التعليم المنزلي في الهند بين التخوف وقصص النجاح

لجأ إليه البعض في المناطق النائية واختاره آخرون اعتراضًا على المناهج

أكبر مزايا التعليم في المنزل المرونة التي يتسم بها الجدول الزمني وإمكانية التعلم بحسب إيقاع الطفل الخاص
أكبر مزايا التعليم في المنزل المرونة التي يتسم بها الجدول الزمني وإمكانية التعلم بحسب إيقاع الطفل الخاص
TT

التعليم المنزلي في الهند بين التخوف وقصص النجاح

أكبر مزايا التعليم في المنزل المرونة التي يتسم بها الجدول الزمني وإمكانية التعلم بحسب إيقاع الطفل الخاص
أكبر مزايا التعليم في المنزل المرونة التي يتسم بها الجدول الزمني وإمكانية التعلم بحسب إيقاع الطفل الخاص

عندما نجحت مالفيكا جوشي، البالغة من العمر 17 عامًا، في الالتحاق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خلال العام الماضي، لم يكن يعلم الكثيرون أنها تركت نظام التعليم الرسمي منذ أربع سنوات. لم يكن المعهد يهتم بعدم تقديمها لشهادة دراسية. وتوضح سوبريا، والدة مالفيكا: «لقد كانت مالفيكا تبلي جيدًا في المدرسة لكنني شعرت على نحو ما بأن ابنتيَّ مالفيكا ورادها، تفتقران إلى السعادة... التي هي أهم من العلم والمعرفة».
لم يكن ذلك القرار سهلاً بأي وجه من الأوجه. وتضيف سوبريا، «لا يزال الناس في الهند لا يدركون معنى المصطلح «التعليم في المنزل»، أو «عدم الالتحاق رسميًا بمدرسة»، كما يشار إليه في أكثر الأحوال، ولم يكن زوجي مقتنعًا في البداية بخطورة هذا الاقتراح، حيث لم تكن ستتمكن ابنتي من الحصول على شهادة تثبت اجتيازهما للصف العاشر والثاني عشر، وهناك ما يدعو إلى الخوف». وتشرح: «لقد استقلت من وظيفتي، ووضعت منهجًا دراسيًا لمالفيكا، وقمت بتجهيز غرفة بحيث تشبه الحجرة الدراسية في المنزل. وفجأة رأيت كم كانت ابنتي سعيدة».
لا تعد هذه القصة رواية فردية، فلقد فاجأ ساهال كاوشيك، البالغ من العمر 14 عامًا، أقرانه بالهند عندما نجح بتفوق في اختبارات القبول في المعهد الهندي للتكنولوجيا، الذي يحظى بمكانة مرموقة، في دلهي، حيث لم يكن مراهقًا فحسب بل تلقى تعليمه في المنزل أيضًا. ولقد حصل هذا الطالب النابغة على درجة الماجستير في العلوم، وهو الآن في العشرين من عمره، وباحث دراسات عليا في المعهد، ويسعى للالتحاق بجامعة نيويورك للحصول على درجة الدكتوراه.
لم يتلق بالزانت شيفاناند تيواري، ابن مزارع من ولاية بيهار الواقعة في غرب الهند، أي تعليم نظامي رسمي، لكنه تمكن من الالتحاق بالمعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور عام 2015. يريد شيفاناند مواصلة أبحاثه في الفيزياء. لم يتلق هؤلاء الشباب تعليمًا نظاميًا بحسب التعريف العالمي للكلمة، لكن في الهند يتم استخدام مصطلح «التعليم في المنزل» ليشمل كل الذين تلقوا تعليمهم في المنزل، وفي أي بيئة حرة. يبدو أن التعليم في المنزل ينتشر في الهند، حيث تحولت كثير من المنازل إلى مساحات للتعلم. يتزايد اليوم عدد الآباء الذين يبدو أنهم يفضلون إلحاق أبنائهم بمدارس تقدم لهم فرصة للفكاك من طريقة التعلم القائمة على التلقين، ويتطلعون إلى مؤسسات تطبق أنظمة تعليم بديلة مثل منهج «مونتيسوري»، أو «وولدورف» أو حتى إلى اختيار تعليمهم في المنزل. لا يحتاج التعليم في المنزل في الهند إلى تسجيل، أو اعتراف، أو أي تصريح من هيئة أو جهاز.
يتسم مجتمع طلبة المنازل في الهند بالتنوع، حيث يتعلم الكثير منهم في المنزل لأنهم قد ضاقوا بهذا النظام التعليمي، ويرغبون في تنشئة أبنائهم دون أي ضغط عليهم. كذلك هناك بعض العائلات، التي لا ترغب في فرض أي نوع من اللوائح أو النظام على تعليم أبنائهم، بل يريدون أن يمنحوا أبناءهم فرصة للسير وراء فضولهم. ويضطلع الآباء بدور الميسر لأبنائهم، حيث يعتقدون أن الأطفال ناضجون بدرجة كافية لاتخاذ اختيارات تتعلق بما يتعلمونه.
