كتاب ينافسون نجوم الغناء والسينما

أعمالهم تباع بالملايين ويحتكرون قائمة الأكثر مبيعا

كتاب كويلو «الخيميائي» يحتل المرتبة الأولى في قائمة الكتب المترجمة إلى لغات أخرى - دان براون - جي.كي. رولينغ - ستيفن كينغ
كتاب كويلو «الخيميائي» يحتل المرتبة الأولى في قائمة الكتب المترجمة إلى لغات أخرى - دان براون - جي.كي. رولينغ - ستيفن كينغ
TT

كتاب ينافسون نجوم الغناء والسينما

كتاب كويلو «الخيميائي» يحتل المرتبة الأولى في قائمة الكتب المترجمة إلى لغات أخرى - دان براون - جي.كي. رولينغ - ستيفن كينغ
كتاب كويلو «الخيميائي» يحتل المرتبة الأولى في قائمة الكتب المترجمة إلى لغات أخرى - دان براون - جي.كي. رولينغ - ستيفن كينغ

على عكس ما تخبرنا به التقارير السابقة، القراءة لم تختف من الوجود، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك؛ فالكاتب البرازيلي باولو كويلو له عدد كبير من القراء، وأدرجت أشهر كتبه، وهي «الخيميائي»، التي تروي قصة راعي غنم شاب من الأندلس يشرع في تنفيذ مهمة شخصية يقضي فيها ثمانية أعوام، وهي مدة فترتين رئاسيتين، على قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، كذلك تمت ترجمة الكتاب إلى 81 لغة. مع ذلك ليس «الخيميائي» سوى أحد أعمال كويلو، التي يربو عددها على الثلاثين. وصدر كتابه «الجاسوس» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبلغ عدد النسخ المبيعة منه 350 مليون نسخة تقريبًا. الكتب إذن، هذه الأعمال الزاخرة بالكلمات، التي كان من المتوقع أن يتخلى عنها الناس منذ فترة طويلة تحت تأثير المقاطع المصورة، والمدونات، والنشرات الصوتية، لا تزال تجد قراء، وبالملايين.
وليس كويلو وحده في هذا المجال؛ فقد بلغ عدد النسخ المبيعة لأعمال ستيفن كينغ، سيد الرعب، التي تزيد على الخمسين مؤلفا، 350 مليون نسخة. ولدان براون ملايين القراء أيضًا؛ فقد بلغ عدد النسخ المبيعة من كتابه «شفرة دافنشي» فحسب، التي ربما تكون في مكتبتك بالفعل، 80 مليون نسخة. وتتصدر أعمال مثل «الصافرة» لجون غريشام الآن قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، ومن المؤكد أن نسخ من كتاب كينغ «نهاية المناوبة» كانت تحت أشجار عيد الميلاد في مختلف أنحاء أميركا، أو وجدت نسخ من أعماله السابقة داخل علب هدايا أعياد الميلاد.
هناك كتّاب أعمالهم من الكتب الأكثر مبيعًا، وهناك مؤلفون حققت أعمالهم مبيعات هائلة، حيث بلغ عدد النسخ التي بيعت من أعمالهم مائة مليون نسخة أو يزيد. من هؤلاء الكتّاب كين فوليت، ونورا روبرتس، وجيمس باترسون، وستيفاني ماير، وربما يكون هناك المزيد.
