها الأساسية لصون «المصالح الوطنية»، رغم ما وصفته بتعاملها مع أطراف لا تولي أي قيمة للتفاوض.

ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مرة أخرى وجود وساطة بالمعنى التقليدي بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة، وقال خلال مؤتمر صحافي أسبوعي، الأحد، إن «أساس تعامل إيران مع الوكالة الذرية يقوم على القانون الذي أقره البرلمان، والذي يحدد إطار التعاون بشكل واضح»، حسبما نقلت وكالة «إرنا» الرسمية.

وتعليقاً على أحدث تصريحات المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، الذي جدّد مطالبة طهران بالكشف عن مصير مخزون اليورانيوم عالي التخصيب واستئناف عمل المفتشين، قال بقائي إن تكرار هذه التصريحات «لا يغير من الواقع شيئاً»، داعياً غروسي إلى توجيه الاهتمام إلى «الأطراف المسؤولة عن الوضع الحالي».

وقال إن «تجاهل الهجمات التي طالت المنشآت النووية السلمية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، والاكتفاء بمخاطبة طرف واحد، نهج غير منصف ولا يمكن أن يسهم في حلّ الأزمة»، داعياً الوكالة إلى الالتزام بمقاربة فنية بحتة في التعامل مع الملف الإيراني.

وشنَّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً غير مسبوق على منشآت استراتيجية في إيران، ما أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري»، الجهاز الموازي للجيش النظامي، إضافة إلى مسؤولين وعلماء في البرنامج النووي الإيراني. وأشعلت تلك الضربات حرباً استمرّت 12 يوماً بين البلدين، شاركت خلالها الولايات المتحدة بقصف 3 مواقع نووية داخل إيران.

وعقب الهجمات، علقت إيران تعاونها مع الوكالة الذرية، وقيدت وصول مفتشيها إلى المواقع المستهدفة، منتقدةً عدم إدانة الوكالة للهجمات. كما ربط قانون أقرّه البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) دخول المفتشين بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي.

وفي سبتمبر (أيلول)، اتفقت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بوساطة مصرية على إطار عمل جديد للتعاون، غير أن طهران أعلنت لاحقاً اعتباره لاغياً، بعد أن فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مسار إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

عراقجي ونائبه مجيد تخت روانتشي خلال محادثات مع غروسي على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك... سبتمبر الماضي (الخارجية الإيرانية)

وخلال الأسابيع التالية، أجرى وزير الخارجية المصري اتصالات مع نظيره الإيراني ومدير الوكالة الذرية، في محاولة لإحياء «تفاهم القاهرة» واحتواء التوتر، لكن إيران أعلنت رسمياً طي هذا المسار رداً على قرار مجلس محافظي الوكالة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي دعاها إلى التعاون مع المفتشين الدوليين.

وسبق ذلك تأكيد مسؤولين إيرانيين انتهاء الاتفاق، فيما أبدت طهران استعدادها قبل قرار المجلس لبحث وساطة صينية - روسية، بهدف استئناف التعاون مع الوكالة الذرية.

وقبل الهجمات على منشآتها النووية، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تمتلك نحو 441 كيلوغراماً من هذه المادة عند اندلاع الحرب، قبل أن يتعذر عليها التحقق من المخزون منذ 13 يونيو.

وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة مدنية لهذا المستوى من التخصيب، فيما تقول الوكالة الذرية إن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة على سلاح نووي التي تخصّب اليورانيوم عند نسبة 60 في المائة.

وفي أواخر أكتوبر(تشرين الأول)، قال غروسي إن إيران لا تبدو منخرطة حالياً في تخصيب نشط، لكنه أشار إلى رصد تحركات متجددة في مواقع نووية، وسط تقارير غربية عن تسريع أعمال بناء في منشأة تحت الأرض قرب نطنز.

غموض المسار التفاوضي

ويسود الغموض بشأن مستقبل المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية، التي أعادت فرض العقوبات الأممية على طهران اعتباراً من نهاية القرار 2231 في 18 أكتوبر الماضي.

وكانت طهران وواشنطن قد قطعتا شوطاً في 5 جولات تفاوضية حول الملف النووي، وإمكانية التوصل لاتفاق جديد، لكن المفاوضات دخلت مرحلة جمود بعد حرب الـ12 يوماً، رغم تمسك الجانبين بخيار التسوية، كل وفق شروطه.

وتشترط واشنطن على إيران وقف تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية، ووقف دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، وهي مطالب تقول طهران إنها «مرفوضة وغير قابلة للتفاوض».

ورداً على أسئلة حول الغموض الذي يلف المسار الدبلوماسي، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية، قال بقائي إن إيران أظهرت «اقتدارها وقدراتها» في مختلف المجالات، منوهاً أن الدبلوماسية ستبقى أحد الخيارات المتاحة «متى ما توفرت الظروف المناسبة». لكنه أشار في المقابل إلى أن طهران «تواجه أطرافاً لا تعطي وزناً للتفاوض».