يمكن أن يشارك الأطفال المتعلمين في المنزل في اختبارات الشهادة العامة الدولية للتعليم الثانوي كمرشحين مستقلين، أو اختبارات الصف العاشر - الثاني عشر، التي يعقدها المعهد القومي للتعليم المفتوح، الذي يمنح الطلبة خيار الحصول على شهادة أو درجة علمية، ويتم إجراؤه في مراكز منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وتوضح أورميلا سامسون، والدة أحد الطلبة غير الملتحقين بنظام التعليم النظامي الرسمي: «هناك كثير من الأسباب التي تدفع الآباء نحو تعليم الأبناء في المنزل. يشعر بعض الآباء أن أبناءهم قد يكونون أفضل في المنزل، أو يكون لديهم اعتراضات على المنهج الدراسي، من منطلق ديني أو لأسباب أخرى. وقد يبقون على أطفالهم في المنزل لأسباب تتعلق بسلامتهم، وأمنهم، أو لأي ظروف أخرى».
قد يغير التعليم في المنزل مسار الحياة، حيث يؤدي إلى تطور الشخصية لكل من الأب، والطفل. وينتشر هذا الشكل من التعليم في الهند بسبب عدم إمكانية إلحاق الأبناء بمدرسة، أو عدم توافر مدارس جيدة، أو للمسافة الطويلة التي يحتاج الطلبة لقطعها للوصول إلى المدرسة. يقول سواتي: «لا يشعر الآباء برضا عن البرامج المصممة في المدارس. إنهم يريدون لأطفالهم خطط تعلُّم فردية، وأن تتطور شخصيتهم بشكل متمايز. وفي ظل تراجع كفاءة وخبرة المعلمين، والمبالغة في تطبيق طرق الانضباط، وانتشار الشغب في المدارس، يشعر الكثير من الآباء أنهم يستطيعون تقديم لأبنائهم أفضل مما تقدمه لهم المدارس».
والتقت «الشرق الأوسط» مع بعض الآباء، والشخصيات الأكاديمية، لمعرفة المزيد عن هذا التوجه. يقول الكثير من الآباء إن التعليم في المنزل يتيح تنمية الجانب الإبداعي للطفل. تقول روكسانا، والدة فتاة تبلغ من العمر 11 عامًا: «التحقت ابنتنا بنظام تعليم نظامي، لكن لم يكن الحال على ما يرام. لقد كانت مهتمة بالموسيقى، والفنون، والأعمال الفنية اليدوية. وهي الآن تتبع جدول منتظم في المنزل، وتجد الوقت الذي يمكن لها فيه أن تشبع شغفها».
في كثير من المدن الهندية امتنع كثير من الآباء عن إلحاق أبنائهم بمدارس رسمية، وفضلوا أن يتعلموا بأنفسهم في المنزل، أو على أيدي آبائهم، أو مدرسين خصوصيين. هناك ما يزيد على 100 طفل من هؤلاء الأطفال في دلهي، بل هناك منتدى على الإنترنت يتفاعل فيه الآباء مع بعضهم، ويتبادلون المساعدة. ولكل منهم أسباب مختلفة دفعتهم إلى اختيار هذا النظام.
ريبيكا ماناري، مؤلفة ومعلمة، اختارت بكامل وعيها وإرادتها أن تعلم طفليها في المنزل، وقالت إنهم قد أقدموا على هذا الأمر لأن المعلمين، الذين كانوا يدرسون لابنهم، غير أكفاء، وغير مؤهلين للتعليم. وقال أحد الآباء: «عندما انضممت إلى مجتمع التعليم المنزلي أدركت الفوائد التي لا تُحصى التي تعود على الطفل بمجرد خروجه من ذلك السباق المحموم».
لا يوجد منهج دراسي منفصل للأطفال، الذين يتعلمون في المنزل، وكان أكثر الآباء، الذين تحدثت معهم كاتبة هذه السطور، يستخدمون كتبًا دراسية متوفرة بالفعل. مع ذلك لم يستخدم البعض هذه الكتب الدراسية، وصمم البعض الآخر منهجًا دراسيًا خاصًا من خلال الرجوع إلى مناهج دراسية أخرى.
مع ذلك لم يغرق أي منهم أبناءه في بحر تلك الكتب. وقالت تشيتانا كيني والدة أحد الطلبة: «عندما كان طفلي في الصف الأول، اعتدت اصطحابه معي إلى المتاجر وشرح عمليات الجمع والطرح له. فيما بعد استخدمت الكتب الدراسية ككتيبات للتمرينات. وكانت هذه هي الطريقة التي علمته بها الرياضيات».
يتم تشجيع الأطفال على استكشاف الأشياء بأنفسهم، والبحث عن المتعة في تعلم أشياء جديدة. وبات كثير من الآباء هذه الأيام جزءًا من مجموعات التعليم في المنزل على شبكة الإنترنت، حيث يتعلمون من بعضهم، ويطلبون العون من خبراء في مواد دراسية مثل الفيزياء، والرياضيات، أو يسهمون بمعرفتهم في تعليم الأطفال في المنزل.
