ملاحقة المتشددين عبر «درون» ومقتل أحد العشرة الأخطر في الشمال السوري

أبو هنية: دور أميركي... وجزء من تفكيك التنظيمات المتطرفة

مقاتلون من «جبهة النصرة» التي غيرت اسمها لاحقًا إلى «فتح الشام» في مدرسة التسليح بعد أن أعلنوا محاصرة اثنتين من الأكاديميات العسكرية وموقع عسكري ثالث في 6 أغسطس 2016 قبل أن تفقدها جميعًا في معركة حلب الأخيرة (غيتي)
مقاتلون من «جبهة النصرة» التي غيرت اسمها لاحقًا إلى «فتح الشام» في مدرسة التسليح بعد أن أعلنوا محاصرة اثنتين من الأكاديميات العسكرية وموقع عسكري ثالث في 6 أغسطس 2016 قبل أن تفقدها جميعًا في معركة حلب الأخيرة (غيتي)
TT

ملاحقة المتشددين عبر «درون» ومقتل أحد العشرة الأخطر في الشمال السوري

مقاتلون من «جبهة النصرة» التي غيرت اسمها لاحقًا إلى «فتح الشام» في مدرسة التسليح بعد أن أعلنوا محاصرة اثنتين من الأكاديميات العسكرية وموقع عسكري ثالث في 6 أغسطس 2016 قبل أن تفقدها جميعًا في معركة حلب الأخيرة (غيتي)
مقاتلون من «جبهة النصرة» التي غيرت اسمها لاحقًا إلى «فتح الشام» في مدرسة التسليح بعد أن أعلنوا محاصرة اثنتين من الأكاديميات العسكرية وموقع عسكري ثالث في 6 أغسطس 2016 قبل أن تفقدها جميعًا في معركة حلب الأخيرة (غيتي)

استأنف التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب استهدافه قيادات متشددة في الشمال السوري، عبر ضربات مركزة بطائرات مسيّرة (درون)، أسفرت أمس عن مقتل 5 قيادات من تنظيمي «فتح الشام» (النصرة سابقًا) و«الحزب الإسلامي التركستاني»، في إدلب.
ويشير استهداف القياديين في «فتح الشام» وقيادي في «الحزب الإسلامي التركستاني» لأول مرة في سوريا، إلى رخاوة القبضة الأمنية حول تلك التنظيمات، ووجود محاولة حثيثة لتفكيك تلك التنظيمات عبر اغتيال قادتها، في وقت يعتبر من الصعب فصل المتشددين عن المعتدلين في الشمال السوري.
وقال مصدر بارز في المعارضة السورية مطلع على حركة الجماعات المتشددة لـ«الشرق الأوسط»، إن الاغتيال الأخير «غير بعيد عن الاتفاق الروسي - التركي لاستهداف المتشددين»، متوقعًا «أن تتصاعد العمليات ضد فتح الشام وحلفائها»، موضحًا أن لتركيا «مصلحة كبيرة في تفكيك تنظيم القاعدة تمهيدًا لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار»، في ظل «عزلة النصرة، وفقدانها سبل حماية نفسها في مناطق حصرية لها، وعجزها عن ضرب المعتدلين في الشمال السوري».
وقضى قياديان اثنان على الأقل جراء استهدافهما على الطريق الواصل بين منطقة سرمدا وباب الهوى في ريف إدلب الشمالي، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرًا إلى مقتل قيادي في الحزب الإسلامي التركستاني يعد من القياديين «المتطرفين» العشرة الأوائل في سوريا وأحد القادة الأربعة الأبرز في «الحزب الإسلامي التركستاني»، إضافة إلى مقتل قيادي في تنظيم القاعدة، في ضربات استهدفت سيارة كانا يستقلانها. كما أشار المرصد إلى مقتل 3 عناصر من جبهة فتح الشام، جراء ضربات جوية استهدفت سيارتهم على الطريق الواصل بين سرمدا وحزانو بالريف الشمالي لإدلب، حيث أسفر القصف عن تفحم الجثث وتدمير السيارة.
وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن الترجيحات «تشير إلى مقتلهم بطائرات تابعة للتحالف الدولي»، لافتًا إلى أن القيادي القتيل في تنظيم «التركستاني» وهو أبو عمر التركستاني، و«يعتبر بمقام زعيم النصرة أبو محمد الجولاني»، مؤكدًا أن التنظيمات المتشددة في الشمال «باتت مخترقة على نطاق واسع في محافظة إدلب من قبل بعض الفصائل المتضررة من المتطرفين، والتي تريد أن تكون معتدلة».
تفكيك التنظيمات المتشددة وعزلها العمليتان الأخيرتان، هما الأحدث في سلسلة الملاحقة التي يتعرض لها المتشددون. وتشير وقائع ملاحقة المتشددين المرتبطين بجناح «القاعدة» المعولم، الذي يطمح لتنفيذ أهداف في دول عالمية، إلى أن الولايات المتحدة تكفلت بهذا الدور في العالم، وفي سوريا أيضًا. ويقول الخبير في حركة الجماعات المتشددة د. حسن أبو هنية لـ«الشرق الأوسط»، إن الطائرات المسيرة (درون) أدخلتها الولايات المتحدة في الخدمة لملاحقة المتشددين في 2008 أواخر ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. واستكمل الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه الاستراتيجية التي «حققت نجاحات باهرة في باكستان وأفغانستان»، مشيرًا إلى أن عمليات الاغتيال تلك «فككت جماعات القاعدة بعد استهداف قاداتها في البلدين، كذلك في اليمن». ويرى أن هذه الاستراتيجية «تنجح في ملاحقة بعض الحركات التي تعاني ضغطًا وتفككًا، لكنها لا تثمر في حالات التنظيمات القوية مثل تنظيم داعش الذي لم يؤثر اغتيال نحو 50 من قادته على هيكل التنظيم».
وفي حالة «جبهة النصرة»، يقول أبو هنية إن الضربات الجوية الأميركية «كانت فاعلة في تفكيك مجموعة خراسان حيث استهدفت قائد المجموعة الفضلي، واستمرت وصولا إلى اغتيال أبو الأفغان وغيره، لكنه يشير إلى أنه «لا يمكن الاعتماد عليها كاستراتيجية وحيدة من غير أن تترافق مع عمليات ميدانية، بالنظر إلى أنها جزء من الاستراتيجية ولها تأثير فاعل على المجموعات الصغيرة».
ويصف أبو هنية الملاحقة عبر طائرات مسيرة، بأنها «جزء من عملية قطع رؤوس التنظيمات المتطرفة»، وبالتالي، «يتم اختيار الأهداف وفق قائمة بالقياديين المعروفين وشخصيات محددة يتم اختيارها وتعتمد على المعلومة الأساسية على الأرض». ويوضح أنه في سوريا، «قضت تلك العمليات على المجموعات المعولمة، من خراسان إلى الشخصيات ذات التوجهات العالمية». وبذلك، «تنجح الاستراتيجية عبر محاولة دفع التنظيمات للتشكيك ببعضها، أو فرز نفسها عن المجموعات الأخرى»، واصفًا العمليات بأنها «قتل مستهدف وليس عشوائيًا، من شأنه أن يخلق ديناميكية لفرز المعتدلين عن المتشددين، فضلاً عن ديناميكية تفكيك المجموعات المتشددة».
وتعتبر عملية فرز المتشددين عن المعتدلين، من المعضلات الأساسية في مكافحة «النصرة» والتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة في الشمال السوري. ويبدو أن عملية الملاحقة لـ«رؤوس تلك التنظيمات» تنصب في جهود «تفكيك التنظيمات المتشددة وفرزها». وتؤكد الواقعة الأخيرة هذه الاستراتيجية، بالنظر إلى أن أبو عمر التركستاني «كان المرشح لتسلم مجلس الشورى في الشمال السوري في حال اندماج الفصائل المتشددة»، كما قال مصدر عسكري معارض في الشمال لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أنه «يعتبر من المعادين لأنقرة، ويوازي بالأهمية القائد العسكري للحزب التركستاني المعروف باسم الشيخ حسن أبو محمد التركستاني».
وساهمت تلك العمليات في محاولات عزل المتشددين عن المعتدلين ومنع الاختلاط. وتشير المصادر إلى «إجراءات أمنية تتخذها تلك المجموعات في هذا الوقت»، أهمها «تبديل مقرات الإقامة، واللوذ في مربعات أمنية خاصة يمنع دخولها على المدنيين، واختيار العناصر الأجنبية لتنفيذ مهام المرافقة والحراسة، ومنع قادة الصف الأول من الظهور، أو التواصل مع الناس».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».