المدارس التونسية في أزمة... وبرامج الإصلاح لم تنجح بكتابة «الوصفة المناسبة»

«التعليم» تحت المساءلة نتيجة عدم ملاءمتها لسوق العمل

أدت سيطرة الخلفيات السياسية واختلاف الرؤى إلى تصدع العلاقة بين المتعلم والمؤسسة التربوية في تونس (غيتي)
أدت سيطرة الخلفيات السياسية واختلاف الرؤى إلى تصدع العلاقة بين المتعلم والمؤسسة التربوية في تونس (غيتي)
TT

المدارس التونسية في أزمة... وبرامج الإصلاح لم تنجح بكتابة «الوصفة المناسبة»

أدت سيطرة الخلفيات السياسية واختلاف الرؤى إلى تصدع العلاقة بين المتعلم والمؤسسة التربوية في تونس (غيتي)
أدت سيطرة الخلفيات السياسية واختلاف الرؤى إلى تصدع العلاقة بين المتعلم والمؤسسة التربوية في تونس (غيتي)

لم توفق الحكومات التونسية المتعاقبة في الاتفاق حول وصفة ناجحة لنظام التعليم في تونس. وباستثناء السنوات الأولى من الاستقلال التي كانت فيها البلاد في حاجة أكيدة لكل الطاقات والإطارات، نتيجة رحيل الإدارة الفرنسية الاستعمارية، فإن قضية التعليم في تونس ظلت منذ الاستقلال - ولا تزال - موضوعًا مركزيًا للحوار والتطور المجتمعي، وحافظت المدرسة على دورها في الرقي الاجتماعي وضمان مستقبل اجتماعي أفضل، خصوصًا للفئات الاجتماعية الفقيرة.
وخلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تغيرت نظرة التونسيين نحو المؤسسة التعليمية، بمستوياتها الثلاثة (الابتدائي والثانوي والجامعي)، نتيجة عدم ملاءمة التكوين العلمي لسوق العمل، ووجود الآلاف من خريجي الجامعات دون عمل لفترات طويلة، وهو ما انعكس على صورة التعليم في تونس، وجعل المؤسسة التربوية محورًا لعدد كبير من التساؤلات والانتقادات.
ومثل التعليم إبان استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956 سلمًا هامًا للرقي الاجتماعي، وكانت الإصلاحات الموجهة إلى المدرسة قد انطلقت منذ سنة 1958 مع محمود المسعدي وزير الدولة للتربية القومية والشباب والرياضة. وعمل المسعدي بتوصيات الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة الداعية إلى التخلي عن التعليم التقليدي (التعليم الزيتوني نسبة إلى جامع الزيتونة)، والانتقال إلى تعليم عصري يمكن من ملاحقة ركب العصر، واختصار الهوة التي تفرق بين العالم المتخلف والعالم المتطور.
وتمكنت المدرسة من المساهمة الفعالة في تخرج دفعة ناجحة من الإطارات الإدارية التي نفذت أولى برامج التنمية، وذلك منذ بداية السبعينات، قبل أن تبدأ المطالبة في عقد الثمانيات من القرن الماضي بضرورة تعريب التعليم، وهو ما جعل المؤسسة التربوية محل تساؤل من جديد.
وقد حسم نظام بن علي هذا الجدل في بداية التسعينات بتعيين محمد الشرفي (من التيار اليساري) على رأس وزارة التربية. وسارع الشرفي باعتماد منهج تعليمي جديد، وتصور مختلف للمؤسسة التربوية. وتهدف مبادئ الإصلاح التي أرسى دعائمها محمد الشرفي إلى «تمكين الناشئة بما يجب أن تتعلمه حتى يترسخ فيها الوعي بالهوية الوطنية التونسية، وينمو لديها الحس المدني والشعور بالانتماء الحضاري وطنيًا وعربيًا وإسلاميًا، ويتدعم عندها التفتح على الحداثة والحضارة الإنسانية».
ويعتمد هذا الإصلاح على إرساء نظام التعليم الأساسي، وتدريس المواد العلمية في الابتدائي والثانوي باللغة العربية، والتفرقة بين التربية المدنية والتربية الإسلامية. إلا أن هذا النمط من التعليم أفرز أصحاب شهادات بالآلاف (تخرج نحو 70 ألف صاحب شهادة كل سنة)، دون مستويات ثقافية تتماشى والشهادات التي جرى نيلها، الأمر الذي أعاد هيكلية المؤسسة التربوية إلى واجهة النقاش من جديد.
وخلال سنة 2002، أصدر منصر الرويسي، وزير التربية آنذاك، «القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي»، وهو قانون يعتمد على نظام المقاربة بالكفايات، وتوظيف التكنولوجيات الحديثة، ومحاولة الملاءمة بين نظام التكوين وسوق الشغل، إلا أن النتائج لم تكن في مستوى الآمال المنتظرة.