ولدى آل بارديوالا المقيمين في مومباي نموذج أكثر تنظيمًا للتعليم في المنزل. إنهما يسجلان كل شيء يتعلمه أبناؤهما، ويختبرونهما أحيانًا فيها. مع ذلك إذا لم يحب أي من الأبناء مادة دراسية، يلغونها من المنهج بمجرد تعلم الأبناء لمبادئها الأساسية. لقد قرر أبناؤهما عدم استكمال دراسة التاريخ والجغرافيا، لكنهم شعروا باهتمام بموقع «موهينجودارو» الأثري بعد الاطلاع عليه في كتاب. ويوضح سونال بارديوالا: «لدى الطفل كل الحق في كره شيء». وقد خضع ابنهما شاهين لاختبار ولاية مهاراشترا كمستقل، وحصل على 93.6 في المائة، وكذلك له مدونة على الإنترنت، ويدير قناة على موقع الـ«يوتيوب»، ويكتب سيناريوهات للأفلام.
تقول عالمة النفس فاركا تشولاني: «يكون هناك سيطرة على طريقة تنظيم الوقت بحسب المواد الدراسية. لذا يمكن للوالد أو الوالدة معرفة ما إذا كان الطفل يهتم بالسنسكريتية بقدر اهتمامه بالرياضيات أم لا. على العكس من ذلك، إذا رأى أحد الأبوين أن طفله يبدي تفوقًا في العلوم، والرياضيات، فيمكنه التركيز عليه»، وتضيف فاركا قائلة: «كذلك للتعليم في المنزل ميزة تتعلق بالوقت، حيث لا يتم إهدار الوقت، أو تبديد الطاقة في الذهاب إلى المدرسة، ولا يتعرض الطالب إلى أي ظواهر بيئية مثل الفيضانات، أو الحوادث، أو تعطل حافلات المدرسة وهو ما يخفف الأعباء. ولم أسمع طوال كل هذه السنوات عن طالب يدرس في المنزل عجز عن الالتحاق بالجامعة».
يدرس أكثر الأطفال بحسب جدول زمني غير صارم، حيث يدرسون لعدد محدد من الساعات يتراوح بين ساعتين وست ساعات، ويقضون وقتًا في دراسة المجالات التي يهتمون بها، مع أصدقائهم، ثم يستذكرون دروسهم وحدهم بعد ذلك. ويقول أديتي ماثور، أحد المعتقدين بشدة في طرق التعليم البديلة: «أكبر مزايا التعليم هي المرونة التي يتسم بها الجدول الزمني. يمكن للطفل تعلم ما يريده في الوقت الذي يحبه. ويمكنه دراسة أي مادة بالقدر الذي يريده، ويتعلم بحسب إيقاعه الخاص وعلى النحو الذي يريده. إنه يتحكم في عملية تعلمه دون تعرضه لأي ضغط». الأطفال راضون بوجه عام عما يفعلونه.
بالنظر إلى إتاحة كل الأشياء أمام الطالب، وفي ظل الاهتمام الكبير الذي يحظى به، لا يعيش الطفل في ظروف تثير إحباطًا في إطار محاولته التكيف مع ظروف الحياة، ويصبح غير قادر على مواجهة التحديات التي تفرضها البيئة، ولا يتحلى بالصبر اللازم لتحمل الظروف. تقول فاركا: «إنه يقيد قدرة الطفل على تنمية المهارات الاجتماعية، والتكيف مع صفات الآخرين، وهو الأمر الذي يفرضه عليك النظام المدرسي. تحتاج تنمية المهارات الاجتماعية إلى ممارسة، فكلما واجهت مواقف تستدعي التكيف مع الآخرين، تطورت روح الفريق لدى الطفل. تتسم تلك المهارات اليوم بأهمية كبيرة لا تقل عن أهمية المهارات الفنية. يقدم النظام المدرسي الرسمي فرصة تطوير الشخصية بشكل شامل لأنه يجبر الطالب على الانخراط مع ناس قد لا يحبهم».
هل إذا لم تلتحق بمدرسة، تفوتك فرصة تعلم دروس مهمة في الحياة. تقول أنيتا رامبال المتخصصة في مجال التعليم: «في المدرسة حيث تكون بصحبة أشخاص مختلفين عنك، تتعلم التعاطف». لكن هل المدرسة تتسم بهذا القدر من التنوع حقًا؟ إنهم يقولون كذلك إن الأطفال، الذين لا يلتحقون بمدرسة، لا يتعرضون للفروق والاختلافات الاجتماعية، يشعرون براحة استثنائية في التعبير عن ذاتهم، والتصرف بحرية.
يبدو أن التعلم في المنزل لا يناسب الجميع، حيث تكون هناك حاجة إلى تفرغ أحد الأبوين على الأقل، وكذلك إلى تمتعه بقدرة على الاهتمام بنمو وتطور الطفل بشكل كامل. يقول ريان سامسون، البالغ من العمر 19 عامًا، والذي تعلم في المنزل مثل شقيقيه: «عادة ما يتطلب الأمر توفر المال، والاستقرار العاطفي في المنزل».



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).