تركيا على وقع الإرهاب

أوجه مقارنة بين الهجمات الأخيرة واعتداء 11 سبتمبر

جنود أتراك في وسط إسطنبول بعد تفجير «داعش» ملهى رينا ليلة احتفالات رأس السنة  (أ.ب)
جنود أتراك في وسط إسطنبول بعد تفجير «داعش» ملهى رينا ليلة احتفالات رأس السنة (أ.ب)
TT

تركيا على وقع الإرهاب

جنود أتراك في وسط إسطنبول بعد تفجير «داعش» ملهى رينا ليلة احتفالات رأس السنة  (أ.ب)
جنود أتراك في وسط إسطنبول بعد تفجير «داعش» ملهى رينا ليلة احتفالات رأس السنة (أ.ب)

قتل أحد عناصر تنظيم داعش 39 شخصا أثناء احتفالات العام الجديد بملهي ليلي بإسطنبول، واغتال مسلح السفير الروسي في معرض رسومات بأنقرة، وقتل انتحاريان انفصاليان 14 جنديا بحافلة بوسط تركيا، ولقي عشرات من ضباط الشرطة حتفهم أثناء مباراة لكرة القدم جرت بإسطنبول.
كل تلك الاعتداءات جرت في الأسابيع القليلة الماضية، وانتهت بتفجير سيارة الخميس الماضي في مدينة أزمير، لقي فيها مدنيان على الأقل حتفهما، وهو الحدث الأقل دموية.
تركيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 75 مليون نسمة، الدولة عضو حلف شمال الأطلسي (ناتو) والتي تفصل بين قارتي أوروبا وآسيا والتي كان ينظر لها حتى زمن قريب واحة للديمقراطية والاستقرار، باتت تواجه موجة من الهجمات الإرهابية لم تشهدها أوروبا من قبل. أضف إلى ذلك، الاضطرابات التي تسبب فيها نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري تدفقوا عبر الحدود، وعودة التمرد الكردي من جديد، والانقلاب العسكري الفاشل، وجميعها أحداث ارتبطت في ذهن الكثير من الأتراك باللامبالاة وربما الحقد الأميركي، أو كلاهما.
جاء رد الرئيس رجب طيب إردوغان في صورة حملة اعتقالات، شملت أحيانا وكالات الإعلام، وهاجم بضراوة ما أسماه التآمر الغربي.
ويتوق بعض منتقديه لمجيء الرئيس المنتخب دونالد ترامب، على الرغم من تصريحاته المعادية للمسلمين، حيث يرون فيه القوة والحماس والتعاطف مع رئيسهم إردوغان الإسلامي قليل التسامح مع خصومه.
ففي بعض الأحيان قال المؤرخون السياسيون والعلماء: إن ما يحدث في تركيان يشبه إلى حد بعيد الحال في الولايات المتحدة في الفترة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وكذلك هجمات فرنسا عام 2015، والهجمات الأخيرة في ألمانيا.
في جميع تلك الحالات، نادى الكثيرون من أبناء تلك البلاد بتقليص الحريات الشخصية، وبالفعل حدث أن قويت شوكة الحكومات وتعاظمت صلاحيتها، وظهرت جماعات مارقة عملت على نشر الكراهية، وبات ينظر لأي مخالف في الرأي بالكثير من الريبة والشك.
وبحسب ستيفين كوك، زميل معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الأفريقية والعلاقات الدولية بواشنطن «أعتقد أن الوضع ينطوي على الكثير من الأمور المتشابهة، وما نشهده في تركيا يسير تجاه الغلو والتطرف».
أضاف كوك «المسافة ليست ببعيدة عن التطرف، فلم يتبق سوى خطوة واحدة. فقط تخيل لو أن هجمات تركيا حدثت في الولايات المتحدة».
والجمعة الماضية، وجهت هلال كبلان، كاتبة بصحيفة «ديلي صباح» القريبة من الحكومة التركية، نقدا لاذعا لأسلوب تغطية الإعلام الغربي لما يحدث في تركيا، وكان من ضمن ما انتقدته مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» تناولت فيها نظرية المؤامرة التي تغلغلت في أوصال المجتمع التركي، الذي بات يرى من خلالها أن الولايات المتحدة وراء موجة الإرهاب التي تجتاح بلادهم.
وفي وصفها المقال «كمحاولة للتقليل من حجم ما يحدث والاستهانة به بدلا من بذل القليل من الجهد لفهم تركيا»، قالت كابلان إن «الأتراك لديهم من الأسباب ما يجعلهم يتشككون في الولايات المتحدة».
أضافت كابلان: إن فتح الله غولن، الحليف السابق لإردوغان الذي يعتقد الكثيرون في تركيا بضلوعه في محاولة الانقلاب الأخيرة هناك، يعيش في ولاية بنسلفانيا الأميركية، وأن ضابطا سابقا بوكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» قد وقّع ضامنا على طلب حصول غولن على حق الإقامة بالولايات المتحدة «غرين كارد».
إضافة إلى ذلك، لفتت كابلان الانتباه إلى شيء آخر، وهو أن الولايات المتحدة قدمت دعما عسكريا إلى ميليشيا كردية سورية مسلحة تحارب متطرفي تنظيم داعش، وهي الميليشيا التي تعتبرها تركيا حليفا لحزب العمال الكردستاني الذي تنظر له تركيا بصفته منظمة انفصالية كردية محظورة، وعدوا إرهابيا.
وفي عمودها الأسبوعي الذي نشر الجمعة الماضي تحت عنوان «لماذا تتطلع تركيا إلى إدارة ترامب؟»، تساءلت الكاتبة «هل هم (الإدارة الأميركية) في حاجة إلى كل تلك التفاصيل لكي يفهموا الحقيقة إن كانت أمنيتهم الوحيدة هي تصوير الأتراك شعبا يعاني جنون الاضطهاد، وإردوغان وغدا؟».
ومن ضمن التطابقات بين الحالة التركية والأميركية عقب هجمات 11 سبتمبر ما قامت به الحكومة التركية من استغلال الأحداث التراجيدية لإحياء الحس الوطني، ولتصوير الصراع الحدودي المستعر داخل البلاد حربا لحماية الديمقراطية، حتى وإن كان السبيل لحسم هذا الصراع مليئا بالممارسات غير الديمقراطية.
المقارنات شملت العلماء الأتراك، ومنهم حتى من انتقد إردوغان ممن تواجدوا في الولايات المتحدة عندما تعرض برجا مركز التجارة العالمي والبنتاغون للهجوم.
فحسب تعبير كمال كرسكي، زميل ومدير المشروع التركي بمعهد «بروكنغز» في واشنطن «لم أصدق مدى الشعور الوطني المتأجج حتى بين الأكاديميين»، في إشارة إلى ذكرياته عن الفترة التي عاشها في الولايات المتحدة، مضيفا: «شعرت برعب حقيقي وبأنني مستهجن».
في تركيا، بعد محاولة الانقلاب، أسرعت الحكومة بتخليد ذكرى الضحايا والأماكن التي شهدت أحداث العنف بأن غيرت اسم جسر بمدينة إسطنبول وميدان بأنقرة، وأطلقت على الشوارع أسماء مواطنين لقوا حتفهم دفاعا عن حكومة إردوغان.
* خدمة «نيويورك تايمز»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».