تصريحات دبلوماسي إسرائيلي في لندن تحرج تل أبيب

قال إنه يود «إسقاط» دانكن... والخارجية: الأمر منتهٍ

آلان دانكن يصل إلى  قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية بهامبورغ في 8 ديسمبر الماضي (غيتي)
آلان دانكن يصل إلى قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية بهامبورغ في 8 ديسمبر الماضي (غيتي)
TT

تصريحات دبلوماسي إسرائيلي في لندن تحرج تل أبيب

آلان دانكن يصل إلى  قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية بهامبورغ في 8 ديسمبر الماضي (غيتي)
آلان دانكن يصل إلى قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية بهامبورغ في 8 ديسمبر الماضي (غيتي)

أحرج الدبلوماسي الإسرائيلي شاي ماسوت سفارته في لندن، بعد أن ظهر في مقطع مسرب يقول فيه إنه يود «إسقاط» ألان دانكن، وزير الدولة البريطاني لشؤون الخارجية، المناصر لإقامة دولة فلسطينية. وسرعان ما أصدر السفير الإسرائيلي لدى لندن اعتذارا عن تصريحات موظفه؛ لتفادي أزمة دبلوماسية مع بريطانيا.
وفي عصر أصبحت فيه التسريبات المتداولة على الإنترنت أداة ضغط على الخصوم السياسيين، لم يتوفق ماسوت في توخي الحذر الذي يميز الدبلوماسيين المخضرمين، بعد أن قال لموظفة حكومية بريطانية إنه يريد إسقاط دانكن، ويعتبر وزير الخارجية بوريس جونسون «أحمق».
وأفادت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية في تصريح مكتوب لـ«الشرق الأوسط» بأن «السفير الإسرائيلي قدم اعتذاره، ومن الواضح أن هذه التصريحات لا تمثل آراء السفارة أو الحكومة الإسرائيلية». وشددت: «بريطانيا تتمتع بعلاقة قوية مع إسرائيل، ونعتبر أن هذه القضية منتهية». ورفضت المتحدثة الإدلاء بتفاصيل إضافية حول رفع إجراءات الحماية الخاصة بدانكن.
ونقلت وكالة «رويترز» أن قناة «الجزيرة» التلفزيونية الفضائية كانت قد بثت تسجيلا مصورا لشاي ماسوت يتحدث فيه عن نواب بريطانيين، وحصلت صحيفة «ميل أون صاندي» على التسجيل المصور.
وقال متحدث باسم السفارة في بيان: «ترفض السفارة الإسرائيلية التصريحات المتعلقة بالوزير دناكن، وهي غير مقبولة تماما. أدلى أحد صغار الموظفين وليس دبلوماسيا إسرائيليا بهذه التصريحات، وستنتهي فترة عمله مع السفارة قريبا». كما أكدت السفارة أن السفير مارك ريجيف تحدث مع دانكن يوم الجمعة، واعتذر عن التصريحات، وأوضح أن السفارة تعتبرها غير مقبولة تماما.
من جهتها، ذكرت صحيفة «ميل أون صاندي» في عدد أمس أن ماسوت كان يتحدث مع ماريا ستريزولو، وهي مساعدة النائب البريطاني المحافظ روبرت هالفون. واستقالت ستريزولو مساء أمس، وفق ما أكّدت صحيفة « إندبندنت».
وفي المقطع المصور، قال ماسوت إن ستريزولو تعلم «أي نواب أريد إسقاطهم»، مضيفا: «هل أذكر لك بعض النواب الذين أقترح إسقاطهم؟». وبعدما ألحت عليه لمعرفة أي نائب يقصد، قال ماسوت: «مساعد وزير الخارجية». ولم يحدد ما يعنيه بكلمة «إسقاط»، غير أنه في إطار الحوار يمكن وصف ذلك بالسقوط السياسي. وتحدث ماسوت كذلك عن وزير الخارجية جونسون، قائلا إنه «صلب» فيما يتعلق بإسرائيل، إلا أنه أضاف: «كما تعلمين هو أحمق».
بدورها، قالت ستريزولو لصحيفة «ميل أون صاندي» إن النقاش الذي دار بينها وماسوت في مطعم بالقرب من السفارة الإسرائيلية في حي كينسينغتون اللندني، لا تتجاوز كونها محادثة اجتماعية عادية حول السياسة: «كما يفعل ملايين الناس في إطار اجتماعي».
يذكر أن دانكن عبّر، في مناسبات عدة، عن موقفه الرافض استمرار سياسة المستوطنات الإسرائيلية، معتبرا بأنها تعرقل جهود السلام في الشرق الأوسط. وفي تقرير ساهم في كتابته لصالح مجلس المحافظين لـلشرق الأوسط في يونيو (حزيران) الماضي، قال دانكن إنه «ولفترة طويلة، كنا خاضعين لمبدأ المستوطنات غير الشرعية، وقد حان الوقت لنشدد دون خوف وبوضوح على ما هو صائب قانونيا وأخلاقيا، وما هو خطأ».
وعن الموقف البريطاني من المستوطنات الإسرائيلية، يذكر أن مكتب رئيس الوزراء تيريزا ماي كان قد انتقد تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ لوصفه الحكومة الإسرائيلية بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. ورغم تصويت بريطانيا لصالح القرار بالأمم المتحدة واعتبارها المستوطنات في الأراضي المحتلة غير قانونية٬ فإن متحدثا باسم ماي قال: إنه من الواضح أن المستوطنات ليست المشكلة الوحيدة في الصراع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