«ديلفو» جوهرة تغلفها بلجيكا بالسرية حفاظًا على نخبويتها

مصممة الحقيبة كريستينا زيللر: يصعب التحكم في انتشارها مع الوقت لكن نستطيع السيطرة على جودتها وتفردها

كريستينا زيللر في مكتبها  -  يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
كريستينا زيللر في مكتبها - يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
TT

«ديلفو» جوهرة تغلفها بلجيكا بالسرية حفاظًا على نخبويتها

كريستينا زيللر في مكتبها  -  يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم
كريستينا زيللر في مكتبها - يتم الانتباه إلى كل شائبة والتخلص منها قبل تحويل القطعة الجلدية للدباغة وقسم التصميم

قبل أن تولد «هيرميس» بثماني سنوات، وبلجيكا كملكية دستورية بعام، ولدت «ديلفو» في عام 1829، مما يجعلها أقدم دار إكسسوارات في العالم. صحيح أن اسمها ليس متداولاً في ساحة الموضة، إلا أن الدار تتعمد ذلك خوفًا عليها من الاستهلاك، إضافة إلى أنها كانت - ولا تزال - مفخرة بلجيكا، تمامًا مثلما هي «هيرميس» بالنسبة لفرنسا و«لويفي» لإسبانيا. مصممتها كريستينا زيللر تقول إن أحد أسباب عدم شهرتها يعود إلى شخصيتها البلجيكية التي لا تميل إلى نفش ريشها والتغني بنفسها «بيد أن ما تعرفه أية بلجيكية من الطبقات الأرستقراطية أو العامة أن حقيبة تحمل توقيع (ديلفو) هي أغلى هدية تُقدم عند التخرج، أو عندما تبلغ الفتاة الـ18 من عمرها». فهي تُسجل أهمية المناسبة من جهة، كما تبقى معها إلى الأبد لتورثها لبناتها من جهة ثانية، لا سيما أن تصاميمها كلاسيكية وجلودها فاخرة تتحدى الزمن.
هذا تحديدا ما تشعر به وأنت تتطلع إلى صور التقط بعضها في الخمسينات من القرن الماضي تُزين حائطًا كاملاً في مقرها الرئيسي ببروكسل، وتُعطيك الانطباع كما لو أنها التقطت بالأمس القريب.
مقر الدار تم ترميمه وافتتاحه أخيرًا بمعمار عصري للغاية، بنوافذ عالية تصل إلى السقف، ومساحة شاسعة تشمل الطابق الأرضي، حيث يوجد في جانب منه مخزن يحتوي على كميات هائلة من كل أنواع الجلود المترفة، وفي جانب آخر المعمل الذي تتم فيه عمليات تنفيذ وإنهاء رؤية كريستينا زيللر وفريقها. امرأة لا تستطيع أن تخمن عمرها الحقيقي، وكل ما تشي به، بطولها الفارع وأناقتها اللافتة، أنها قد تكون عارضة أزياء سابقة. في الطابق الأول، حيث توجد مكاتب الرسم والإبداع، استقبلتني بقميص أبيض بسيط وبنطلون أسود واسع يغطي نصف الساق، بينما غطيت أصابعها بخواتم هندسية مبتكرة تذكرك بأننا في بلجيكا، عاصمة التصميم الحداثي. وعلى شماعة خلفها، علقت معطفًا واسعًا لا يقل حداثة من تصميم البلجيكي راف سيمونز.
تكتشف سريعًا أن كريستينا زيللر بالفعل وُلدت في وسط يتنفس الموضة. فوالدتها كانت عارضة أزياء مشهورة في الخمسينات من القرن الماضي، ومنها ورثت جيناتها وحبها للأناقة.