وبعد ثورة 2011، عادت الرغبة في تجديد المدرسة التونسية، إلا أن ضعف الحكومات، وتهرئة السلطة المركزية، حول المدرسة إلى منطقة نزاع بين الحكومة ونقابات التعليم التي قويت نظرًا لارتفاع عدد المدرسين في الابتدائي والثانوي إلى نحو 100 ألف مدرس، وكذلك ارتفاع عدد المتعلمين ليتجاوز حدود المليوني تلميذ.
واستغلت الهياكل النقابية التابعة للاتحاد العام التونسي للعمل (كبرى نقابات العمال) العدد الكبير للمربين في الضغط على الحكومة من أجل الحصول على منافع مادية هامة لفائدة المربين، ونفذت لهذا الغرض مجموعة من الإضرابات المتتالية، إلا أن تلك الإضرابات قوبلت بلا مبالاة من قبل وزارة الإشراف التي ذهبت إلى حد خصم أيام الإضراب من أجورهم، وإلغاء الامتحانات نهاية السنة الدراسية الماضية.
وأدى إعلان ناجي جلول عن مشاريع حكومية لفائدة منظومة التعليم، على غرار إحداث ديوان حكومي للخدمات المدرسية وجمعيات للأولياء، إلى إعلان النقابات «حربًا» قوية عليه، مطالبة باستقالته نتيجة مخالفته برنامج الإصلاح التربوي، ومحاولة خصخصة نظام التعليم، غير أن نجاح جلول في الحصول على ثقة البرلمان إبان مناقشة ميزانية وزارة التربية لسنة 2017، قطع الطريق أمام آمال النقابات بعزله من منصبه.
ولا تزال المنظومة التربوية تئن تحت وطأة مجموعة من النقائص والعلل التي لا تزال في حاجة متأكدة إلى معالجة جذرية على أسس علمية صحيحة، في ظل الفجوة العميقة التي تفصل بين واقع المدرسة التونسية ومشروعها المبدئي.
وأدت سيطرة الخلفيات السياسية، واختلاف الرؤى تجاه دور المؤسسة التربوية، إلى تصدع العلاقة بين المتعلم والمؤسسة التربوية، وبالمعرفة بصفة أشمل، وذلك من خلال ما أوردته التقارير المتعلقة باجتماعات اللجنة القطاعية لإعداد مخطط استراتيجي لقطاع التربية، أو ما اصطلح على تسميته في تونس بمشروع الإصلاح التربوي. ووفق النتائج التي توصلت إليها هذه اللجنة، فإن المؤسسة التربوية تشكو من عدة نقائص، أبرزها التفاوت بين الجهات والمؤسسات فيما يتعلق باللجوء إلى المعلمين المعوضين، والتعويل المتزايد على المعلمين والأساتذة في السنوات الأخيرة، وغياب التغطية الاجتماعية وسوء وضعياتهم المادية والمهنية.
وأدى هذا الوضع إلى نفور من قبل الإطار التربوي، وساهم في انحدار مستوى أداء المنظومة التربوية، وذلك بالنظر لعدم استقرار المعلمين والأساتذة، علاوة عن ظروف العمل الصعبة في عدة مدارس تشكو ضعف البنية التحتية والتجهيزات التربوية اللازمة والضرورية.
وبدأت وزارة التربية في ظل الوزير ناجي جلول منذ شهر فبراير (شباط) في عام 2016 الماضي، مراجعة وإعادة هيكلة الخريطة المدرسية الحالية، رغم أن نتائج اللجنة القطاعية للإصلاح التربوي أفضت إلى نقاط إيجابية، تمثلت في توسع ولوج التونسيين إلى التعلم والتربية نتيجة انتشار المؤسسات التربوية في مختلف ربوع تونس.
وتشير بعض التقارير الصادرة عن وزارة التربية إلى أن المدرسة الحالية لا تستجيب إلى تطلعات واحتياجات المجتمع التونسي، وقد وقف اختصاصيو التربية والتعليم على عدة إشكاليات وإخلالات تم بموجبها مراجعة الخريطة المدرسية للقضاء على هدر الموارد البشرية والمادية، وترشيد استغلالها، مع تشريك الجماعات المحلية والمجالس الجهوية في ضبط خطة لدمج المؤسسات التربوية، وتعبئة كل الإمكانات للنهوض بنظام التعليم من جديد.
وفي انتظار الجديد في موضوع الإصلاح التربوي، يمثل نظام التقييم على مستوى المرحلة الابتدائية إحدى أهم الهنات والإخلالات التي تشكو منها المنظومة التربوية في تونس، واتضح أنها تعاني من هيمنة التقويم الجزائي، وعدم التناغم بين منظومتي التكوين والتقييم، فضلاً عن غياب محطات تقييمية إجبارية وفعلية تقيس مستوى المتعلمين الحقيقي إلى نهاية المرحلة الثانوية.



تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن
TT

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

أثار تحقيق تربوي مستقل، صدر منذ أيام، موجة جدل في بريطانيا بعد كشفه عن تردّي أوضاع أكثر من 1500 مدرسة غير مرخصة في مقاطعة هاكني اللندنية.
هذا التحقيق الذي استغرق عاماً من العمل، انتقد سلامة الطلاب والمناهج التعليمية في تلك المدارس اليهودية «المتشددة دينياً»، وأسند معلوماته إلى إثباتات وبيانات من وزارة التعليم، وهيئة تقييم المدارس البريطانية (أوفستيد) إلى جانب شهادات من بلدية هاكني ورابطة المدارس العبرية، ودعا بإلحاح إلى تحرك حكومي.
وقال التقرير إن القوانين البريطانية لا تتعامل بحزم مع المدارس غير المرخصة، معبراً عن استيائه من رد الفعل اللامبالي من الحكومة.
ووفقاً لما نقلته «بي بي سي» على موقعها الجمعة الماضي، فإن القائمين على التحقيق أجروا استفتاءً بين أهالي الجالية اليهودية «المتشددة» لمشاركة تجاربهم، من دون الكشف عن هوياتهم. ووجدوا أنّ التعليم الذي يتلقاه طلاب أبناء الجالية لا يتماشى مع معايير التدريس في البلاد.
وكشفت هيئة «أوفستيد» أنّ نحو 6 آلاف طالب في إنجلترا يدرسون في مؤسسات تعليمية غير مرخصة معظمها مدارس دينية، يهودية ومسيحية وإسلامية.
من جانبها، طالبت بلدية هاكني في العاصمة البريطانية، بتشديد القوانين على تلك المدارس، لكنّ وزارة التعليم في البلاد لم تبد نيّة لإجراء أي تعديلات. ودعا التقرير المستقل بتشديد القوانين على التدريس المنزلي، ومنح البلديات الصلاحية لضمان تعليم ذات جودة تتماشى مع الأسس البريطانية لمرتادي هذه المدارس، ولمن اختار أهلهم تدريسهم في المنزل. كما حثّ البلدية أن تطوّر آلية موحدة للتعامل مع الكم الهائل من مدارسها غير المرخصة التي تزيد من التفرقة الاجتماعية في البلاد، وتؤدي بالتالي إلى إنتاج فكر متشدد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُوضع فيها المدارس الدينية في بريطانيا تحت المجهر، حيث أفاد تقرير لأوفستيد في فبراير (شباط) 2016، بأنّ أداء تلاميذ مدرسة «بيس أهارون» الابتدائية، يُجمعون على فكرة أنّ دور المرأة يقتصر على «الاهتمام بالأطفال وتنظيف المنزل وتحضير الطعام»، منتقداً مستوى التعليم في المدرسة الذي «لا يرقى إلى المستوى المنتظر من مدرسة مستقلة»، ويقدّم «الشعائر الدينية على المعايير التعليمية» المتعارف عليها. واعتبرت الهيئة الحكومية أنّ هذه المدرسة الابتدائية الخاصة التي تكلّف ما يقارب الـ3000 جنيه إسترليني في السنة (أي نحو 4300 دولار أميركي)، لا تحضّر تلاميذها بشكل مناسب للانخراط في «الحياة البريطانية الحديثة».
وفي السياق ذاته، قال مفتشو هيئة «أوفستيد» إن نقاشاتهم مع التلاميذ كشفت أن «معظمهم عبّروا عن آراء في الأدوار التي يلعبها كل من المرأة والرجل في المجتمع، لا تتوافق ومبادئ المجتمع البريطاني الحديث»، كما «فشلوا في إظهار الاحترام والتسامح تجاه أشخاص من ديانات مختلفة»، فضلاً عن أنّ معرفتهم بديانات أخرى وثقافات مغايرة «محدودة للغاية».
يذكر أن الهيئة نفسها كانت قد انتقدت 7 مدارس إسلامية مستقلة في منطقة «تاور هاملتس»، شرق لندن، لفشلها في أداء واجبها لحماية الأطفال من التطرف. وأشارت «أوفستيد» في تقريرها الذي نشر بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إلى تساهل بعض هذه المدارس مع ممارسات قد تعتبر مشجعة للتطرف، وعبرت عن مخاوف جدية تجاه تدابير حماية التلاميذ ورعايتهم من خطر الانجرار وراء الفكر التطرفي، حسبما أفادت «الشرق الأوسط» سابقاً.