نحن نعيش في زمن يواجه فيه الترفيه عراقيل كثيرة، حيث لم يعد الكثيرون يذهبون إلى دور السينما، أو يشترون أقراصا مدمجة، أو يشاهدون التلفزيون، وتبحث الأجيال الشابة عن التسلية على هواتفهم في أغلب الأحوال. مع ذلك لا يزال هناك أشخاص يشترون عددًا لا يحصى من الكتب، أكثرها أعمال لمؤلفين لا يزورون قائمة الأكثر مبيعًا كثيرًا فحسب، بل يقيمون فيها. وليس لدى المؤلفين، الذين تباع نسخهم بالملايين، قرّاء فحسب، بل لديهم معجبون أيضًا مثل نجوم الروك، يحرصون حتى على حضور الفعاليات، التي يقيمها المؤلفون، مثل فعاليات نيكولاس سباركس.
تباع أعمال هؤلاء المؤلفين في كل مكان مثل المتاجر التي تبيع المنتجات بأسعار منخفضة، والصيدليات، والسوبر ماركت؛ وكذلك لا تخلو منها أي منصة في مطار للباحثين عن كتاب يرافقهم في السفر. ويعد التطور التكنولوجي من الأسباب وراء تحقيق تلك المبيعات المذهلة، بفضل الكتب الإلكترونية، وتسارع وتيرة الطباعة، والتوزيع. منذ فترة ليست بالبعيدة، كان على بائعي الكتب، والقراء الانتظار فترة طويلة للحصول على طبعات إضافية لرواية حققت نجاحًا كبيرًا؛ أما اليوم إذا كنت تريد نسخة من كتاب «اعبر الخط» لباترسون، أو «اثنين اثنين» لسباركس، ونفدت النسخ في المكتبة القريبة منك، فيمكنك تنزيل نسخة إلكترونية من الكتاب من خلال الإنترنت في دقائق معدودة، أو طلب نسخة ورقية من موقع «أمازون» لتصلك في اليوم التالي. كذلك يمكن لبائع الكتب في الحي الذي تسكن به الحصول على نسخة في نهاية الأسبوع.
وقد يُعزى نجاح هذه الأعمال إلى تنامي تأثير السوق الدولية، رغم أن وجود الكثير من البصمات الأجنبية، وتنوع صيغ النشر، بين النسخ الورقية والإلكترونية، يمكن التكهن بإجمالي المبيعات على مستوى العالم بشكل تقديري فحسب. ومن بين المؤلفين، الذين حققت أعمالهم مبيعات هائلة روبرتس، ودانييل ستيل، وديبي ماكومبر، وأر. إل. ستاين، ماكينة غزل قصص الرعب للأطفال، وسباركس، شاعر الحب، الذي لا يحب حصره داخل تصنيف الرومانسية، وجي. كي. رولينغ، سيدة السحر البريطانية، التي تقدر مبيعات كتبها بأكثر من 450 مليون نسخة، وإي. إل. جيمس، وغريشام، وكينغ، وبراون، ودين كونتز، وجيفري أرشر، وديفيد بالداتشي، وماري هيغينز كلارك، سحرة كتب الإثارة.
كيف تصبح كاتبًا ناجحًا جدًا مثل هؤلاء؟ الكتابة لا تكفي، رغم أنه تمت قراءة بعض تلك الروايات على هذا النحو. تتنوع جودة الكتابة والسرد بدرجة كبيرة، لكن هناك بعض أوجه الشبه بين الكتّاب الناجحين. إنهم بالأساس منتجون بشكل استثنائي، حيث ينشرون أعمالهم بانتظام يشبه عمل الساعة السويسرية، أي مرة أو مرتين سنويًا، بل وشهريًا في حالة باترسون، الذي يعد صناعة بحد ذاته، بفضل فريق الكتّاب الذين يعملون معه، أو روبرت ليدليم، الذي لا تزال سلسلة أعماله «بورن»، وغيرها من الكتب تنشر لفترة طويلة بعد وفاته عام 2001 بفضل المؤلفين الذين يكتبون باسمه.
يقول جيمي راب، رئيس دار نشر «غراند سنترال بابليشينغ»، التي حصلت على حقوق نشر أول رواية لسباركس «دفتر التدوين» حين كان مندوب بيع عقاقير غير معروف: «لا يمكنك أن تكون أعجوبة بكتاب أو اثنين؛ إذ قد يجذب المؤلفون مثل سباركس الكثير من القراء في البداية، لكن يجب الاحتفاظ بهم».
نادرًا ما يتعامل كبار الكتّاب مع شعبيتهم باعتبارها أمرًا مسلما به، حيث يذهبون إلى حيث يوجد القرّاء، ويحرصون على التواجد بين الشباب لفترة طويلة بعد ترسيخ أقدامهم كتّابا، وجني ثروة، والوصول إلى النجومية. في يونيو (حزيران)، قام كينغ بعمل جولة مع روايته «نهاية المناوبة» في دايتون، في ولايتَي أوهايو، وتولسا، ومقاطعة سولت ليك سيتي، وهي أماكن بدأ يتجه إليها مؤلفو الأعمال الأدبية. كذلك يحرص أصحاب الأعمال، التي تحقق مبيعات هائلة، على إبقاء المواقع الإلكترونية نشطة، وكذلك يتواجدون على مواقع التواصل الاجتماعي بقوة. على سبيل المثال، وصل عدد المعجبين بصفحة براون على موقع الـ«فيسبوك» إلى 6.5 مليون.
مع ذلك، يقدم أكثر هؤلاء المؤلفين قصصًا رائعة؛ ففي رواياتهم، وبخاصة روايات الإثارة والمغامرات، والخيال العلمي، تكون الحبكة الدرامية هي الأهم؛ ويمكن الإحساس بقرب أبطال الرواية من النفس، حيث يتسمون بصفات مثل الخجل، والقلق، وقصر النظر، والانكسار، والتعافي، وسرعة الغضب، وينتمون إلى الطبقة المتوسطة، لكنهم يعيشون قصصا مذهلة، مشوقة، تمثل فرصة للقارئ للهرب من حياته اليومية. في الروايات الرومانسية يكون للحب وضع متميز، ومقدر، يتحدى المنطق والسببية.
تقول سوزان هيرز، نائبة رئيس دار نشر «دابلداي» التي تتولى تشر أعمال غريشام وبراون «لا يمكن التقليل من قدر الترفيه الذي يقدمه أولئك المؤلفون. هناك دائمًا موضوع الصراع مثل صراع داود وجالوت؛ فأنت تريد أن ينتصر البطل في النهاية»، وذلك لأن الأبطال يستحقون ذلك. أما نان غراهام من دار نشر «سكريبنر»، التي تقوم بتحرير أعمال كينغ، فتقول «من الأمور التي تجعل كينغ شخصًا استثنائيًا هو إبحاره في المنطقة الوسطى بين العادي والفائق للعادة، لكنه دائمًا ما يبدأ بالرجل العادي. وينتمي الكثير من أبطال رواياته إلى الطبقة العاملة؛ وهم من وسط أميركا».
وتتفق معها في ذلك ريغان آرثر، صاحبة دار نشر «ليتل بروان»، التي تنشر أعمال لمؤلفين منهم باترسون، وماير، ومايكل كونيلي (60 مليون نسخة). وتشير إلى أن الأبطال في روايات أولئك الكتّاب يمكن الاعتماد عليهم، حيث يعود إليهم القارئ، مع تقديم قصة تمثل فرصة للهرب. وبالطبع، لا يمكن التقليل من قوة شخصية شريرة مكتوبة جيدًا يمكن للقارئ اتخاذ موقف ضدها.
هل من السهل النجاح؟ لا
لو كان الأمر كذلك لتمكّن عدد أكبر من المؤلفين من بيع ملايين الكتب، كما إن النجاح لا يتحقق دائمًا مع أول كتاب، كما في حالة جيليان فلين، التي نشرت كتابين قبل أن يحقق كتابها «الفتاة الراحلة» نجاحًا باهرًا، وبيع منه أكثر من 15 مليون نسخة. ولا يوجد أي شيء يضمن تكرار هذا الأمر.