ورغم أن كريستينا درست الصحافة، وبالتالي فهي ليست مصممة أزياء بالمعنى المتعارف عليه، فإن هذا لم يمنع «ديلفو» من الاستعانة بخبرتها الطويلة في مجال الموضة. خبرة اكتسبتها من العمل في دور أزياء كبيرة، مثل موسكينو في الثمانينات، ثم كريستيان لاكروا وكارل لاغرفيلد وجيفنشي. في هذه الأخيرة، عملت لعشر سنوات تقريبًا، وكانت لها يد كبيرة في طرح حقائب حققت نجاحات تجارية، مثل «أنتيغونا» و«باندورا» وغيرهما. تشرح لي أن العمل التجاري والإداري هما خلفيتها المهنية، لكنها تضيف ضاحكة:
«أنا مثل الحرباء، يمكنني أن أتأقلم مع أي وضع جديد. عندما عملت مع كارل لاغرفيلد، مثلاً، كانوا ينادونني بمدام كارلا تفكهًا لأني تقمصت الدور جيدًا، وعندما التحقت بـ(ديلفو)، انتابني شعور غامر بأنها تعكس شخصيتي، وتمثلني إلى حد أني لم أبذل أي مجهود يُذكر للتأقلم معها».
كلما زاد الحديث معها، تتأكد أن «ديلفو» كانت لها نظرة ثاقبة في اختيارها، ليس لما تُمثله من ذوق رفيع فحسب، بل أيضًا لفهمها ما تريده المرأة.
ورغم أن زيللر هي سفيرة الدار، بمعنى أنها تمثل قسم التصميم، فهي لا تدعي أنها مصممة بالمعنى المتعارف عليه. فالدار كما تقول «تتوفر على مصممين متخصصين، فيما تقتصر مهمتي على الإشراف عليهم وقيادتهم». وتتابع بسرعة: «ثم إننا لسنا مطالبين بتقديم تصاميم ثورية بقدر ما نحن مطالبون بتطوير ما هو موجود في أرشيفنا الغني. فنحن نتناقش بشكل منتظم، إن لم نقل يومي، للوصول إلى نتيجة تُرضي كل الأطراف، والأهم من هذا لا ننسى أبدًا أصالة الدار وعراقتها».
تواضعها وعدم ادعائها أنها تطمح لإبداع تصاميم مبتكرة وثورية في عالم التصميم، يشير إلى تشبعها بالثقافة البلجيكية، خصوصًا عندما تضيف أنها أدركت منذ أول يوم التحقت فيه بـ«ديلفو»، في عام 2011، أن مهمتها تنحصر في أخذ الدار إلى مرحلة جديدة، بالبناء على ما هو موجود، بمعنى تطويره و«عصرنته»، لا أكثر ولا أقل.
في الوقت ذاته، لا تخفي أن نقلتها من بيوت أزياء معروفة تمتلكها مجموعات ضخمة لها إمكانيات تسويق عالمية إلى دار لا تعرفها سوى النخبة، كانت شجاعة من قبلها. فهي نفسها لم تكن تعرف عن «ديلفو» سوى أنها دار بلجيكية تصمم حقائب مترفة ونخبوية للغاية، لكن «ما إن قمت بأبحاث عن تاريخها، وتعرفت على مبادئها عن قرب، حتى وقعت في غرامها». وتكرر أن ما شدها أكثر إليها أنها غير مستهلكة، ولا تزال مغلفة بالسرية «مثل جوهرة قيمة لا تتطلب سوى القليل من التلميع والصقل لإخراجها من المحلية»، مضيفة: «وكونها لم تتوسع لتصميم الأزياء، مثل (هيرميس) و(لويس فويتون) يُحسب لها، وليس ضدها». فهذا يعني أن التركيز ينصب على تقديم حقائب متميزة وفريدة من نوعها. أما التحدي بالنسبة لكريستينا حاليًا «فلا يكمن في الانتشار، بل في الاستمرار والحفاظ على النجاح الذي حققناه»، آخذة بعين الاعتبار أهمية ألا تقع في مطب الغرف الحرفي من الأرشيف. فهي تستقي عناصر معينة، مثل الإيزيم أو مسكة اليد، لتطويرها، وتضيف إليها خامات وألوانًا جديدة تُكسبها ديناميكية هي كل ما تحتاجه لدخول المنافسة العالمية. فهي كما تشرح لا تريد أن تقدم تصاميم بطابع الـ«فينتاج» الذي «قد يبدو رائعًا عندما تكون المرأة صغيرة في العشرينات من العمر تسرق معطفًا من خزانة جدتها أو إكسسوارات من صندوقها القديم، لكن هذه ليست هي زبونتنا».
