غابي خوري: توزيع الفيلم العربي بحاجة إلى إعادة إحياء

‫المنتج المرتبط اسمه بيوسف شاهين يعود إلى ناصية الإنتاج

غابي خوري
غابي خوري
TT

غابي خوري: توزيع الفيلم العربي بحاجة إلى إعادة إحياء

غابي خوري
غابي خوري

عندما توفي المخرج والمنتج يوسف شاهين في السابع والعشرين من يوليو (تموز) 2008 ترك وراءه صرحًا إنتاجيًا كبيرًا ومختلفًا عن سواه. فصاحب «الأرض» و«حدوتة مصرية» و«الإسكندرية ليه» والكثير من الأفلام، كان أكثر المخرجين المصريين تعاملاً مع شركات الإنتاج الفرنسية التي موّلت غالبية أفلامه من مطلع الثمانينات.
ثقتها به كانت كبيرة كونه بنى اسمه في سوق السينما العالمية عبر أفلام وجدت ترحيب المهرجانات الأوروبية كما حافظت على نسبة إعجاب عالية بين الجمهور والنقاد الأجانب، وذلك في معظم ما حققه المخرج في السنوات العشرين الأخيرة من حياته.
المنتج غابي خوري كان حاضرًا دائمًا في ذلك الصرح. كان صلة الوصل بين شاهين والشركات الأجنبية التي تعامل شاهين وخوري معها عبر شركة «أفلام مصر العالمية». وبعد وفاة شاهين طرح على نفسه أسئلة مستحقة حول مستقبل الشركة بعد غياب المخرج المعروف. يقول في حديث خاص: «بعد وفاة شاهين وجدنا أنفسنا في رحلة صغيرة بحثًا عن الذات. هذا لأنه حين كان شاهين حيًا كان من غير الممكن القيام بأي نشاط إلا إذا كان هو محوره. هذا منع نشاطات كنا نود لو نقوم بها في زمنه ووجدنا بعد رحيله أنه بات من الممكن فعل ذلك من دون التخلي عن إرث السينمائي الكبير شاهين».
نتيجة ذلك البحث توزّعت بين غابي خوري وشقيقته ماريان خوري، مالكي الشركة الآن. بالنسبة لها كانت دائمًا ما ترغب في إنشاء مكان عرض يسمح لها بعرض الأفلام العربية والأجنبية التي لا تجد لنفسها مكانًا على الشاشات المصرية التقليدية. أسست صالة «زاوية» لهذه الغاية ثم قامت بإنشاء مهرجان باسم «بانوراما الفيلم الأوروبي» الذي ما زال نشطًا حتى الآن وبنجاح مطرد.
بالنسبة إليه كان المطلوب أن يجد السبل الاقتصادية التي تستطيع الشركة، من خلالها، العمل على نحو مستقر. يقول:
«في السابق كانت الشركة معتمدة على شاهين وعلى توفير الخدمات للأفلام الأجنبية التي تأتي إلى مصر للتصوير فيها. كنا شبه الوحيدين الذين نقوم بذلك لكني وجدت أن هذه الخدمات باتت متوفرة من قِبل أكثر من شركة وعدد الأفلام الأجنبية التي يتم تصويرها في مصر محدود جدًا. في ظل هذا الوضع ركّزت أكثر على صالات السينما. أنشأنا مجمّعات سينمائية وأخذنا وكالة آيماكس في مصر».
من ضمن ما قام به غابي خوري إنتاج مسلسلين لحساب تلفزيون BBC هما «دوران شبرا» و«ذات»:
«أعتبر هذه التجربة مهمّة لكني لا أود أن أعيدها تحت أي ظرف. أن تعمل تحت ضغط العامل الزمني هو أن تضع نفسك في سباق مع الوقت لأجل إنجاز العمل في موعده المحدد وهذا منهك جدًا».
هذا ما دفعه للتوقف عن هذا النوع من الأعمال والالتفات صوب إنتاج الأفلام المصرية والعربية عمومًا. قبل عام أنتج لخالد الحجر فيلم «حرام الجسد»، وسيقوم بإنتاج فيلم المخرج اللبناني أسد فولدكار الجديد «على ما تفرج».
يضع المنتج خوري في الاعتبار حقيقة الظروف التي تمر بها السينما العربية من حيث قدرتها المحدودة على إيجاد عروض واسعة في ظل الأوضاع الأمنية في عدد من الدول. لكنه يرد على ذلك بحسابات مبنية على الاعتراف بهذه الظروف وليس على آمال حلّها: «عندما تأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الظروف تضع ميزانية مبنية على كل تلك المشكلات بحيث لا تعرّض نفسك لمخاطرة كبيرة. مثلاً فيلم (على ما تفرج) أدخلت معي شريكًا في الإنتاج يملك محطة تلفزيونية بحيث يتم تأمين الدعاية اللازمة لإطلاق هذا الفيلم».
يجد غابي خوري أن عليه أن يجد المعادلة التي يحب العمل من خلالها: «يجب أن أكون سعيدًا فيما أقوم به».
وهو يرى، انطلاقًا، أن المستقبل ليس مبنيًا على مزيد من التعاون مع الشركات الأجنبية، «بل مبنيًا على ترتيب البيت الداخلي أساسًا. توزيع الفيلم العربي في البلاد العربية مأساوي في الواقع، وهو بحاجة لأن نعيد النظر فيه لإحيائه على نطاق علمي مدروس».



شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.