* خدمة «واشنطن بوست»



هل تعيد الثقافة الرقمية تشكيل الجغرافيا السياسية؟

هل تعيد الثقافة الرقمية تشكيل الجغرافيا السياسية؟
TT

هل تعيد الثقافة الرقمية تشكيل الجغرافيا السياسية؟

هل تعيد الثقافة الرقمية تشكيل الجغرافيا السياسية؟

شكل سقوط الحكومة البلغارية قبل أيام، عقب استقالة رئيس الوزراء روزين جيليازكوف، نقطة ارتكاز إضافية في فهم شكل مستجد من التحولات الاجتماعية العالمية. فالحدث في الخاصرة الأوروبيّة جاء تتويجاً لسلسلة مترابطة من الهزات السياسية التي ضربت خلال عامنا الحالي جنوب آسيا وعمق القارة الأفريقية ليصل تالياً إلى البر الأوروبي، مشكّلاً ما يمكن الزعم بأنه ظاهرة عالمية موحدة يقودها «الجيل زد»، خلافاً للنظريات الاجتماعية التقليدية التي وصفت هذا الجيل (مواليد 1997 - 2012) بالهشاشة النفسية وقصر مدى الانتباه بسبب إدمان «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

العالم على بوابة الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين أمام مشهد يُعيد فيه هؤلاء الشبان - الذين نشأوا في ظل أزمات اقتصادية طاحنة وانهيار للعقود الاجتماعية، ولم يعد لديهم وهم الإصلاح التدريجي الذي آمن به آباؤهم - تعريف مفاهيم السلطة والشرعية والعدالة، مستخدمين البنية التحتية الرقمية ساحةً رئيسية للفعل العام، ونسق تحرك سياسي وثقافي جديد؛ ما دفع دولاً قلقة مثل إسرائيل إلى تدشين ما أسمته «الجبهة الثامنة» لمحاولة هندسة عقول هذا الجيل تقنياً بعد أن عجزت عن إقناعه سردياً.

الحراك الشبابي في جنوب وجنوب شرق آسيا جاء ليملأ الفراغ الذي خلفته القوى التقليدية. في دول مثل بنغلاديش، سريلانكا، نيبال وإندونيسيا، غابت التيارات اليسارية والتقدمية المنظمة عن المشهد، سواء بسبب التصفية التاريخية كما حدث في إندونيسيا، أو الانغماس في الفساد كما في نيبال، أو التآكل بسبب النزعات القومية في سريلانكا. في ظل هذا الغياب للقنوات السياسية المعتادة تحولت منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك» و«إنستغرام» في هذه المجتمعات «نظام تشغيل» بديلاً للحياة السياسية، وتجاوز الشبان بواسطتها مرحلة التنسيق الميداني إلى مرحلة فرض سردية بصرية على الحدث. فبدلاً من الصور الصحافية التقليدية، تناقلت وكالات الأنباء لقطات ومقاطع فيديو منقولة عن وسائل التواصل الاجتماعي لمتظاهرين يحتلون غرف نوم الرؤساء أو يقتحمون المقار الحكومية؛ ما أسس لقواعد اشتباك بصرية جديدة. هذه المشاهد قرئت بوصفها تحذيراً في الكثير من العواصم عن سقوط آت لهيبة السلطات التقليدية أمام غضب الجوع والبطالة عند الأجيال الجديدة، وتهديداً وجودياً للأنظمة السياسية القائمة.

في القارة الأفريقية، بدا أن هذه التحولات اكتسبت زخماً إضافياً بفضل العامل الديموغرافي، حيث بمتوسط عمر يبلغ 19 عاماً تمتلك القارة كتلة حرجة من الشباب الجاهز للانفجار السياسي. وكشفت الأحداث الأخيرة في كينيا، مدغشقر والمغرب عن ديناميكيات جديدة للاقتصاد السياسي لغضب الجيل الطالع هناك. إذ يعمل أغلب هؤلاء الشباب في قطاعات غير رسمية؛ ما يحررهم من سطوة الدولة البيروقراطية وقدرتها على الابتزاز الوظيفي. وتميزت هذه التحركات بـلا مركزية مطلقة، حيث غياب القيادة الهرمية جعل من المستحيل على الأجهزة الأمنية إجهاض الحراك عبر اعتقال الرؤوس؛ لأن الجميع قادة ميدانيون يمتلكون أدوات البث والتوثيق. وعززت هذه الحالة شعوراً معولماً بـالتضامن الرقمي، حيث يستلهم الشبان عبر الحدود تكتيكاتهم وشجاعتهم من نجاحات أقرانهم في الدول الأخرى.

لم تقتصر الحراكات على دول الجنوب في العالم الثالث، بل قدمت بلغاريا - أفقر دول الاتحاد الأوروبي - دليلاً آخر على فاعلية نهج السياسة الشبكية. فرغم أن «الجيل زد» يشكل نسبة محدودة من السكان، نجح الشباب البلغاري في كسر حالة مديدة من الجمود السياسي التي فرضت 7 انتخابات في 4 سنوات، وانتقل عبر تحويل منصات الترفيه قنواتٍ للتثقيف والتعبئة السياسية من خانة اللامبالاة إلى خانة الفاعل المرجح. لقد أثبتت الحالة البلغارية بشكل حاسم أن القدرة على الحشد الرقمي المكثف يمكنها إسقاط حكومات حتى في قلب أوروبا، متجاوزة بذلك القنوات الحزبية والبرلمانية التقليدية التي أصابها التكلس والشلل.