لكن يبقى السؤال عما إذا كانت ستنجح في الحفاظ على نخبوية الدار وتفردها، وفي الوقت ذاته تحقيق الأرباح. فهذه هي المعادلة التي تسعى إليها مستشهدة بامرأة قابلتها في حفل عشاء في شانغهاي، لم تسمع عن الدار من قبل، لكن خرجت من الحفل وهي معجبة بمبادئ الدار البلجيكية، ولم تُقاوم نشر رسالة على «إنستغرام» في اليوم التالي، تقول فيها: «ديلفو ماركة المرأة التي لا تحتاج إلى ماركة»؛ جملة لخصت بالنسبة لكريستينا ما تقوم عليه الدار منذ بدايتها إلى اليوم.
المتتبع لتاريخ الدار يتبين أنها شهدت عدة تغيرات منذ تأسيسها في عام 1829، لكن تبقى أصالتها وعراقتها على رأس أولوياتها دائمًا.
فقد تخضع معاملها البلجيكية لعمليات تجميل تتجلى في معمارها العصري والآلات الحديثة، إلا أن تقنياتها لا تزال تحترم طرق دباغة تحترفها منذ أكثر من قرن، إلى جانب تقنيات تقليدية خاصة بها لمعالجة الجلود. فهي، مثلاً، لا تزال تتعامل مع كل سنتمتر على حدة، تتخلص من شوائبه حتى لو كانت مجرد نقطة أو خطًا رفيعًا لا تراهما العين المجردة. وتشمل العملية الحقيبة من الداخل والخارج على حد سواء، فيما قد تستغرق أكثر من 25 ساعة من العمل اليدوي عليها، علمًا بأن حقيبة واحدة يمكن أن تتكون من 64 جزء حتى تأتي متكاملة من كل الجوانب، ومن ثم تستحق مكانتها في سوق الترف والرقي. كل هذا من دون مبالغات تستجدي لفت الانتباه لأن الأناقة بالنسبة لـ«ديلفو» ترادف البساطة.
عندما أذكرها بمجموعة «بوسيير ديتوال» Poussière d’étoiles التي طرحتها نهاية العام الماضي، وكانت جريئة بنقشاتها الذهبية والهندسية المستوحاة من الفنان غوستاف كليمت، مشيرة إلى أنها كانت موجهة لأسواق تعشق كل ما يلمع ويشي بالفنية، تسارع بتصحيحي قائلة «كونها تعتمد على أشكال فنية وهندسية يجعلها لا تتعارض أبدًا مع مفهوم الأناقة الراقية التي أقصدها. ثم لا تنسي أنه لا بد من تحقيق نوع من التوازن بين الفني والتجاري، أي أن نبيع حقائبنا حتى تُستعمل وإلا ما الفائدة منها؟ المهم أن النجاح التجاري لا يجب أن يأتي على حساب الذوق، وهذا يعني عدم تسرع النجاح، وتقليد استراتيجيات الآخرين، فنحن نتمتع بشخصيتنا الفريدة».
وتستطرد مبتسمة كما لو أنها تذكرت شيئًا مهمًا: «لقد قرأت جريدة (الشرق الأوسط) هذا الصباح، وشدني موضوع عن الموضة جاء فيه أن البساطة هي قمة الأناقة، وهذا يعني أننا على الموجة نفسها، فما لا يعرفه كثير من الناس أن البساطة أكثر صعوبة من التطريزات وما شابهها». ما ترمي له المصممة أننا قد نعيش حاليًا حركة قوية في الترصيع والزخرفة، لكن يبقى لكل واحد أسلوبه ولغته؛ كان واضحًا أنها تشير إلى «غوتشي» التي تحقق كثيرًا من الأرباح بأسلوبها المائل إلى «الماكسيميلزم»، وهو ما يتنافى مع المدرسة البلجيكية عمومًا وفكرة «ديلفو» عن الأناقة.
