آلاف التونسيين في مسيرة ضد عودة الإرهابيين من بؤر التوتر

انقسام الأحزاب السياسية بين مؤيد لعودة الإرهابيين بشروط والرفض القطعي

آلاف التونسيين في مسيرة ضد عودة الإرهابيين من بؤر التوتر
TT

آلاف التونسيين في مسيرة ضد عودة الإرهابيين من بؤر التوتر

آلاف التونسيين في مسيرة ضد عودة الإرهابيين من بؤر التوتر

شارك الآلاف من التونسيين في مسيرة ضد عودة الإرهابيين التونسيين من بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من المناطق، وجابوا أمس شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية، مرددين شعارات منددة بالأطراف الداخلية والخارجية الداعمة لعودة الإرهابيين إلى تونس، وللتعبير عن التضامن مع الجيش والأمن في مكافحة الإرهابيين.
وتم الاقتصار على رفع شعارات وطنية والتمسك بالعلم الوطني فقط، وتحاشى المشاركون في هذه المسيرة رفع شعارات حزبية أو شعارات مناهضة للحكومة، أو شعارات مستفزة لأي طرف سياسي تونسي.
وفي هذا الشأن، قال عدنان بلحاج عمر، رئيس التنسيقية المدنية لمناهضة الإرهاب، في تصريح إعلامي إن المسيرة تهدف بالأساس إلى مساندة قوات الأمن والجيش ودعمها في مقاومة الإرهاب، وأكد على رفض المجتمع التونسي لعودة الإرهابيين إلى تونس، وخشيتهم من انزلاقها إلى مواجهات بين التونسيين فيما بينهم.
وأكد على أهمية توحيد القوى الوطنية في مواجهة الآلاف من الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر، وضرورة التعبير عن موقف المجتمع المدني التونسي الرافض لظاهرة الإرهاب وعودة الإرهابيين، والتمسك بطرح حلول عملية لمجابهتها دون أية مزايدات على أي طرف سياسي أو حقوقي مهما كان توجهه السياسي أو الآيديولوجي.
واختلفت مواقف الأحزاب السياسية في تونس خلال الآونة الأخيرة تجاه ملف عودة الإرهابيين، وهو ما خلف جدلاً سياسيًا حادًا بين من قبل بعودة بشروط، ومن رفض العودة جملة وتفصيلاً.
وضمن قائمة الرافضين أحزاب «النداء وحركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر» عودتهم تحت أي ظرف من الظروف، فيما عبرت عدة أحزاب سياسية أخرى عن قبول العودة بشروط، أهمها تنفيذ قانون مكافحة الإرهاب، وملاحقة التونسيين المورطين في أعمال إرهابية، ومن بين تلك الأحزاب «حركة النهضة، وحراك تونس الإرادة، والتيار الديمقراطي، وتحالف الجبهة الشعبية اليساري، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي».
ودعا حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى نقابات العمال في تونس) مختلف قوى المجتمع وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل إلى إرساء حوار يجمع كل الأطراف السياسية للخروج بتصور مشترك لمقاومة الإرهاب.
وخلفت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، بشأن إحالة الإرهابيين العائدين على القضاء بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال المصادق عليه سنة 2015 وعدم قانونية منهم من العودة، تساؤلات حول مدى استجابة هذا القانون لمتطلبات التعاطي مع ملف العائدين من بؤر التوتر، وحول الإجراءات التي نص عليها، والتي يتم بمقتضاها محاكمتهم، وضمان عدم الإفلات من العقاب، خاصة بعد أن لفت كثير من المتابعين للشأن الأمني التونسي إلى إمكانية أن إدلاء عدد منهم بوثائق مزورة في شكل عقود عمل أو وثائق إقامة تفيد بأنهم لم يكونوا في مناطق النزاع.
وكان هادي المجدوب، وزير الداخلية التونسية، أعلن عن عودة نحو 800 إرهابي إلى تونس قادمين من بؤر التوتر في الخارج. وقال في تصريحات أمام البرلمان التونسي إن الوزارة تحتكم على قائمة اسمية في الإرهابيين المنتشرين في عدة مناطق نزاع مسلح وقدر عددهم بنحو 2929 إرهابيًا. إلا أن عدة منظمات مهتمة بقضايا الإرهاب تعتبر أن عددهم أكثر من ذلك بكثير، وقد يصل وفق بعضها إلى نحو 10 آلاف إرهابي.
وفي السياق ذاته، نبهت السلطة القضائية في تونس إلى خطر إفلات بعض الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر من المحاسبة القضائية في حال عدم توفر إثباتات مادية تدل على مشاركتهم في الإرهاب، والإدلاء بوثائق سفر وإقامة يصعب التحقق من كونها أصلية أو مزورة.
وأعرب القضاء التونسي عن تخوفه من تأويل مضامين الفصل 13 الوارد في قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، الذي ينص على أنه «يعد مرتكبًا لجريمة إرهابية، كل من يتعمد بأي وسيلة كانت، تنفيذًا لمشروع فردي أو جماعي ويكون ذلك الفعل هادفًا، بحكم طبيعته أو في سياقه، إلى بث الرعب بين السكان، أو حمل دولة أو منظمة دولية على فعل أو ترك أمر من علائقهما».
ومبعث الخوف لديهم يكمن في اشتراط الفصل 13 «إثبات القصد الجنائي»، أي عدم اعتبار «العمل الإرهابي محضًا بطبيعته، إلا بإثبات ذلك»، قبل الإحالة على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب. ولا يمكن وفق القانون التونسي اعتبار شخص أدخل سلاحًا إلى البلاد خلسة، أو عن طريق الحدود إرهابيًا إلا إذا تم إثبات ذلك من قبل الضابطة العدلية (باحث البداية)، وقاضي التحقيق الذي يجمع الأدلة ويجرم المتهم.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».