ثمة قوى كثيرة استشعرت الخطر من هذا النموذج الجديد، وتحديداً إسرائيل، التي قررت، في مواجهة انهيار التأييد العالمي لها بسبب حرب الإبادة في غزة، الانتقال من نموذج البروباغاندا التقليدية إلى هندسة البنية التحتية للمعلومات، وهو ما توّج بإعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فتح «الجبهة الثامنة» التي تركز كلياً على الفضاء الرقمي.

ولإسرائيل أن تقلق بالفعل، فقد كشفت البيانات عن أن المحتوى المؤيد لفلسطين على منصة «تيك توك» وحدها يتفوق بفارق هائل (17 ضعفاً) عن المحتوى المؤيد لإسرائيل؛ ما انعكس تحولات جذرية في نظرة الجيل الجديد لمشروع الدولة العبرية مقارنة بجيل آبائهم.

ولمواجهة هذا «الطوفان الرقمي»، اعتمدت تل أبيب حزمة استراتيجيات تقنية ومالية مكثفة لاستعادة زمام المبادرة الافتراضية، بما في ذلك التعاقد مع شركات متخصصة لضخ محتوى مصمم خصيصاً لاختراق وعي «الجيل زد»، ودفع مبالغ طائلة للمؤثرين لتبني الرواية الرسمية الإسرائيلية، وإنشاء محتوى يهدف إلى التأثير على مخرجات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولعل الأخطر في هذا السياق هو التوجه نحو السيطرة على المنصة ذاتها. يُعدّ الدفع باتجاه استحواذ تحالف يقوده لاري إليسون (مؤسس عملاق التكنولوجيا «أوراكل» المزود الرئيسي لخدمات البيانات والمراقبة للأجهزة الأمنية وأحد كبار المانحين للجيش الإسرائيلي) على عمليات «تيك توك» في الولايات المتحدة، خطوة استراتيجية تهدف إلى امتلاك مفاتيح الخوارزمية. تمثل رؤية إليسون القائمة على المراقبة الشاملة وتحليل البيانات لضمان «حسن السلوك» تحولاً نحو عسكرة الفضاء الرقمي على نحو يتيح تحويل المنصات من ساحات للتعبير الحر إلى أدوات للضبط والمراقبة، بما يكفل وأد الروايات المعارضة قبل انتشارها.

هذه التطورات تضعنا أمام مفترق طرق تاريخي. إذ ثبت أن «الجيل زد»، من آسيا إلى أوروبا مروراً بأفريقيا، يمتلك القدرة على تفكيك الأنظمة القديمة وتجاوز الحدود الجغرافية لبناء تضامن عالمي. في المقابل، تسعى التحالفات بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى إلى إعادة هندسة الإنترنت ليصبح أداةً للسيطرة والتحكم في تدفق المعلومات، وتفريغ وسائل التواصل الاجتماعي من إمكاناتها في دحض السرديات الاستعمارية وتعرية «الحقائق» المصنعة.

ولذلك؛ فإن التحدي الجوهري القادم للحراكات الشبابية لم يعد مقتصراً على قدرتها في تحويل «ثورة الغضب» الرقمية إلى مؤسسات سياسية مستدامة تملأ الفراغ بعد سقوط الحكومات، وتمنع انزلاق بلادها نحو الفوضى أو عودة الديكتاتوريات بأقنعة جديدة، بل تعداه إلى الفضاء السيبيري، حيث سيحتدم الصراع بين من يملك الحق في رواية القصة، ومن يملك القدرة على حجبها.

إنها لحظة فاصلة: فإما أن ينجح شبان الجيل الجديد في ابتكار نظام سياسي جديد لا مركزي يتناسب مع ثقافتهم الرقمية، أو تنجح استراتيجية «الجبهة الثامنة» في تحويل هواتفهم الذكية من أدوات للتحرر والفعل السياسي إلى أجهزة تعقب وتوجيه، ليعيشوا في ديكتاتورية خوارزمية ناعمة، يختارون فيها ما يشاهدون، لكنهم لا يختارون ما يُعرض عليهم.