ولحسن الحظ أن خريطة الموضة واسعة يمكنها احتواء كل التوجهات، فبينما تحقق «غوتشي» بسخاء تطريزاتها وتوهج ألوانها أرباحًا غير مسبوقة، فإن نتائج «ديلفو» السنوية الأخيرة تؤكد هي الأخرى ارتفاعًا ملموسًا يؤكد أنها تسير في الطريق الصحيح، وبأن هناك سوقا للترف الهادئ تُحركه زبونات يردن منتجات لا مثيل لها وغير مُستهلكة بشكل كبير. لكن هذا لا يعني بقاء الدار نخبوية أو سرية، فهناك استراتيجيات للتوسع العالمي، وإن كانت محدودة ومدروسة. فاليوم الذي سيزيد فيه الإقبال على حقائب «ديلفو» سيأتي لا محالة، وهو ما تطمح إليه كريستينا وتتخوف منه على حد سواء، مشيرة إلى أنها مستعدة له. سلاحها هو تاريخ الدار وحرفيتها قائلة: «قد لا نستطيع التحكم في نوعية الزبونات مع الوقت، لكننا نستطيع التحكم في التصميم والجودة والدقة.. هذه الأشياء لن تتغير ولن نتنازل عنها أبدًا... فنحن لسنا دار ترف فحسب، بل دارا استثنائية في هذا الخصوص».
على هذا الأساس ترفض الدار الاعتماد على الإعلانات التجارية في المجلات وغيرها، فزبوناتها كافيات لنشر اسمها في الأوساط التي تهمها، وهو ما يحول لحد الآن دون أن تتحول «ديلفو» إلى سلعة مستهلكة. ومع ذلك، فإن هذا لم يصد فتيات مجتمع ونجمات من مثيلات أوليفيا باليرمو، وسيينا ميللر، وأليكسا تشانغ، وريهانا وكايتي هولمز، وغيرهن، بالعمل كسفيرات لها بمحض إرادتهن بعد أن أغوتهن تصاميم الدار، لا سيما حقيبة مستلهمة من حقيبة {مارغريتا» الكلاسيكية القديمة كُتبت عليها جمل طريفة ومعبرة مثل «Ceci n’est pas un Delvaux» التي أكدت أن الشخصية البلجيكية ليست جادة أو خجولة دائمًا، بل تتمتع أيضًا بروح نكتة ومرح.
** محطات في تاريخ الدار
* 1829: تأسست على يد شارل ديلفو ببروكسيل
* 1835: ومع انطلاق أول خط سكك حديدية في أوروبا رابطًا بلجيكا بباقي المناطق المجاورة، أصبح السفر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العامة، الأمر الذي كان في صالح ديلفو، صانع حقائب وصناديق السفر آنذاك. وزاد الأمر أهمية في عام 1875، عندما أصبحت بلجيكا تتوفر على أكبر شبكة سكك حديد في العالم.
* 1880: انتبه شارل ديلفو إلى أن المرأة تحتاج لحقائب سفر تحملها، فيها أغراضها الشخصية التي لا تستغني عنها.
* 1908: طرحت لأول مرة حقائب للمرأة بخامات وألوان أنيقة
* في عام 1933: انتلقت ملكية الدار إلى فرانز شوينكير الذي حولها إلى دار إكسسوارات فاخرة و«على الموضة». فقد طرح حقائب يد فريدة شدت انتباه الطبقات الأرستقراطية الأوروبية التي باتت تترقب ما يطرحه في كل موسم. فقد كان أول من بدأ تقليد طرح تصاميم موسمية أسوة بعالم الأزياء، وتحديدًا بـ«الهوت كوتير».
* 1970: بعد وفاة فرانز شوينكير، تولت زوجته سولانج قيادة الدار، وجعلتها أكثر مواكبة للموضة
* 2011: انتقلت ملكيتها لعائلة فونغ من هونغ كونغ، التي تملك حاليا 80 في المائة منها، بينما لا تزال حصة 20 في المائة ملكًا عائليًا.



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.