أفلام المغامرات تسود العام و{الإنسانية} تلجأ إلى موسم الجوائز

السينما العربية والعالمية في 2016

من فيلم «روغ وَن: حكاية ستار وورز» - باتمان ضد سوبرمان والمرأة الحديدية - من «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد - من فيلم كن لوتش «أنا دانيال بلاك»
من فيلم «روغ وَن: حكاية ستار وورز» - باتمان ضد سوبرمان والمرأة الحديدية - من «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد - من فيلم كن لوتش «أنا دانيال بلاك»
TT

أفلام المغامرات تسود العام و{الإنسانية} تلجأ إلى موسم الجوائز

من فيلم «روغ وَن: حكاية ستار وورز» - باتمان ضد سوبرمان والمرأة الحديدية - من «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد - من فيلم كن لوتش «أنا دانيال بلاك»
من فيلم «روغ وَن: حكاية ستار وورز» - باتمان ضد سوبرمان والمرأة الحديدية - من «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد - من فيلم كن لوتش «أنا دانيال بلاك»

ينتهي العام وتلك الأحداث التي تدور فوق كواكب بعيدة جدًا جدًا ماثلة على شاشات العالم بكل «الفورمات» الممكنة: شاشة عادية، شاشة بالأبعاد الثلاثة، آيماكس وآيماكس بالأبعاد الثلاثة، والمؤكد أنه لو كانت هناك أنماط تقنية أخرى في التداول، لشاهدنا «روغ وَن: حكاية ستار وورز» عليها.
كما هو الحال الآن، تجاوز الفيلم سقف الـ600 مليون دولار من الإيرادات في أسبوعين، معززًا موقع شركة ديزني المنتجة، إذ كانت إيراداتها في أميركا وخارجها حتى الأسبوع الماضي قد تجاوزت 7 مليارات من الدولارات بقليل، وبذلك فهي الشركة الأكثر نجاحًا بين كل الشركات والاستوديوهات الأميركية العاملة اليوم.
الفيلم المذكور، وفي حين أنه جيد التكوين والتنفيذ، ويستحق هذا الإقبال الضخم، ينتهي بصورة الممثلة كاري فيشر وعبارتها عن أن «الأمل» هو ما سيحفزها لمجابهة الإمبراطورية العاتية، وذلك على أعتاب الثلاثية الأولى، وبين الثلاثيّتين السابقتين. وتفسير ذلك سيحتاج إلى مقال منفصل، لكن الثلاثية الثانية هي لأحداث تمّت قبل أول «ستار وورز» سنة 1977، مما يجعل الفيلم الجديد واقعًا بين الثلاثيّتين في الوقت الذي انفصل فيه عنهما بحكايته.
المثير هنا هو أن ظهور كاري فيشر التي لا تمثّل في هذا الفيلم، بوجهها الدائري المشع، سبق وفاتها قبل يومين نتيجة أزمة قلبية ثانية، بعدما داهمتها الأولى وهي في رحلة جويّة وتم إسعافها.
إنه كما لو أن صانعي هذا الفيلم كانوا يدركون أن عليهم توجيه تحية للممثلة التي كانت قد ظهرت في فيلم واحد فقط، قبل «ستار وورز»، وهو «شامبو» (دور صغير في هذا الفيلم الذي أخرجه هال أشبي سنة 1975). وجورج لوكاس الذي كان يبحث عن وجهين جديدين اختارها واختار مارك هامل، وأضاف إليهما وجهًا كان يعمل نجارًا في أوقات الفراغ، واستعان به سابقًا في فيلم «أميركان غرافيتي»، وهو هاريسون فورد.

* طموحات فانتازية
بداية، يأتي «أورغ وَن» خاتمة رائعة لسيل من أفلام الخيال العلمي هذه السنة. هو أفضلها بمراحل، لكنها لا تخلو، في الوقت ذاته، من محاولات النكش في مسائل تتعاطى، بنسب مختلفة، مع الإنسان وحكايات الفضاء، أو تلك الحكايات التي تستقبل فيها الأرض زوّارًا من العوالم الأخرى.
«وصول» لدنيس فيلينييف ينافسه على المكانة كأفضل فيلم خيال علمي. أحداثه تدور على الأرض الذي يفاجأ بوصول مخلوقات (تشبه الأخطبوطات الضخمة) في مراكب عملاقة. العلم، تعبر عنه آمي أدامز وجيريمي رَنر، يريد التواصل مع هذه المخلوقات، والسياسيين والعسكريين يريدون الاشتباك معها. بجانب هذين الفيلمين، هناك أكثر من 15 فيلمًا آخر، بعضها توجه مباشرة إلى سوق «دي في دي»، لكن من جرّب حظّه في العرض على الشاشة منها (مثل «الموجة الخامسة»، و«ركّاب» المعروض حاليًا، و«رجل الـ6 بلايين دولار» و«متساوون»)، جذب اهتمامات متفرقة.
معظم هذه الأفلام صغير محدود، وإن تمتع بخيال كبير، لكن أحدها كبير تكلّف 165 مليون دولار، وأخفق في استردادها، ناهيك بإنجاز أرباح مقبولة. هذا الفيلم هو «يوم الاستقلال: انبعاث» لرولاند إيميريش. عمل طائش متهالك لتسجيل نجاح بين الذين أقبلوا على جزء أول قدمه المخرج نفسه قبل عشرين سنة.
على بعد يسير من هذا الجناح، هناك أفلام «السوبر هيرو» المتأصلة في سلسلتي DC وMarvel، في تنافس مشحون على استحواذ إقبال محبي هذا النوع الآتي من صفحات مجلات الكوميكس.
في الشهر الثاني من العام، طالعنا «دَيدبول» المائل إلى معالجة خفيفة (أكثر مما يجب) مع رايان رينولدز في دور ذلك الشاب الذي أجرى له جراح عملية شوّهته، وإن تركته بطلاً مغوارًا.
«باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة» تبعه بخلطة من المواقف: باتمان ضد سوبرمان في أول عشرين دقيقة، ثم كلاهما يؤيد الآخر ضد الأعداء في جلبة من المؤثرات المنفذة على الكومبيوتر التي سلّم فيها المخرج زاك سنايدر القيادة إلى منفذين تقنيين.
«كابتن أميركا: حرب أهلية» تبعه وافتتح موسم الصيف باكرًا. إنه جمع من أبطال الكوميكس، بينهم آيرون مان (روبرت داوني جونيور) ووورماشين (دون شيدل) وهوكآي (جيريمي رَنر) وكابتن أميركا (كريس إيفانز) وبلاك ويدو (سكارلت جوهانسن) مع لفيف آخر. مثل الفيلم السابق، هناك انقسام بين فريقين في هذا الفيلم، وبداية حرب بينهما قبل أن يتفقا على أنهما خُلقا ليحاربا الأشرار جنبًا إلى جنب.
في هذين الفيلمين تشترك المرأة في البطولة جنبًا إلى جنب الرجل، في ظاهرة تتوسع كل سنة. «باتمان ضد سوبرمان» كان عليه أن يُعنون من جديد «باتمان ضد سوبرمان وبينهما ووندروومان» (كما قامت غال غادوت ببطولتها). «كابتن أميركا: حرب أهلية» فيه سكارلت جوهانسن وسكارلت أولسن، لينقذا الرجال من هجمات مفاجئة، والحبل على الجرار كما سنشهد في غضون الحلقة التالية.

* حلم ربع قرن‬
هذا العام شهد المزيد من هذه الأفلام التي لا يعجبها الاكتفاء ببطل واحد، بل تجمع لفيفًا، كل منهم يمكن له أن يكون بطل مغامرات منفردة في أفلام أخرى. الفيلم التالي من هذا النوع كان فيلمًا جديدًا من سلسلة «رجال X: يوم القيامة». مثله، وخلال الصيف أيضًا، «فريق الانتحار» (Suicide Squad)، ثم «النينجا المشوهون المراهقون: خارج الظل» وصولاً إلى «دكتور سترانج» المعروض حاليًا بنجاح متوسط.
هذا وسواه من أفلام الإثارة الخيالية، لم يكن سوى استمرار متواصل لعشر سنوات من الموجة الكوميكية الجديدة المستفيدة من تقدم مبهر في عالم التقنيات، لكن الإبهار هو تقني - تنفيذي محض.
وبسبب هذا النجاح الكبير، على الرغم أنه لا يصيب كل فيلم بالمعدل المرتفع ذاته، واصلت الأفلام ذات الاهتمامات الإنسانية والفكرية تقوقعها هذه السنة أيضًا. فهي تختفي في الصيف، وتتدرج في العروض خلال الأشهر الثلاث الأخيرة من كل سنة، عندما يبدأ شحن موسم الشتاء بالأفلام التي تحلم بالفوز بجوائز العام.
في هذا الإطار، احتل «لا لا لاند» مكانة إيجابية كبيرة كونه فيلمًا عاطفيًا موسيقيًا مصاغًا ببراعة ورهافة على موديل السينما الكلاسيكية في هذا الشأن. «مونلايت» و«مانشستر على البحر» و«صولي» و«لفينغ» ثم «واينر» و«حافة السابعة عشرة» من بين هذا الفريق من الأفلام. بعضها أفضل من بعض، لكن لا أحد منها منفّذ ليكون سابقة في مجاله.
المخرج مارتن سكورسيزي أنجز حلم ربع قرن أو أكثر بتحقيقه «صمت» وهو، على الأغلب، الوحيد من جيل السبعينات الذي أنجز فيلمًا كبيرًا هذا العام.
الفترة ذاتها مسبح ممتع لمجموعة كبيرة من الأفلام الأوروبية التي غزت السواحل والمدن الأميركية بعدما جالت في عدد من المهرجانات الدولية المهمّة. من بينها «هي» لبول فرهوفن (فرنسا، ألمانيا)، و«جاكي» لبابلو لورين (مشترك بين تشيلي والولايات المتحدة)، و«الخادمة» لتشان - ووك بارك (كوريا)، و«جولييتا» لبدرو ألمادوفار (إسبانيا) و«أنا، دانيال بلاك» لكن لوتش (بريطانيا).

‫* بحر المهرجانات
كل هذه الأفلام غير الأميركية شاركت بالمهرجانات الدولية الرئيسية الثلاث. وهي إما عرضت في برلين مطلع العام، وإما في «كان» في ربيعه، أو في «فنيسيا» في أواخر صيفه.
الحكم على المهرجانات الثلاثة المذكورة هذا العام يأتينا ببعض الملاحظات المهمّة.
كالعادة، تنافست هذه المهرجانات الثلاثة على ما توفر لبعض أهم المخرجين العالميين من أعمال. خطف كل مهرجان من درب الآخر بعض الأفلام، لكن الغالب هو أن مهرجان «كان» حافظ على زبائنه المعتادين: الآيرلندية أندريا أرنولد، الإسباني بدرو ألمادوفار، الأميركي جيم جارموش، البريطاني كن لوتش، الفرنسيون برونو دومو، أوليفييه أوساياس، نيكول غارسيا، الكوري تشان - ووك بارك، من بين آخرين.
لكن واحدًا من أهم الملاحظات التي تقبل النقاش هو اختيارات المهرجانات الثلاثة لأفلام الافتتاح. برلين عرض «مرحى، سيزار» للأخوين كووَن، «كان» اختار «كافيه سوسيتي» لوودي ألن، في حين عمد مهرجان فنيسيا إلى «لا لا لاند» لداميان شازيل. مع نهاية العام، يتبدّى أن الاختيار الأفضل كان للمهرجان الإيطالي، ليس من حيث إنه الفيلم الأفضل من بين هذه الأفلام الثلاثة، بل أيضًا لكونه الفيلم الوحيد بينها الذي عاش لينبض حيوية في موسم الجوائز الحالي متمتعًا بنسبة إعجاب كبيرة بين النقاد حول العالم.
هذه الأفلام الثلاثة أميركية ببصمات هوليوودية (رغم استقلالية وودي ألن)، كما لو كان اعترافًا ضمنيًا بعدم ملاءمة أي فيلم غير أميركي ليفتتح مهرجانًا بحجم أي من هذه المهرجانات الثلاثة.
وحين النظر إلى لجان التحكيم التي دعتها تلك المهرجانات للنظر في أفلامها وانتخاب الأفضل، نجد أن بعض الاختلاف حدث: برلين انتخب للرئاسة الممثلة ميريل ستريب، والفرنسي «كان» جاء بالمخرج الأسترالي جورج ميلر، أما الإيطالي فنيسيا فأسند المهمّة إلى البريطاني سام مندس.
النتائج التي توصل إليها كل واحد من هذه المهرجانات ليست على مستوى واحد من الاستحقاق، فبينما منح «كان» جائزته الأولى إلى البريطاني كن لوتش عن فيلمه الموجع «أنا، دانيال بلاك»، وجه برلين جائزته الأولى للفيلم الإيطالي «نار في البحر» لجيانفرانكو روزي. أما فنيسيا، فاختار الفيلم الفيليبيني «المرأة التي بقيت» (رغم وجود أفلام أفضل منه).
المقابل العربي الأكبر لهذه المهرجانات هو مهرجان دبي بلا ريب، وقد افتتح بفيلم أميركي رابع هو «مس سلون» لجون مادن، واختار الألمانية أولريك أوتنجر لقيادة لجنة التحكيم لمسابقة «المهر الطويل»، واختار الأوكراني سيرغي لوزنتسا رئيسًا للمهر القصير، والخليجي القصير والمصري يسري نصر الله رئيسًا للجنة تحكيم المهر الإماراتي.

* حال السينما العربية
علاوة على ما سبق، هناك الاشتراكات العربية التي برزت في مهرجانات هذا العام الدولية.
ففي برلين، تم عرض «بحبك هادي» للتونسي محمد بن عطية في مسابقة المهرجان، في بادرة متباعدة لأكثر من ربع قرن على آخر مرّة قدر فيها لفيلم عربي الاشتراك في المسابقة الرسمية. الفيلم لم يكتف بذلك، بل فاز بجائزتين: أفضل عمل أول، وذهبت لمخرجه، وأفضل ممثل، وذهبت لماجد مستورة بطل هذا الفيلم.
في الجوار، تم عرض فيلمين بالغي الأهمية «بركة يقابل بركة» للسعودي محمود صبّاغ، و«آخر أيام المدينة» للمصري تامر السعيد.
«كان»، من جانبه، عرض «اشتباك» لمحمد دياب في قسم «نظرة ما»، وهو افتتح هذا القسم وسط اهتمام كبير استحقه.
أما فنيسيا، فقد احتفل أساسًا بالفيلم التونسي الجيد «آخر واحد فينا» لنور الدين سليم.
وفي لوكارنو السويسري، تم تقديم الفيلم المصري الرائع «أخضر يابس» لمحمد حمّاد، بينما شهد مهرجان لندن بضعة أفلام عربية، أبرزها «بركة يقابل بركة»، و«يوم للستات» لكاملة أبو ذكري، و«اشتباك»، و«آخر أيام المدينة»، وكلها مصرية.
لكن حال السينما العربية خلال عام 2016 لا يمكن استنتاجه من المهرجانات السينمائية العالمية فقط، فتلك تساهم في الإشارة إلى ما تعتبره الأبرز أو الأهم، في حين أن هناك عددًا من المبادرات الفردية الجيدة التي لا تحظى بالاهتمام الترويجي ذاته. وكما حدث في العام الماضي، عندما تم تجاهل فيلم «هواجس لممثل منفرد بنفسه» لحميد بنعمرة من معظم المهرجانات العربية، تم تجاهل فيلمه الجديد «حزام» هذه السنة حتى من مهرجان مارس طويلاً عملية اختيار الأفضل مثل دبي.
في الواقع، الجوائز التي منحت في مهرجان دبي، خصوصًا في مسابقة المهر الطويل، على جانبيه الروائي وغير الروائي، لم تمثل أفضل ما عرض من أفلام متسابقة. في الروائي، فاز الفيلم العراقي «العاصفة السوداء» لحسين حسن، وفي التسجيلي، فاز الفيلم اللبناني «مخدومين» لماهر أبي سمرا. كلاهما جيد بحدوده (وأولهما عاطفي النبرة، ومن المرجح أنه فاز، ولو جزئيًا، لكونه تعامل مع مأساة اليزيديين). في المقابل، «نار من نار» للبناني جورج هاشم، و«عرق الشتا» للمغربي حكيم بلعباس، و«أخضر يابس» للمصري محمد حماد، كانت الأفضل على الصعيد الروائي، و«ذاكرة باللون الخاكي» للسوري ألفوز طنجور، و«ميل يا غزيل» للبنانية ليليان الراهب، كانا الأفضل تسجيليًا.
النتائج ليست خطأ من المهرجان (ولا هي خطأ من أي مهرجان آخر)، بل تفضيلاً يحسب ما له وما عليه من لجنة التحكيم.

* أفضل أفلام العام

شاهد هذا الناقد 313 فيلمًا جديدًا مختلفًا في العام 2016، في صالات السينما كما في المهرجانات، وعبر «اللينكات» الخاصة.. والقوائم التالية هي نتيجة كل تلك الساعات الطويلة من المشاهدات.

* أفضل الأفلام العربية

(حسب الترتيب الأبجدي):
- «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد (روائي، مصر)
- «آخر واحد فينا» لنور الدين سليم (روائي، تونس)
- «أخضر يابس» لمحمد حمّاد (روائي، مصر)
- «انتظار» لهاني الشيباني وخالد علي (روائي، الإمارات)
- «حزام» لحميد بنعمرة (تسجيلي، الجزائر)
- «ذاكرة باللون الخاكي» لألفوز طنجور (تسجيلي، سوريا)
- «عرق الشتا» لحكيم بلعباس (روائي، المغرب)
- «مطر حمص» لجود سعيد (روائي، سوريا)
- «مولانا» لمجدي أحمد علي (روائي، مصر)
- «نار من نار» لجورج هاشم (روائي، لبنان)

* أفضل الأفلام الأجنبية

(حسب الترتيب الأبجدي):
الروائي
A Good Wife إخراج مريانا كارانوفيتش (صربيا، بوسنيا، كرواتيا).
Distinguished Citizen إخراج غاستون دوبرات (الأرجنتين)
Dog Eat Dog إخراج بول شرادر (الولايات المتحدة)
Hacksaw Ridge: إخراج مل غيبسون (أستراليا)
I‪,‬ Daniel Blake إخراج كن لوتش (بريطانيا)
King of the Belgians إخراج بيتر بروسنس، جسيكا وودوورث (بلجيكا)
La La Land إخراج: داميان شازيل (الولايات المتحدة)
Paradise إخراج أندريه كونتشالوفسكي (روسيا)
Still Life إخراج مود ألبي (سويسرا)
Sully إخراج كلينت ايستوود (الولايات المتحدة)
التسجيلي
De Palma إخراج نوا بومباش، جايك بولترو (الولايات المتحدة)
Fire at Sea: إخراج جيانفرانكو روزي (إيطاليا، فرنسا).
‫I Am Not a Negro ‬إخراج راوول بك (فرنسا) ‫‬
‬Into the Inferno إخراج ڤرنر هرتزوغ (الولايات المتحدة)
When Two Worlds Collide إخراج: هايدي براندبيرغ، ماثيو أورزل (بيرو).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».