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس الماضي، للصحافيين، إنه يسعى بقوة إلى اتفاق مع إيران، لكنه حذر من أن طهران ستواجه هجوماً أميركياً جديداً إذا عادت إلى أنشطتها النووية. وأشار إلى أن إيران كانت على مقربة من امتلاك سلاح نووي، لكنها ابتعدت عن ذلك بعد الضربات التي شنّتها قاذفات «بي-2» الشبح.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في المكتب البيضاوي بينما وضع أمامه مجسماً من قاذفات «بي 2» التي قصفت منشآت إيران النووية 6 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

ونبّه بقائي أن القوات المسلحة الإيرانية «في حالة جاهزية كاملة للتعامل مع أي طارئ أو مغامرة»، مضيفاً أن خصوم إيران «يدركون هذه القدرات»، معتبراً أن ما وصفه بالدفاع خلال حرب الاثني عشر يوماً «لا يترك مجالاً للغموض».

وقال بقائي أيضاً إن استمرار أمانة الأمم المتحدة وبعض أعضاء مجلس الأمن في الاستناد إلى القرار 2231 «لا يستند إلى أي أساس قانوني»، مشيراً إلى أن القرار «انتهى مفعوله». وأضاف أن التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة «أعدّ استناداً إلى قرار لم يعد قائماً من الناحية القانونية»، لافتاً إلى أن دولتين دائمتين في مجلس الأمن تشاركان طهران هذا التقييم، في إشارة إلى الصين وروسيا.

واتهم المتحدث الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) باللجوء إلى آلية تسوية النزاع في الاتفاق النووي «بدوافع سياسية وتحت ضغط الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن هذا المسار «لا تترتب عليه أي آثار قانونية». وقال إن الصين وروسيا تتبنيان موقفاً مماثلاً، محذراً من أن الإصرار على مواصلة هذا النهج «سيؤدي إلى تعميق الانقسام القانوني داخل مجلس الأمن».

وفي سبتمبر الماضي، فشل قرار دفعت به روسيا والصين، أمام مجلس الأمن لتمديد القرار 2231.

وانتقد بقائي ما وصفه بـ«غياب الاستقلالية» في سياسات بعض الدول الأوروبية خلال العامين الماضيين، معتبراً أن تعاملها مع الملف النووي الإيراني «حوّلها عملياً إلى أداة لخدمة الأهداف الأميركية»، متهماً واشنطن بالسعي وراء إثارة الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.

إيران وفنزويلا

وفي سياق منفصل، تطرق بقائي إلى التوتر مع الولايات المتحدة بشأن فنزويلا. وقال إن واشنطن «لا تملك أي أساس قانوني» لاحتجاز ناقلة نفط فنزويلية، رافضاً مزاعم واشنطن بأن الناقلة كانت تنقل نفطاً إلى إيران عبر السوق السوداء.

كما اتهم واشنطن بمحاولة ربط إيران بالأوضاع في فنزويلا، قائلاً إن هذه الادعاءات «لا تستند إلى أي وقائع»، مضيفاً أن فنزويلا «دولة مستقلة ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية».

وأضاف أن الولايات المتحدة «لها سجل طويل من التدخل في أميركا اللاتينية»، وأن ما يجري «ينتهك مبادئ القانون الدولي».

وفي ما يتعلق بتوقيف ناقلة فنزويلية وسفينة صينية، قال إن استخدام القوة ضد سفن تجارية «لا يملك أي مبرر قانوني»، مشيراً إلى أن إيران «ستستخدم الأدوات المتاحة لحماية مصالحها».

وحول تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» عن هجوم أميركي على سفينة إيرانية كانت متجهة من الصين إلى إيران، قال بقائي إن طهران لم تتلقَّ حتى الآن تأكيداً رسمياً من الجهات المختصة.


حكومة نتنياهو تُوزع الاتهامات عن هجوم سيدني... وتستثني نفسها

TT

حكومة نتنياهو تُوزع الاتهامات عن هجوم سيدني... وتستثني نفسها

رجال شرطة بعد حادث إطلاق نار في شاطئ بوندي بمدينة سيدني الأسترالية يوم الأحد (أ.ف.ب)
رجال شرطة بعد حادث إطلاق نار في شاطئ بوندي بمدينة سيدني الأسترالية يوم الأحد (أ.ف.ب)

في الوقت الذي ترفض فيه دول العالم، بما فيها العربية والمسلمة، الهجوم على احتفال بعيد الأنوار اليهودي (الحانوكا) في مدينة سيدني الأسترالية، تصرّ الحكومة الإسرائيلية على استغلال الحادث المأساوي سياسياً.

والمتابع للساحة الإسرائيلية، يفهم أن غرض حكومة بنيامين نتنياهو الأول من ذلك هو صدّ الاتهامات لها بأنها تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية عن الكراهية للإسرائيليين واليهود في العالم، جرّاء ما ارتكبته من جرائم في غزة.

