بوادر انفراج مصري ـ أميركي والإفراج عن الـ«أباتشي»

كيري يؤكد للكونغرس حفاظ القاهرة على العلاقات الاستراتيجية المشتركة

وزير الخارجية المصري نبيل فهمي
وزير الخارجية المصري نبيل فهمي
TT

بوادر انفراج مصري ـ أميركي والإفراج عن الـ«أباتشي»

وزير الخارجية المصري نبيل فهمي
وزير الخارجية المصري نبيل فهمي

توالت أمس المؤشرات عن تحسن ملحوظ في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وانفراجة كبرى بعد فترة فتور امتدت لأكثر من تسعة أشهر منذ عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي في مطلع شهر يوليو (تموز) الماضي، وشهدت تعليق مساعدات عسكرية وإلغاء مناورات مشتركة بين البلدين.
وفي وقت أعلنت فيه القاهرة عن توجه وزير الخارجية المصري نبيل فهمي إلى الولايات المتحدة، أعلنت الخارجية الأميركية عن لقاء على جدول الأعمال بين وزير خارجيتها جون كيري ومدير المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامي في واشنطن مساء أمس. وذلك غداة اتصال هاتفي بين وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، ونظيره المصري الفريق صدقي صبحي، أبلغه خلاله قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما باستئناف جزء من المساعدات العسكرية، متمثلا في تسليم القاهرة عشر طائرات هليكوبتر هجومية من طراز «آباتشي» خلال أسابيع، إضافة إلى طائرة أخرى مملوكة لمصر كانت تخضع للصيانة في أميركا، وذلك في إطار دعم الجهود المصرية في مكافحة الإرهاب.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن «الإدارة الأميركية ترى أن تلك الطائرات ستساعد مصر في حربها ضد العناصر المتطرفة التي تمثل تهديدا لمصر والولايات المتحدة وللمنطقة»، مشيرا إلى «هذا القرار يأتي في إطار جهود الرئيس الأميركي الأوسع للتعاون مع الشركاء في المنطقة لإعادة بناء قدراتهم في مكافحة الإرهاب؛ وهو ما يصب في صالح الأمن القومي الأميركي». وأضاف كيربي أن «هيغل حث صبحي على ضرورة إحراز تقدم تجاه مزيد من مشاركة كل الأطياف السياسية واحترام حقوق الإنسان والحريات لكل المصريين».
ووصفت رئيسة لجنة المخصصات بمجلس النواب الأميركي كاي غرانغر، والمسؤولة عن المساعدات الخارجية، قرار أوباما إرسال الطائرات لمصر بـ«المشجع»، ونقلت عنها وكالة أنباء الشرق الأوسط قولها إن «القرار جاء في وقت هام بالنسبة لمصر، خصوصا وهي تمضي قدما نحو إجراء انتخابات (رئاسية ثم برلمانية)، وفي الوقت الذي تواجه فيه تحديات أمنية». وأنه «يتعين على الولايات المتحدة التعاون مع الحكومة المصرية ودعم الشعب المصري، في الوقت الذي تتجه فيه مصر نحو المسار الديمقراطي وتشكيل حكومة ديمقراطية».
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت الخارجية الأميركية أمس أن الوزير كيري استقبل مدير المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامي، وجرى اللقاء في وقت متأخر من مساء أمس. وسط توقعات أن يتطرق الاجتماع إلى بحث جهود مكافحة الإرهاب، وربما عرض الرؤية المصرية التي تشير إلى وجود ارتباط بين جماعة «الإخوان المسلمين» والمنظمات المسلحة التي ظهرت حديثا وتتبنى عمليات إرهابية في مصر، على غرار «أنصار بيت المقدس» و«أجناد مصر».
في وقت أشارت فيه المتحدثة الرسمية للخارجية جين بساكي إلى أن كيري أجرى اتصالا بنظيره المصري، أوضح خلاله أنه بصدد تقديم «إقرارين عامين إلى الكونغرس الأميركي، فيما يخص التزام مصر بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة - متضمنة جهودها في مكافحة الإرهاب الدولي، وكذلك التزامها بتعهداتها تجاه معاهدة السلام مع إسرائيل».
وأضافت بساكي أن كيري أكد على أن مصر تبقى دائما شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة، إلا أنه نوه إلى أنه «ما يزال غير قادر على الإقرار أن القاهرة تتخذ خطوات لتعضيد عملية الانتقال الديمقراطي، بما تتضمنه من انتخابات حرة وشفافة، وتقليص القيود المفروضة على حرية إبداء الرأي».
على الجانب الأخر، أكد المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، السفير بدر عبد العاطي، أن الوزير نبيل العربي يعتزم التوجه «خلال ساعات» إلى الولايات المتحدة، ولقاء نظيره الأميركي، في أول لقاء «رسمي» بين الوزيرين في واشنطن منذ عزل مرسي. ويذكر أن الوزيرين التقيا على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال عبد العاطي أمس إن فهمي سيتوجه إلى الولايات المتحدة في زيارة تشمل كلا من سان فرانسيسكو والعاصمة واشنطن، يجري خلالها مباحثات مع كيري، تتناول العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والكثير من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والملفات الإقليمية والدولية الهامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتطورات الأزمة السورية، وعدد من القضايا الأفريقية وقضايا الأمن الإقليمي بما فيها إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، فضلا عن إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن وقضية التغير المناخي.
وأوضح عبد العاطي أنه من المقرر أن يلتقي فهمي خلال الزيارة عددا من المسؤولين في الإدارة الأميركية، بما في ذلك أعضاء بارزين من الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، إلى جانب مجموعة من قادة الفكر والرأي بمراكز الأبحاث والفكر المؤثرة، كما يعتزم إجراء مقابلات مع عدد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لنقل صورة تعكس حقيقة التطورات على الساحة السياسية المصرية ورؤية مصر للقضايا الإقليمية والدولية. كما يجري أيضا الإعداد لتنظيم لقاء يجمع بين الوزير فهمي وسكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون بهدف تناول عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.