إطلاق معجم الدوحة التاريخي للغة العربية

إطلاق  معجم الدوحة التاريخي للغة العربية
TT

إطلاق معجم الدوحة التاريخي للغة العربية

إطلاق  معجم الدوحة التاريخي للغة العربية

تزامناً مع اليوم العالمي للغة العربية، أُقيم أمس في قاعة كتارا بمدينة لوسيل القطرية حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتنظيم المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

والمعجم يوثق جميع ألفاظ اللغة العربية توثيقاً تاريخيًّا، ويرصد معانيها منذ أول استعمال لها في النصوص المكتوبة، أو النقوش المكتشفة، ويتتبع تطوّر هذه المعاني في سياقاتها التاريخية، اللغوية، والمصطلحية. وشمل أكثر من 300 مدخل معجمي، وعشرة آلاف جذر لغوي، ومدونة نصية تتجاوز مليار كلمة.

وانقسم العمل في المعجم إلى ثلاث مراحل رئيسة. في المرحلة الأولى تم تناول ألفاظ اللغة العربية من أقدم نص مكتشف إلى العام 200 للهجرة، وقد استغرق العمل فيها خمس سنوات، منذ انطلاق المشروع في 2013 وحتى العام 2018.

وشملت المرحلة الثانية ألفاظ اللغة العربية من 201 للهجرة إلى العام 500، وقد بدأ العمل فيها منذ العام 2019، واستمر حتى العام 2022.

وتم في المرحلة الثالثة تناول الألفاظ من 501 هجرية حتى آخر استعمال حديث لها.

في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2018، أعلن عن انتهاء المرحلة الأولى من المشروع، وإطلاق البوابة الإلكترونية، وإتاحتها لكافة المستخدمين، وتضمنت معلومات إضافية عن المعجم، وخصائصه، ومصادره، ومادته، ومنهجية بنائه، والتجارب، والمحاولات التي سبقت معجم الدوحة التاريخي للغة العربية. بالإضافة إلى قرارات المجلس العلمي مرتبة ترتيباً موضوعياً، والدليل المعياري للمعالجة المعجمية، والتحرير الذي يتضمن الضوابط العلمية والمنهجية المرعيّة في بناء المعجم. كما تتضمن أسماء جميع الذين شاركوا في إنجاز المعجم من أعضاء المجلس العلمي، وأعضاء الهيئة التنفيذية، ومنسقي الفرق المعجمية، والمحررين، والمراجعين، وخبراء النقوش والنظائر السامية، والتأثيل، وأعضاء الفريق التقني، والمستشارين. وتتضمن البوابة دليلاً مفصلاً للاستعمال يحتوي على شرح مفصل مصور لكيفية التسجيل في البوابة، والاستفادة من الخدمات التي تقدمها.

وتتيح البوابة الإلكترونية للمستخدمين البحث داخل المعجم إما بالجذر للحصول على المادة المعجمية بأكملها، بمبانيها، ومعانيها، ومصطلحاتها، مرتبة تاريخياً، مع ألفاظها المستخلصة من النقوش، ونظائرها السامية، وإما بالبحث بالكلمة الواحدة.

وكذلك البحث في مصادر العربية الممتدة من القرن الخامس قبل الهجرة إلى نهاية القرن الرابع للهجرة، وتوفر خيار البحث البسيط، والبحث المتقدم.

وتشكّل المجلس العلمي لمعجم الدّوحة التاريخي للغة العربية من مجموعة من كبار المختصين اللغويين، والمعجميين من مختلف الدول العربية.


حين حذر العقاد من الأدب المصنوع

حين حذر العقاد من الأدب المصنوع
TT

حين حذر العقاد من الأدب المصنوع

حين حذر العقاد من الأدب المصنوع

يركز عباس محمود العقاد (1889 - 1964) في كتابه «مطالعات في الكتب والحياة»، الذي أصدرت الهيئة المصرية لقصور الثقافة طبعة جديدة منه، على أهمية النظرة الجماعية للأدب بين التسلية والعمق والدلالات الخطيرة التي تكمن وراء طبيعة نظرة شعب من الشعوب له، وفق هذا المنظور أو ذاك.

ويؤكد العقاد أن اعتبار الأدب أداة لهو وتسلية هو الذي يصرفه عن رسالته العظيمة في فهم النفس البشرية والتعبير الصادق عن الحياة، وغيرهما من عظائم الأمور، ويسقطه في هوة البطالة والفراغ، فينشر حالة من اللامبالاة تجاه الذات والآخرين: «فماذا يُرجى من الفراغ غير السخف والسطحية في النظر للأشياء، فضلاً عن لهو الحديث وافتقاد المعنى؟ وبالتالي يصغي إليه الناس حين يصغون كأنما يستمعون إلى طفل ينطق الكلمات بخطأ مضحك، ويلثغ بالألفاظ المحببة إلى أهله، فلا يحاسبونه على كذب، ولا يطالبونه بطائل في معانيه، ولا يعولون على شيء مما يقوله».

ويذكر العقاد أنه إذا بالغ الأديب في مدح أو هجاء، أو جاوز الحد في صفة من الصفات؛ فمسح الحقائق، ونطق بالهراء، وهذر في تصوير جلائل أسرار الحياة، وخلط بين الصواب والخطأ... غفروا له خطأه وقالوا: لا عليه من بأس، أليس الرجل شاعراً؟ ولو أنصفوا لقالوا: أليس الرجل هازلاً؟ وإنهم ليقولونها لو اقترحتها عليهم، ولا يرون بينها وبين الأولى فرقاً؛ لأن الهزل والشعر هما في عرف هؤلاء الناس شيئان بمعنى واحد، ما دام الأدب أداة لهو وتسلية!

ومن شاء التحقق والتثبت من ذلك في تواريخ الآداب، بحسب العقاد، فليرجع إلى تاريخ الأدب في لغتنا العربية، ولينظر في أي عهد هبط بقوة. إنه لم يهبط ولا كثرت عيوبه في عهد الجاهلية، ولا في عهد الدولة الأموية، ولكنه هبط وتطرق إليه كثير من عيوب اللفظ والمعنى في أواسط الدولة العباسية؛ أي في العهد الذي صار فيه الأدب هدية تُحمل إلى الملوك والأمراء لإرضائهم وتسليتهم ومنادمتهم في أوقات فراغهم، وكان أول ما ظهر من عيوبه الشطط والمبالغة والطي والنشر والتوشيع وسائر ما تجمعه كلمة «التصنّع». وهذه العيوب التي تجتمع في هذه الكلمة هي في الإجمال الحد الفارق بين الأدب المصنوع والأدب المطبوع، وما نشأ شيء منها إلا حين تحول إلى أداة تستهدف إرضاء فئة خاصة.

ويتابع العقاد: «هكذا كان الشأن في اللغات كافة، فإن انحطاط الآداب في جميع اللغات إنما كان يبدأ في عصور متشابهة هي في الغالب العصور التي يعتمد فيها الأدب على إرضاء طائفة محدودة، يعكف على تملقها والتماس مواقع أهوائها العارضة وشهوات فراغها المتقلبة، فتكثر فيه الصنعة والافتعال وتقل الموهبة، فيضعف وينحدر إلى حضيض الابتذال، ثم يجمد على الضعف والإسفاف حتى تبعثه يقظة قومية عامة، فتُخرجه من ذلك النطاق الضيق إلى أفق واسع منه وأعلى لاتصاله بشعور الأمم على العموم»، لافتاً إلى أن «هذا ما حدث في الأدب الفرنسي في أعقاب عهد لويس الرابع عشر حين شاعت فيه الحذلقة وغلبت التورية والجناس والكناية وغيرها من عيوب الصنعة، ثم بقي على هذه الحال من الضعف والسقوط حتى أدركته بوادر الثورة الفرنسية، فانتشلته من سقوطه بعد اتصاله بشعور الأمة مباشرة دون وساطة الطوائف المتطرفة. وبالتالي يجب أن يفهم أبناء هذا الجيل والأجيال أن الأمم التي تصلح للحياة وللحرية لا يجوز أن يكون لها غير أدب واحد، وهو الأدب الذي ينمي في النفس الشعور بالحرية والحياة».