ومنذ اللحظات الأولى للهجوم، خرج جميع المسؤولين الإسرائيليين بتصريحات توزع الاتهامات لحكومة أستراليا بإهمال أمني كبير أتاح تنفيذ هذه العملية الإرهابية، والتشديد على أنهم قالوا إنهم كانوا قد حذّروا أستراليا من الارتفاع الهائل في عدد الاعتداءات على يهود ومؤسسات يهودية في البلاد.

صورة من مقطع فيديو يظهر فرار المئات من حادث إطلاق النار في أستراليا يوم الأحد (أ.ف.ب)

وأعلن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أنه يُحمّل الحكومة الأسترالية مسؤولية ما وصفه بـ«التقاعس في مواجهة معاداة السامية»، مؤكداً أن التحريض المستمر وترك الساحات العامة دون ردع أدى إلى هذا الهجوم.

كما دعا المجتمع الدولي إلى التعامل مع الاعتداء بوصفه هجوماً إرهابياً يستهدف اليهود أينما وجدوا.

وكذلك جاء تعليق نتنياهو متناغماً، فقال إن هذا الهجوم نتيجة تساهل الحكومة الأسترالية مع «العداء للسامية».

أما وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، فقال إن الهجوم نتيجة مباشرة لاعتراف حكومة أستراليا بالدولة الفلسطينية، في حين رأى وزير الخارجية، جدعون ساعر، أن الهجوم «كان متوقعاً، في ظل سنتين من المظاهرات والشعارات المعادية لليهود في شوارع سيدني»، مشدداً على أن «التساهل مع دعوات (عولمة الانتفاضة) يفضي في النهاية إلى العنف المسلح.

وطالب ساعر الحكومة الأسترالية باتخاذ خطوات فورية وحازمة.

كما زعمت مصادر أمنية في تل أبيب، أن هناك «بصمات إيرانية لهذا الهجوم، لكن الخارجية الإيرانية نددت بالهجوم ووصفته بأنه (إرهابي)».

ونقل التلفزيون الإيراني عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي قوله: «نُدين الهجوم العنيف في سيدني بأستراليا، ويجب رفض وإدانة الإرهاب وقتل البشر أينما ارتُكب».

وبدا واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية تُحاول تفادي اتهامها بالمسؤولية عن انتشار مظاهر الكراهية والحقد ضد الإسرائيليين واليهود في العالم بسبب الحرب على غزة، وما ترافق معها من جرائم قتل وإبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع خلال سنتين بلا توقف، ما تسبب في قتل أكثر من 70 ألفاً بينهم 25 ألف طفل، فضلاً عن المجاعة والتدمير الشامل.

الاعتداءات تضاعفت 5 مرات

وتُقدر الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية بأن هناك 138 ألف يهودي في أستراليا.

وظلّت أستراليا ساحة هادئة وخالية تقريباً من أي اعتداءات على اليهود والمؤسسات اليهودية طيلة 19 عاماً (من 1995 وحتى 2014)، لكنها بدأت تشهد اعتداءات متنامية منذ الحرب على غزة في 2014.

منظر عام للمعبد اليهودي في جنوب سيدني بأستراليا يوم 10 يناير 2025 بعد محو كتابات غرافيتي معادية للسامية (إ.ب.أ)

وحسب الإحصائيات الإسرائيلية نفسها، فإن معدل الاعتداءات ضد اليهود في أستراليا تضاعف 5 مرات منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ردّاً على «هجوم حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ففي سنة 2024، نفذت 1654 اعتداءً على مؤسسات وبيوت وأشخاص يهود. وارتفع هذا العدد إلى 2024 اعتداءً في سنة 2025.

وبسبب هذه الاعتداءات، ارتفع عدد اليهود الذين هاجروا من أستراليا إلى إسرائيل بنسبة 47 في المائة، إذ هاجر 125 في سنة 2023، وارتفع عدد المهاجرين إلى 200 في سنة 2024 وأكثر من 200 حتى شهر سبتمبر (أيلول) 2025.

وتسببت تلك المؤشرات، حتى قبل توثيقها، في دفع كثير من دعاة التعقل والسلام في إسرائيل إلى التحذير من تداعيات الصور التي انتشرت في العالم عن بشاعة ووحشية الممارسات الإسرائيلية في غزة.

وفي تقدير هؤلاء، تسببت جرائم القتل والتجويع وقطع الماء والكهرباء وتدمير المستشفيات وإحراق الخيام وأهلها الفلسطينيين الأحياء وغرق الخيام في الأمطار وموت الأطفال من البرد، في ارتفاع مذهل في الكراهية لإسرائيل وحتى لليهود في العالم.

ورغم التشديدات الأمنية المتزايدة حول العالم لمنع جرائم معاداة اليهود، فإن التقديرات تشير إلى أن «الحل يكمن في تبني سياسة سلمية للصراع، لوضع حد لهذه الكراهية، وإحداث تحول إيجابي في حياة شعوب الشرق الأوسط».

ومع ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية سياستها الحربية العدوانية والتهرّب من الالتزام بالسلام، محاولةً التملص من مسؤوليتها عن معاداة اليهود، من خلال نشر دعاية تصوّرها على أنها مجرد «عداء للسامية».