السياسة الخارجية لتركيا... اتجاه إلى الشرق وكسر للعزلة الإقليمية

عرفت السياسة الخارجية التركية خلال عام 2016 كثيرًا من التغيرات، إلى الحد الذي بدا فيه أن تركيا بدأت تغيير محاور هذه السياسة والتحول شطر الشرق مرة أخرى بعدما أدار لها الغرب والاتحاد الأوروبي ظهره، وبعدما وجدت أنقرة نفسها في عزلة إقليمية ودولية وباتت محل انتقادات من بعض الأصوات المؤثرة في صنع القرار.
مضت العلاقات التركية - الأميركية على وتيرة الصعود والهبوط التي اتسمت بها، في السنوات الثلاث الأخيرة تحديدًا. وعلى الرغم من تعدد الزيارات واللقاءات بين المسؤولين الأتراك والأميركيين، بقيت الملفات التي شكلت أساسًا للتوتر أحيانًا وللفتور والتباعد أحيانًا أخرى بين أنقرة وواشنطن قائمة، ولم يطرأ عليها تغيير. وتعرضت واشنطن لانتقادات حادة من الجانب التركي، بالأخص، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي، وتراوح الموقف التركي بين اللوم والهجوم، ووصل إلى حد الاتهام بدعم المخابرات الأميركية لمحاولة الانقلاب.

غولن وسوريا والأكراد
وجاء الهجوم على الموقف الأميركي في سياق موقف تركي من الغرب عمومًا، بسبب ما اعتبرته ردة فعل أميركية «غير كافية» من واشنطن إزاء محاولة الانقلاب، وهذا فضلاً عن إصرار واشنطن على تقديم أدلة قاطعة على اتهام أنقرة للداعية فتح الله غولن - المقيم في أميركا منذ عام 1999 - بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، قبل أن تقرر تسليمه لتركيا. كذلك شكلت التباينات بين أنقرة وواشنطن في التعامل مع الملف السوري والجماعات التي تقاتل على الأرض، ولا سيما ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية واحدة من نقاط التوتر.
وفي الحقيقة، يشكل ملف الأكراد دائمًا واحدًا من ملفات التوتر والتأثير في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ويدعي الموقف الأميركي في هذا الملف استناده على بُعد ديمقراطي وحقوقي، وهناك تفاصيل كثيرة داخل ملف المشكلة الكردية في تركيا تبقى بابًا مفتوحًا للخلافات. ومن ثم، تتطلع أنقرة خلال العام الجديد (2017) إلى نقلة نوعية في العلاقات مع واشنطن بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة، وتركيزه على ملف الإرهاب، وإعلانه قدرته على التدخل وحل الخلافات بين تركيا والأكراد بسهولة.

روسيا وأوروبا
في منتصف عام 2016 دخلت العلاقات التركية - الروسية مرحلة جديدة عقب تجاوز أزمة إسقاط تركيا المقاتلة السوخوي «سو - 24» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015 وفتح صفحة جديدة للتعاون، حتى في الملفات المختلف عليها، وأهمها الملف السوري. ولقد تبادل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الزيارات، وفتحا خطًا للتنسيق والتشاور المستمر حول سوريا، فضلاً عن إنهاء الحصار الذي فرضته موسكو على أنقرة في مجالات التجارة والسياحة والبدء في تنفيذ مشاريع كبرى كخط الغاز «تورك ستريم» أو التيار التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا وإقامة محطات نووية لتوليد الكهرباء في تركيا.
أصبحت العلاقات مع روسيا أبرز طفرات السياسة الخارجة لتركيا في 2016، بل إنها أصبحت عامل قوة وورقة في يد تركيا تستقوي بها في وجه الغرب، وخصوصًا الاتحاد الأوروبي، الذي تدهورت علاقته مع تركيا بشدة خلال العام المودّع. وربما لا توجد مبالغة إذا قلنا إنه كان العام الأسوأ في مسار العلاقة بين تركيا والاتحاد التي وصلت إلى حد اتخاذ البرلمان الأوروبي قرارًا غير ملزم في 24 نوفمبر بتجميد مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد، أما السبب فما اعتبره الأوروبيون «انحرافًا» من تركيا عن «معايير الاتحاد» على وقع حملات الاعتقالات الواسعة والتضييق على المعارضة ووسائل الإعلام، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. مع هذا، يعتقد خبراء في الجانبين أنه من الصعب على الطرفين التضحية بعلاقاتهما.
... والعرب وإسرائيل
وفي منتصف 2016 قطعت تركيا وإسرائيل خطوة مهمة لإعادة تطبيع علاقاتهما، توجّت بتبادل السفراء في نوفمبر، وهي الخطة التي سبقها الاتفاق على إنشاء خط لنقل الغاز الإسرائيلي إلى تركيا. كذلك، في المقابل، بدأت تركيا العودة إلى تنشيط محور التعاون التركي - العربي عبر البوابة السعودية، وهي تبذل مساعي نشطة حاليًا لتطوير العلاقة مع العراق، كما تحافظ أنقرة على وتيرة هادئة في تنشيط علاقاتها مع إيران.