طبعة شعبية من سلسلة «أوراق» المصرية

تهتم بالطابع الاستشرافي للمستقبل وعلاقة الثقافة بالفضاء الإلكتروني

طبعة شعبية من سلسلة «أوراق» المصرية
TT

طبعة شعبية من سلسلة «أوراق» المصرية

طبعة شعبية من سلسلة «أوراق» المصرية

في إطار خطتها الثقافية للعام الجديد تعتزم مكتبة الإسكندرية، تطوير سلسة «أوراق» التي تصدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بالمكتبة، وتتناول مجموعة من الدراسات التحليلية لموضوعات متعددة تتقاطع جميعها في طابعها الاستشرافي للمستقبل. وأصدر الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير المكتبة قرارًا بدعم الطبعات الشعبية من هذه السلسلة.
وقال الدكتور خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية، إنه من المقرر أن تصدر أعداد جديدة من السلسلة في الفترة القريبة المقبلة، ومنها «أسلحة الفضاء الإلكتروني في ضوء القانون الدولي الإنساني»، و«اللغة ومستقبل الهوية: التعليم نموذجًا»، و«الآفاق الثلاثة للأزمنة ما بعد العادية»، و«المستقبلات العربية: ثلاثة سيناريوهات لعام 2025»، و«توطين الدراسات المستقبلية في الثقافة العربية، الأهمية والصعوبات والشروط»، و«الدراسات المستقبلية: إطار مفاهيمي»، و«تحولات الدولة القومية والسلطة»، وغيرها.
في عدد «اللغة ومستقبل الهوية: التعليم نموذجًا»، تأليف ضياء الدين زاهر، يسعى الباحث إلى بلورة رؤية مستقبلية تستهدف رسم مسارات للحفاظ على اللغة العربية، تدريسًا وبحثًا، وذلك بما يكفل تكريس الهوية العربية وتجديدها، ويتم استجلاء هذا من خلال تفحص دقيق لماهية الهوية وأنواعها ومحدداتها وأساليب تشكلها وعوامل هذا التشكل، وذلك بالتوازي مع تفهم موضوعي لمسارات اللغة العربية والعوامل المؤثرة فيها ومصادر التشوه اللغوي، بالإضافة إلى تبيان مصادر الخلل في أساليب تعلمها، ويترافق مع هذا كله تحليل مواز للطبيعة الجدلية بين الهوية واللغة وعلاقات التأثير بينهما.
ويتناول عدد «الآفاق الثلاثة للأزمنة ما بعد العادية»، من تأليف جون سويني وضياء الدين ساردار، مراجعة نظرية للمفاهيم التي تشكل منهجًا جديدًا.
أما عدد «المستقبلات العربية: ثلاثة سيناريوهات لعام 2025»، إعداد معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، فيتطرق للتحديات التي تواجهها الدول العربية، ومنها مشكلة البطالة.
وفي عدد «توطين الدراسات المستقبلية في الثقافة العربية، الأهمية والصعوبات والشروط»، تأليف محمد إبراهيم منصور، تتطرق الدراسة إلى الإطار المعرفي للدراسات المستقبلية: ماهيتها وأهميتها. وترى الدراسة إلى أن هناك سمتين تسمان الجهود العربية في مجال الدراسات المستقبلية؛ الأولى أن هذه الدراسات كانت عملاً مؤسسيًّا اضطلعت به مؤسسات معظمها ينتمي إلى المجتمع المدني وليس الحكومات - إلا فيما ندر - وثانيهما أن تلك الجهود لم تتصف بالمتابعة والتراكم والاستمرار.
وتطرح الدراسة أنه يجب إعادة تأهيل «القوة البحثية العربية» - وهي كبيرة - في اتجاه أنماط البحث والتفكير المستقبلي، وإعداد أجيال جديدة من الباحثين اللازمين لتجديد دماء مراكز البحوث والدراسات العربية، والعمل على تحرير النشاط البحثي لهذه المراكز من الطرق والمناهج التقليدية المحافظة إلى مناهج الدراسات المستقبلية وتقنياتها الابتكارية، مع التأكيد على ضرورة تأسيس هيكل مرن ذي قيادة خبيرة يضم تحت جناحيه ما قدمته الجماعة العلمية العربية من دراسات مستقبلية على ندرتها، بحيث يعمل كنواة لمشروع ذي صفة مؤسسية يضم قاعدة بيانات للدراسات المستقبلية، وخبرائها المعروفين داخليًّا وخارجيًّا ومرجعياتهم المؤسسية.
وفي عدد «الدراسات المستقبلية: إطار مفاهيمي» من تأليف ريتشارد أ.سلوتر وترجمة خلود سعيد، يقول الكاتب إن مجال المستقبليات له أفكاره وأدبياته وتنوع مناهجه، لكن يقل الاهتمام بلغته ومفاهيمه، ويُعد نقص وجود مفاهيم محددة للمستقبليات من أولى الصعوبات التي تواجه طلاب الدراسات المستقبلية، ويُعنى الجزء الأول من البحث بدور المفاهيم كأسس للرؤية المستقبلية الاجتماعية؛ أما الجزء الثاني فيناقش مختارات من مفاهيم المستقبليات، لافتًا إلى أن دراسات المستقبليات تهتم بالأساس بالأفكار والمشاعر والأهداف المعاصرة التي قد تؤثر على المستقبل، بينما يجادل آخرون في أن المعرفة البديلة أو التأويلية يمكن أن تحل محل الحقائق المستقبلية، وهي الرؤية المعتمدة في هذه الورقة.
وتطرقت الدراسة في الجزء الثاني إلى مفاهيم المستقبليات وتحدث فيها عن عناصر الأسباب العقلانية عند فعل أي شيء جديد ومنها؛ نظرة إلى النتائج طويلة المدى للقرارات، واختيار بدائل المستقبل اختيارات في الحاضر، وتفضيل التفكير المستقبلي على إدارة الأزمات، وحتمية التحولات المستقبلية، فغالبًا ما ستكون التغيرات المتوقعة خلال المائة عام القادمة بمقام التغيرات التي حدثت خلال الألف سنة الماضية.
فيما طرح العدد «تحولات الدولة القومية والسلطة: دراسة في انعكاسات المجتمع الشبكي على الحكم وعلاقات السلطة»، من تأليف الدكتور عزمي خليفة. وتستند هذه الدراسة إلى فرضية رئيسية قوامها أن الدولة القومية التي ورثها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية السبعينات من القرن العشرين أضحت في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف، وإعادة تحديد لدورها وعلاقتها بالمجتمع والمواطن ومختلف المؤسسات العاملة بها، بما في ذلك المجتمع المدني؛ بل أسلوب ممارستها للسلطة؛ وذلك حتى ندرك جيدًا أسباب الفشل الذي يواجه الدول العربية ومغزى ما تواجهه من مشكلات.



لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية